◄ الآن عندما نتأمل الخطاب الأمريكي لا نلمح ثمة وجوداً للحديث عن «حل الدولتين» بل في المقابل نجد تصاعداً مرعباً لدعم فكرة «يهودية إسرائيل» ◄ موقف الشعب المصري يمثل عنواناً للشرف في زمن عز فيه الشرف.. ويقدم نموذجاً على تمسك الشعوب بالحق في مواجهة القوة وبالمنطق فى مواجهة الجنون خطورة المنزلق الذى تقودنا إليه تلك المحاولات التى تحاول استعادة عقلية القرون الوسطى فى إدارة العالم، أنها تصنع عالماً بلا قواعد، تكون القوة فيه فقط هى الأداة الوحيدة لتحقيق المصالح وإنفاذ الإرادة دون سند من الحق أو العدل أو القانون، هو منطق فى غاية الخطورة، ويفتح المجال أمام صراعات لا حصر لها. في اللحظات الأولى التى تم فيها إبلاغ الرئيس الأمريكى الأسبق جورج دبليو بوش بوقوع هجمات 11 سبتمبر عام 2001، رد بشكل مباشر قائلاً: «علينا أن نطلق حرباً صليبية جديدة»!! صحيح أن ذلك التصريح سعت دوائر السياسة الأمريكية إلى تخفيفه لاحقاً، وتصويره على أنه مجرد «زلة لسان»، ولا يعبر عن منهجية أو رؤية فى التعامل مع قضايا العالم، إلا أن الواقع وكثيراً من الإدراك العميق لمجريات صناعة تلك السياسة الأمريكية المعقدة يكشف أن قول بوش الابن لم يكن خطأ لفظياً، بل كان ترجمة لفكر يتغلغل فى دوائر صناعة السياسة الأمريكية وقد وصل فى المرحلة الراهنة إلى مستوى بالغ الخطورة والضرر بمستقبل العالم. تذكرت مقولة الرئيس جورج بوش الابن وأنا أتابع جانباً من الجدل الذى أثارته صور نشرها وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيجسيث، وهو يؤدى تمارين لياقة بدنية فى قاعدة عسكرية، وتظهر فيها وشوم حفرها على جسده، وأبرزها كلمة «كافر» باللغة العربية، ووشم آخر يحمل عبارة «Deus Vult» التى تعنى «إرادة الله» باللاتينية، وصليب مُستوحى من الرموز التى كانت تستخدمها جماعة «فرسان الهيكل» التى لعبت دوراً كبيراً فى إشعال الحروب الصليبية خلال القرون الوسطى، والتى لم تكن مجرد مرحلة قاسية وعصيبة فى تاريخ العلاقة بين الشرق والغرب، لكنها تحولت إلى نموذج أسود للوحشية والعدوان والحروب القائمة على اختلاق صراعاتٍ دينية، ولا أعتقد أن العالم يتمنى أن يستعيد ذلك النموذج اليوم. وكما أدرك أن تصريحات بوش الابن لم تكن مجرد خطأ أو «زلة لسان»، فإننى وبنفس المنطق أيضاً أعتقد أن بعض الأفكار التى جسدتها وشوم جسد وزير الدفاع الأمريكى الذى يقود أقوى مؤسسة عسكرية فى العالم ليست موقفاً لرجل من حقه أنه يعتقد ويفعل بجسده ما يريد، بقدر ما تمثل موقفاً يتطلب فهماً أعمق وأكثر دقة لتيار يتنامى فى صناعة السياسة الأمريكية والعالمية يريد أن يدير العالم بعقلية القرون الوسطى!! ■■■ والحقيقة أن البعد الدينى فى صناعة السياسة الأمريكية لم يكن يوماً هامشياً، فمنذ تأسيس الدولة فى الولاياتالمتحدة لعبت الجماعات الدينية ذات الأفكار السياسية دوراً بالغ الأهمية، ومن بينهم: جماعة «البيوريتانيين» أو «التطهريين»، وهى جماعة استطاعت أن تستحوذ على نفوذ كبير فى تاريخ تأسيس الدولة الأمريكية، وكانت أبرز معتقداتها أن «أى إنسان يُدان قانونياً بعبادة إله غير إلهنا سوف يُعدم»، وأثرت أفكار تلك الجماعة بقوة على إعلان الاستقلال ودستور الولاياتالمتحدة لاحقاً. كما يعتقد كثير من الدارسين أن هذه الجماعة مثلت الأساس الفكرى الذى تقوم عليه أفكار اليمين الأمريكى حالياً، وهو التيار الذى بات يكتسب اتساعاً وتأثيراً غير مسبوقين مع ظهور شخصية الرئيس دونالد ترامب على مسرح السياسة الأمريكية. هذه الأفكار وجدت أيضاً رافداً جديداً لها فى ظل تنامى تيار ما يُسمى ب «المسيحية الصهيونية» والتى استطاعت اختراق أفكار العديد من الكنائس المسيحية، لكن أخطر اختراق استطاعت الصهيونية تحقيقه خلال العقود الأخيرة كان التغلغل فى صفوف «الإيفانجيليكيين» أو (الإنجيليين الأصوليين) وهو تيار بات يمثل ثقلاً مهماً ومتزايداً فى المجتمع الأمريكى وأصبح له تأثير هائل على مراكز صناعة السياسة داخل الولاياتالمتحدة، وكذلك التأثير على صياغة قراراتها فى التعامل مع العالم وفق رؤية دينية بالأساس. ودون الخوض فى تفاصيل عديدة حول رؤية ذلك التيار، فإن ما يعنينا فى المقام الأول هو مدى تأثيره علينا وبشكل مباشر فى منطقة الشرق الأوسط، وللأسف فإن الفكرة المركزية فى «الصهيونية المسيحية» تقوم على أنه لكى يتم تسهيل وتسريع عودة السيد المسيح، يتعين ليس فقط قيام دولة يهودية خالصة فى أرض فلسطين، ولكن أيضاً «ضمان أمن وقوة تلك الدولة وتفوقها على «أعدائها» جميعا». ولكى ندرك خطورة هذا التيار، يكفى أن أقول: إن معظم أعضاء الإدارة والكونجرس وجماعات الضغط فى الولاياتالمتحدة يؤمنون بأفكاره، ويتحركون لتحويل تلك الأفكار إلى واقع، وهو ما انعكس بشكل واضح فى موقف إدارة ترامب الداعم لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وكذلك الحديث عن ضم الضفة الغربية تحت مسمى «يهودا والسامرة». وقد مثّل اختيار الرئيس ترامب للقس مايك هاكابي، حاكم ولاية أركنساس السابق، لمنصب السفير الأمريكى فى إسرائيل مؤشراً واضحاً على تنامى هذا التوجه، فقد قال فى أحد تصريحاته السابقة: «لا يوجد شيء اسمه فلسطيني»، وبرر فى مقابلة تليفزيونية جرائم المستوطنين فى الضفة الغربية بأنها «امتداد لوجودهم فى تلك الأرض منذ أكثر من 3 آلاف سنة»!! ويتجسد تأثير تنامى هذا التيار بوضوح فى اتساع نطاق الانحياز الأعمى لإسرائيل فى أروقة صناعة السياسة الأمريكية، فرغم أننا ندرك أن الانحياز الأمريكى لإسرائيل والتعهد بحمايتها ودعمها يمثل التزاماً استراتيجياً لكل إدارات البيت الأبيض مهما تباين توجهها الحزبي، لكن ذلك الانحياز لم يبلغ ما بلغه فى المرحلة الراهنة، فقد كانت السياسة الأمريكية حريصة على حماية إسرائيل حتى من نفسها ومن ممارسات بعض ساستها. وفي عقود ماضية كان الساسة الأمريكيون يبدون التزاماً - ولو ظاهرياً - بحث إسرائيل على القبول بأفكار السلام والتأكيد على مرجعية «حل الدولتين»، فضلاً عن مساعى هؤلاء الساسة إلى تسويق دعمهم لإسرائيل فى إطار دعمهم للديمقراطية، التى يزعمون أن إسرائيل تمثل «واحة لها فى الشرق الأوسط». الآن عندما نتأمل الخطاب الأمريكى لا نلمح ثمة وجوداً للحديث عن «حل الدولتين»، بل فى المقابل نجد تصاعداً مرعباً لدعم فكرة «يهودية إسرائيل» حتى ولو على حساب «ديمقراطية إسرائيل»، وربما يكون ذلك تأثراً بانتشار أفكار «المسيحية الصهيونية» وتوغلها فى العقلية السياسية الأمريكية، وما ينذر به ذلك الانحياز الخطير لفكرة «يهودية الدولة الإسرائيلية»، من نفى لحقوق مختلف الطوائف غير اليهودية التى تعيش على أرض فلسطينالمحتلة، وانتصار لرؤية دينية وسياسية متطرفة بلغت مداها فى ظل حكومة بنيامين نتنياهو الحالية!! ■■■ آخر ما نحتاجه فى عالم اليوم هو استدعاء منطق القرون الوسطى فى إدارة السياسة الدولية، ففى تلك الفترة المظلمة من عمر البشرية، كانت القوة هى معيار الحق، بمعنى أن ما يمكن أن تحققه القوة هو الحق، وما تحوذه بقوتك يصبح حقاً طالما تستطيع فرضه على الآخرين، وهذا فى الحقيقة منطق الغاب وليس منطقاً يصلح لإدارة العالم وبناء حضارة تقوم على العقل وتقر بمبدأ المساواة بين البشر فى الحقوق والواجبات. كما سعت القرون الوسطى إلى توظيف الأديان ليس فقط كوسيلة للحوار والتواصل بين البشر، باعتبار أن تلك الأديان نزلت من السماء لتنظيم حياة الناس وجعلهم أفضل وأكثر قدرة على قبول الآخر والتعامل معهم بمعايير إنسانية فى المقام الأول، بل سعت تلك العصور المظلمة إلى توظيف الأديان كأداة للصراع ووسيلة لصناعة الكراهية، وتحويل الصراعات السياسية إلى حرب بين «الخير والشر»، وبين «الإيمان والكفر»!! ومنذ عصر النهضة، استطاع العالم أن يحقق بعض المكاسب، حتى لو رأى البعض أنها لا تزال مثالية وغير كافية، وفى مقدمتها: الانحياز إلى تغليب قوة العقل على عقلية القوة، وتوافق العالم على العديد من المعايير التى تسعى إلى الالتزام بمواثيق وعهود دولية تحظى بتوافق معظم دول العالم، وتقوم على المساواة بين بنى البشر، وعدم التفرقة بينهم على أى أساس دينى أو عرقى أو طائفى أو طبقي. ورغم ما قد يثيره البعض حول مثالية تلك الأفكار ورومانسيتها، لكنها على الأقل مثلت أساساً لتوافق عالمى واسع النطاق على تنظيم استخدام القوة، ووضع معايير حاكمة للعلاقات بين الدول، تحاول تجنيب البشرية ويلات الصراعات الكبرى على غرار ما حدث فى الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتحث الجميع على تبنى منطق الحقوق الإنسانية والقانون الدولي، بديلاً عن شريعة الغاب وثقافة الهيمنة. لكن الحقيقة الصادمة التى نعيشها اليوم تؤكد أن حالة عميقة وخطيرة من «الرِدة» عن تلك المبادئ تجتاح العالم، والمؤلم حقاً أن تكون منطقتنا العربية هى الميدان الذى تُمارس على أرضه أسوأ أمثلة تطبيق تلك «الرِدة»، ليس فقط عبر ازدواجية المعايير فى تطبيق قواعد القانون الدولى العام والإنسانى إزاء ما يجرى من انتهاكاتٍ وجرائم إسرائيلية تمثل وصمة عار حقيقية فى جبين البشرية، بل فى استعادة منطق القرون الوسطى فى التعامل مع قضية احتلال غير مشروع من جانب طرف يمتلك القوة دون أن يملك الحق، فى مواجهة شعب أعزل يملك الحق دون أن يمتلك القوة. والأسوأ أن المجتمع الدولى الذى توافق على إعلاء قيمة القانون فى مواجهة الظلم، واحترام المواثيق كوسيلة للتصدى للعدوان، واعتمد رفضاً كاملاً لكل صور الاحتلال غير المشروع لأراضى الغير، يقف صامتاً وعاجزاً بشكل مخزٍ أمام استعادة منطق القوة وأفكار القرون الوسطى، ويعجز عن التصدى لجريمة ظلم جديدة تُرتكب ضد أصحاب الحق، فقط لأن الطرف المعتدى يمتلك القوة!! وتكتمل الصورة بشكل أوضح عندما نضع أفكار تهجير الشعب الفلسطينى ومساعى اقتلاعه من أراضيه، فى سياق أشمل يأخذ فى الاعتبار الأفكار الدينية المتطرفة التى تبثها حكومة التطرف الدينى والسياسى فى تل أبيب، لندرك أن ما يجرى اليوم يمثل خطراً حقيقياً على الحاضر والمستقبل، فالعالم الذى دفع ثمناً فادحاً من أمنه واستقراره، فضلاً عن مئات الآلاف وربما ملايين الضحايا لحروب سياسية اتخذت غطاء دينياً، عليه أن ينتبه لذلك الخطر القادم من دولة الاحتلال، والتهديد الكبير الذى تمثله أفكار شخصيات مصابة بهوس الهيمنة والاستيلاء على أراضى الغير، ومساعيها لتبرير أطماعها بذرائع دينية لا أصل لها إلا فى رءوسهم المظلمة. ■■■ خطورة المنزلق الذى تقودنا إليه تلك المحاولات التى تحاول استعادة عقلية القرون الوسطى فى إدارة العالم، أنها تصنع عالماً بلا قواعد، تكون القوة فيه فقط هى الأداة الوحيدة لتحقيق المصالح وإنفاذ الإرادة دون سند من الحق أو العدل أو القانون، هو منطق فى غاية الخطورة، ويفتح المجال أمام صراعات لا حصر لها. وأعتقد أن العالم بدأ يدرك خطورة ما نحن بصدده من تحولات فى إدارة العالم، فالسباق المحموم للتسلح مسألة تدعو إلى التبصر والتأمل، وهذا التسابق لا يقتصر على مناطق الصراعات والحروب الساخنة فى العالم وحسب، بل يمتد إلى دوائر أوسع وأشمل ليصل إلى دول كانت تظن نفسها بمنأى عن التوترات والصراعات، ومنها معظم دول أوروبا وحتى اليابان، وباتت تلك الدول تتجه إلى تخصيص مبالغ مضاعفة من ناتجها الإجمالى للأغراض الدفاعية. المعهد الدولي لأبحاث السلام فى ستوكهولم، وهو إحدي المؤسسات الموثوقة فى تقديم أرقام حول موقف مبيعات الأسلحة عالمياً، يدق ناقوس خطر حقيقى فى أحدث تقاريره عندما يشير بوضوح إلى النمو اللافت فى مبيعات شركات السلاح خلال عام 2024، حيث أشار إلى أن 9 شركات من شركات السلاح ال 10 الكبرى فى العالم سجلت نمواً فى إيراداتها فى العام 2023، وبلغت مبيعات السلاح والخدمات العسكرية للشركات المائة الكبرى 632 مليار دولار فى 2023. مؤشر السلام العالمى للعام 2024 الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام (وهو مؤسسة فكرية عالمية مقرها فى سيدنى بأستراليا) أشار إلى أن هناك 56 مواجهة نشطة فى أرجاء العالم، وهو الرقم الأعلى منذ الحرب الباردة، عدد قليل من الصراعات ينتهى باتفاق سلام أو انتصار حاسم، وأن نسبة النصر المُطلق انخفضت من 49 فى المائة فى سبعينيات القرن الماضى الى 9 فى المائة فى العقد السابق، ونسبة الصراعات التى انتهت باتفاق سلام انخفضت من 23 فى المائة الى 4 فى المائة فى الفترة نفسها. هذا الواقع يعنى أن العالم بالفعل يقف اليوم أمام فوهة بركان نشط، وأن لحظة الانفجار يمكن أن تؤدى إليها سياسات صدامية وأفكار ظلامية مُستوحاة من أسوأ فصول التاريخ! إن عالم اليوم ليس بحاجة إلى شخصيات مصابة بهوس الصراعات الدينية، التى تمثل ثانى أخطر أشكال الحروب، إذ لا يتفوق عليها فى العنف والضراوة سوى صراعات أبناء الدين الواحد، هكذا تخبرنا حقائق التاريخ، أو تنذرنا إن شئنا الدقة. عالم اليوم يحتاج إلى استعادة قيمة «العقلنة السياسية» أى الاعتماد على العقل فى حسم الخلافات، وانتهاج الحوار وسيلة للتوافق فى القضايا التى تتباين بشأنها وجهات النظر، وليس استلهام أسوأ أفكار الماضى وأكثرها عنصرية ودموية، ومحاولة اعتمادها كوسيلة لإدارة العالم، فهو مصيبة كبرى وتهديد بإحراق العالم. ■■■ والسؤال الآن: هل بالفعل يمكن أن يستمر هذا النهج، أو يتحقق له النجاح؟ حقيقة، لا أملك إجابة قاطعة، لكننى أستطيع استبصار مصير العالم إذا ما وجدت تلك الأفكار والسياسات طريقاً إلى التحقق، فالفوضى هى النتيجة المُتوقعة بلا جدال، فغياب القواعد المنظمة للعلاقات بين الدول وحماية الحقوق، والاستناد إلى سلطة الأمر الواقع وفرض «منطق القوة» بديلا ل «قوة المنطق» من شأنه أن يقود إلى حالة مرعبة من الاضطراب والارتباك على الساحة الدولية. كما أن غياب القواعد وتغطية الأطماع السياسية بأستار دينية زائفة من شأنه أن يؤجج خطاب الكراهية بين أنصار الديانات المختلفة، ويمنح الفرصة لتنظيمات التطرف والإرهاب كى تنتعش وتنتشر، فهذه التنظيمات تجد مناخاً ملائماً فى أجواء التوتر والصراع، وتمنحها النزاعات الفرصة لتخرج من جحورها المظلمة كى تقدم للمخدوعين والمُضَللين (بفتح الضاد) خطاباً معادلاً لخطاب الكراهية والعنف الصادر من الطرف الآخر، فلكل فعل رد فعل مضاد فى الاتجاه!! ■■■ في مقابل تلك الصورة القاتمة التى تتهدد العالم وتدعو إلى القلق، فإن ثمة ضوء وموقفاً مشرفاً تعبر عنه الشعوب العربية وفى القلب منها وفى المقدمة، الشعب المصرى النبيل، الذى يضرب أروع الأمثلة فى التمسك بثوابته التاريخية والإنسانية، ويلتف وراء قيادة أعلنت بوضوح أنها لن تشارك فى ظلم جديد لشعب أعزل، لم يرتكب جرماً سوى أنه يريد التحرر من احتلال بغيض، ويتمسك بأرضه ويتشبث بالبقاء عليها. هذا الموقف الذى يمثل عنواناً للشرف فى زمن عز فيه الشرف يمنحنا أملاً فى القدرة على مواجهة مخططات الظلم وأوهام استعادة عصور الظلام، ويقدم نموذجاً على تمسك الشعوب بالحق فى مواجهة القوة، وبالمنطق فى مواجهة الجنون، وبالعدل فى مواجهة الظلم. اللوحة التي رسمها المصريون وهم يحتفلون بعيد الفطر، دون أن ينسوا أشقاءهم فى فلسطين، وتعانقت على ألسنتهم تكبيرات العيد، بالدعاء والهتاف لمساندة أشقاء فى الدم والعروبة والإنسانية، وقبلها مئات وآلاف المواقف الفردية والجماعية، الرسمية والشعبية، تجعلنا ندرك أن هذا الضمير الحى والوعى اليقظ كان حصن الدفاع الأول ليس فقط عن القضية الفلسطينية، ولكن عن قيم العدل والحق والإنسانية فى مواجهة الراغبين فى دفع العالم لآتون القرون الوسطى.