ستظل قضية تسريبات البيت الأبيض حول حرب اليمن مثار صراع داخلى فى الولاياتالمتحدة لفترة قادمة رغم محاولات الرئيس الأمريكى ترامب للتهوين من القضية والإفلات من آثارها. ترامب حرص - من البداية - أن يؤكد أنه لم يشارك مطلقا فيما جرى من كبار معاونيه. كما حرص على تأكيد أنهم لم يفشوا أسرارا عسكرية فى المحادثة (وهو أمر محل شك كبير!!) وأن مستشاره للأمن القومى الذى اعترف بمسئوليته عما حدث هو - كما قال ترامب - رجل طيب وسيستفيد من الخطأ!! لكن ذلك كله لن ينهى الضجة، ولن يوقف تحرك المعارضة الديموقراطية التى مازالت تتذكر أن ترامب خاض معركة الرئاسة الأولى ضد كلينتون باتهامها بقضية مماثلة باستخدام وسائل اتصال غير مؤمنة أدت إلى الإضرار بأمن أمريكا فى حادث الهجوم على السفارة الأمريكية فى ليبيا!! سيستمر النقاش، وربما يؤدى - فى النهاية وبعد أن تهدأ الضجة - إلى الإطاحة ببعض رجال ترامب!! بعيدا عن الصراعات الداخلية فى أمريكا، يكشف التسريب مرة أخرى عن عمق الفجوة التى أصبحت تبعد أمريكا عن حلفائها التاريخيين فى أوروبا. ما قاله نائب الرئيس الأمريكى ووزير الدفاع فى التسريب أن ابتعاد أمريكا عن أوروبا ليس أمرا طارئا، وأن مصير حلف «الناتو» فى مهب الريح، وأن ما بدأ بالحديث عن رسوم جمركية أو استغلال ل»كرم أمريكا» هو - فى حقيقته - قرار بالانفصال تأخرت أوروبا كثيرا فى الاستعداد له، والتعامل مع آثاره الخطيرة. الآن فقط - وبعد تطورات حرب أوكرانيا - تدرك أوروبا أنها ستدفع الثمن الفادح لاعتمادها المبالغ فيه على التحالف مع أمريكا لضمان أمنها. تدرك أن انسحاب أمريكا من قيادة حلف الناتو هو مسألة وقت، وأن القواعد العسكرية الأمريكية فى أوروبا التى توفر التأمين النووى للقارة العجوز لن تبقى. الآن تحاول فرنسا وألمانيا قيادة جهد أوروبى لتدارك الموقف. تضاعفان الميزانية العسكرية ومعهما بريطانيا التى سبق أن تركت أوروبا بتشجيع أمريكى (!!) المهمة صعبة والظروف الاقتصادية سيئة وستزداد سوءا بعد حرب أمريكا التجارية لكن لا بديل إلا الانهيار الكامل للمنظومة الأمنية الأوروبية!! الدرس صعب، وعلى الجميع أن يستوعبه. العالم يتغير، والتحالفات تتبدل، والحقيقة تبقى واحدة ليتها تكون الدستور السائد فى كل عالمنا العربى: لا شىء يغنى عن بناء القوة الذاتية وامتلاك القرار المستقل.