التسريبات الإعلامية الأخيرة فى جريدة وول ستريت جورنال حول أن إدارة الرئيس الأمريكى ترامب تبحث إنشاء قوة عسكرية عربية على غرار الناتو الحديث عن تعاون لتشكيل قوة عربية على غرار الناتو لمواجهة إيران ومكافحة الإرهاب بالتعاون مع حلف الأطلنطى
يبدو أن حلف شمال الأطلنطى الناتو ستكون له تدخلات مقبلة بشكل أكثر قوة فى المنطقة العربية فى الفترة المقبلة، فمن الحديث عن طلب رئيس الوزراء الليبى فائز السراج من الحلف تدريب قوات ليبية إلى الحديث عن تعاون لتشكيل قوة عربية على غرار الناتو لمواجهة إيران ومكافحة الإرهاب بالتعاون مع حلف الأطلنطى. كما افتتح الناتو المكون من 28 عضوا يناير الماضى أول مركز إقليمى له بالمنطقة بالكويت فى إطار مبادرة أسطنبول للتعاون الإستراتيجى مع دول الخليج التى تمت عام 2004، وهى المبادرة التى لم تنضم إليها كل من السعودية وسلطنة عمان حتى الآن، وتم التأكيد على أن هدف المركز هو التعاون لا سيما فى الحرب على الإرهاب والتحليل الإستراتيجى والتخطيط للطوارئ المدنية والتعاون العسكري، والمعروف أن مبادرة أسطنبول للتعاون الإستراتيجى أطلقها حلف الناتو فى قمته بتركيا عام 2004 وانضمت إليها كل من البحرين وقطر والكويت والإمارات، بغرض التعاون الأمنى الثنائى مع دول الخليج، وتقديم الاستشارات فى المجالات الدفاعية، وتشجيع التعاون العسكري-ومكافحة الإرهاب من خلال تبادل المعلومات والتعاون البحري، كذلك أطلق الناتو الذى تأسس منذ نحو 72 عاما بعد الحرب العالمية الثانية عملية (حارس البحر) فى ديسمبر الماضى من أجل تأمين الملاحة ومواجهة شبكات التهريب والإرهاب فى المتوسط خصوصا فى المياه الدولية أمام السواحل الليبية، وأيضا كشف الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرج أخيرا أن الناتو يعمل مع تونس والأردن فى مجال بناء القدرات الدفاعية، وكذلك تدريب القوات العراقية، ثم جاءت التسريبات الإعلامية الأخيرة فى جريدة «وول ستريت جورنال» حول أن إدارة الرئيس الأمريكى ترامب تبحث إنشاء قوة عسكرية عربية على غرار الناتو، بحيث يكون أى اعتداء على دولة من أعضائه بمثابة اعتداء على كل أعضاء الحلف، وستهدف القوة العسكرية لمكافحة النفوذ الإيرانى، وأن أمريكا ستقدم الدعم العسكرى والاستخبارى لها، وقد يتعاون مع إسرائيل فى إطار تبادل المعلومات الاستخبارية، وأن إدارة ترامب تبحث عقد قمة فى واشنطن لقيادات عربية لبحث هذا الموضوع، وتناست تلك التسريبات ومن سربها أن هناك بالفعل اتفاقية دفاع عربى مشترك، وأن إسرائيل وضعت إيران كعدو وتريد أن تستخدم العرب كاداة للصدام مع إيران، ولهذا فأن طهران سارعت بالتحرك وقام الرئيس الإيرانى حسن روحانى بزيارة الكويت وسلطنة عمان الأسبوع الماضى سعيا لتهدئة الأجواء مع الدول العربية خصوصا السعودية. كما تناست تلك التسريبات أن مصر كانت قد طرحت فكرة تشكيل قوة عربية مشتركة فى القمة العربية التى عقدت بشرم الشيخ مارس 2015 ، لكن بهدف مواجهة التحديات أمام الأمة العربية خصوصا مكافحة الإرهاب، وتم بالفعل عقد عدد من اللقاءات بين مسئولين عسكريين ووزراء خارجية ولكن الفكرة لم تر النور بسبب رفض سعودى عراقى جزائرى، واقترحت بعدها السعودية فكرة تحالف إسلامى سنى، لكن تلك الفكرة أيضا لم تنجح. كما أن فكرة إنشاء ناتو عربى ليست جديدة، فقد أطلق مركز الأبحاث السياسية بلندن هذه الفكرة فى سبتمبر الماضى لتشكيل ناتو عربى بقيادة مصر، وتخوف البعض منها واعتبرها محاولة لدس السم فى العسل، من أجل جر مصر إلى ويلات عسكرية هى فى غنى عنها، كما نشر موقع «بريتبارت» الأمريكي، الذى تم إنشاؤه لدعم المرشح الجمهورى الأمريكى دونالد ترامب هذه الفكرة، مشيرا إلى أن مدير مركز الأبحاث السياسية بلندن التقى عددا من المسئولين المصريين الذين تحدثوا معه عن قوة مصر وقدرتها على مكافحة الإرهاب سواء فى مصر أو بعض البلاد العربية، ما دعاه إلى إطلاق تلك الدعوة التى تقوم على قيادة مصر لجيش من الدول العربية لمكافحة الإرهاب، بحيث يتعاون مع الناتو و الحقيقة أن محاولات الناتو للتعاون مع دول عربية خاصة مصر كانت تبرز كل فترة، بل إنه دار حديث فى عام 2002 لانضمام مصر للناتو، وكذلك تم الاتفاق فى 2014 على حوار رفيع المستوى ولكنه لم يحدث، حيث كان وزير الخارجية السابق نبيل فهمت قد التقى فى إبريل 2014 على هامش زيارته إلى بروكسل لرئاسة الوفد المصرى إلى القمة الأوروبية - الإفريقية الرابعة، مع “أندرس فوج راسموسن” سكرتير عام حلف شمال الأطلنطى (ناتو) السابق، حيث تم بحث العلاقات بين مصر وحلف الناتو سواء على المستوى الثنائى أو فى إطار مشاركة مصر فى “الحوار المتوسطي” الذى بدأ عام 1994. ومجالات التعاون بين الجانبين ومن بينها قضايا مكافحة الإرهاب. وتم الاتفاق على تعزيز حوار رفيع المستوى بين مصر والناتو وعقد عدد من اللقاءات بين الجانبين على المستوى السياسى والتعاون العملى، لبحث تفاصيل دعم علاقات التعاون بين الجانبين، خاصة فى مجال مكافحة الإرهاب، والجدير بالذكر أنه تم الإعلان عن تعاون بين الناتو وسبع دول ليست عضواً فى الحلف عام 1994، وهذه الدول هى مصر التى انضمت للحوار المتوسطى فبراير 1995 وكل من إسرائيل وموريتانيا وتونس والأردن والجزائر والمغرب ، بهدف تأسيس علاقات متوسطية أفضل. ويشير مصدر مطلع أن ما يتم نشره وتسريبه عن إعداد لعقد قمة لعدد من القادة العرب مع ترامب لبحث مسألة تشكيل ناتو عربى سابق لأوانه، ولا يوجد حاليا تفكير فى إنشاء قوة عسكرية عربية لمواجهة إيران عسكريا، لكن هناك تنسيقا عربيا لمواجهة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية مثل داعش وغيرها التى تشكل خطرا مباشرا وقويا. ويضيف المصدر أن حلف الناتو نفسه يواجه حاليا إشكالية، نظرا لأن عقيدة تكوينه كانت لمواجهة الاتحاد السوفيتى ثم روسيا، و قد ضعفت تلك العقيدة خصوصا بعد انتخاب دونالد ترامب واتجاهه للتقارب مع روسيا وانتقاده للحلف، وهناك أبحاث صدرت أخيرا عن أهمية تغيير عقيدة الناتو إلى أن العدو ليست روسيا بل الإسلام المتشدد، والتنظيمات الإرهابية. وقد أكد وزير خارجية روسيا سيرجى لافروف فى مؤتمر ميونخ حول الأمن الذى عقد الأسبوع الماضى أن الناتو لا بد أن يتغير، وأنه لا يزال مؤسسة الحرب الباردة، ولهذا فإنه لن يكون قادرًا على الاستمرار على المدى الطويل. وكان الرئيس الأمريكى ترامب قد انتقد الحلف أثناء حملته الانتخابية، أنه عفا عليه الزمن، ثم عاد ليؤكد دعمه له على شرط أن ينفق أعضاء الحلف 2 % من إجمالى ناتجها القومى على النفقات الدفاعية كما تم الاتفاق عام 2014، وهو الاتفاق الذى لم تنفذه إلا خمس دول وهى أمريكا واليونان وبريطانيا وإستونيا وبولندا، وقد جرت مساع داخل أوروبا أخيرا، خصوصا من جانب فرنسا وألمانيا لإنشاء جيش أوروبى، وهو ما أثار رفض بريطانى التى أصرت أن حلف الناتو يكفى. إذن الناتو التى أصبحت عقيدة إنشائه تتلاشى بسبب التقارب الأمريكى الروسى، بدأ يبحث عن دور جديد فى عالم يركز بصفة أساسية حاليا أن العدو هو التنظيمات الإرهابية التى ترفع للأسف راية الإسلام، ويحاول الناتو التداخل بأدوار أكبر فى المنطقة العربية، وفى نفس الوقت تحاول أطراف أخرى استخدام ورقة التعاون بين الناتو ودول المنطقة لجر الجيوش العربية فى دول مثل مصر والسعودية لحروب تحت غطاء مسمى قوة عسكرية على غرار الناتو لإنهاك تلك الجيوش وإضعافها، وربما خلق حروب إقليمية، الأمر الذى لن يَصْب إلا فى مصلحة إسرائيل وحدها، فتصدير فكرة أن العدو هو إيران فقط، وأن إسرائيل دولة صديقة أمر خطير، ويبتعد تماما عن هدف الفكرة المصرية بتشكيل قوة عربية مشتركة لمواجهة التحديات التى تواجه الأمة العربية، ولتكون قوة ردع أمام الطامعين فى أحداث فوضى بالمنطقة العربية كلها وهم للأسف كثر.