يؤكد الدكتور محمد بين يحيى النينوىّ عميد كلية الدراسات الإسلامية فى أمريكا أهمية دور الأزهر الشريف فى نشر وسطية الدين، ونشر ثقافة التعايش السلمى بين الأديان والطوائف والمذاهب.. ويتحدث فى الجزء الثانى من حواره ل «الأخبار» عن ضوابط ومعايير استخدام الذكاء الاصطناعى فى الفتوى، ويشير إلى أهمية استحضار قيم إنسانية مشتركة كالعدل والإحسان؛ لمواجهة الخوف من الآخر وكراهيته، ويؤكد ضرورة تجديد الخطاب الوعظى؛ للتعامل مع المستجدات.. وإلى نص الحوار. اقرأ أيضًا | الدكتور محمد بن يحيى النينوىّ عميد كلية الدراسات الإسلامية بأمريكا: «1-2» ..الأزهر منارة الإسلام يجسّد قيم الشريعة ويعمل لتوحيد الأمة للأزهر الشريف دور كبير تاريخيا وصولا لوقتنا.. ما رأيك فى سبب تفرده واستمراره؟ الأزهر الشريف فى مصر الكنانة له دور تاريخي، ومسئوليات دينية وعلمية واجتماعية تاريخية، وقد واصل القيام بها عبر التاريخ فى نشر هذا الدين، ونشر تعليم القرآن والسنة الشريفة، ونشر تقافة التعايش السلمى بين أتباع كافة المعتقدات ومختلف الطوائف والمذاهب، وأيضاً التعايش السلمى الإنسانى بين البشرية جمعاء، ولا شك أن الأزهر الشريف له دور عظيم فى تحقيق التعايش السلمى وإعلاء القيم الإنسانية العالمية التى جاء بها القرآن فى قوله سبحانه وتعالى: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، هذه عالمية التعايش السلمى وعالمية الرحمة وإعلاء هذه القيم جسَّدها فى كثير من الأحيان أزهرنا الشريف تجسيداً ومصداقاً لدوره المطلوب فى بناء مجتمع إنسانى ينعم بقيم إنسانية إسلامية راقية كفلت للإنسانية كلها ما كفلته نصوص القرآن والسنة من الاحترام والتكريم قال تعالى: «ولقد كرمنا بنى آدم» فهذا دور مصر الأزهر وهذا دور الرحمة والتراحم والتعاطف والبر، التى جاء بها كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وما زال الأزهر يعيش هذا الدور الإصلاحى للمجتمع الإنسانى كاملا مرسخا لثقافة تكريم الإنسان وقبول الآخر وجداله بالتى هى أحسن لبناء نسيج فريد باركه كتابنا وباركته رسالة السماء. الذكاء الاصطناعى بدأ يدخل فى كل المجالات ومنها الفتوى.. ما رؤيتكم لاستخدامه؟ الذكاء الاصطناعى جهد بشرى عظيم وله فوائد جمّة، لكن لا شك أن هذا النوع من الذكاء قد يقدم المعلومة لكن لا يراعى القواعد الأصولية المعتبرة فى الفتوى، فقد يخلط بين الأصول والفروع، وقد يضطرب فى الفتوى؛ لأنه ليس للذكاء الاصطناعى قدرة على الاستنباط الفنى المتعلق بحيثية الفتوى، وحيثية المسألة المقدمة، وإنما هو استنباط عام قد لا يكون على فهم أو قدرة على الاستشهاد فى هذه المسألة خصوصا مقارنتها مع ما يشابهها من مسائل. وفى هذا يجب الرجوع إلى دورالأصولى الفقيه الجامع فلا يكفى فقط فى ذلك أن تجمع أصول المسألة عامة بل تجمع من أكثر من مرجع، ثم تراعى خصوصية المسألة فهذا من سلبيات الذكاء الاصطناعي، ولذلك لا بد من الرجوع إلى أهل العلم وأهل الذكر؛ لأن الفتوى هى تجربة ومعرفة عميقة فى العلوم وفهم للسياق الثقافى والاجتماعى والفكرى وفقه أولويات واستطاعة وفقه مآلات، وفقه موازنات.. كل هذا ينبغى مراعاته مما قد لا يراعيه الذكاء الاصطناعى، لكن طبعا لا بد أن نستفيد من إيجابيات الذكاء الاصطناعى الكبيرة من القدرة على التصنيف والترتيب والترجمة، لكن ينبغى توظيفه واستخدامه كوسيلة من وسائل الفتوى وليس باعتباره الوسيلة الواحدة. هناك قيم ومفاهيم مشتركة تؤسس للسلم الدولي.. كيف يُستفاد منها فى مواجهة الإسلاموفوبيا؟ لا شك أن هناك قيما انسانية مشتركة بين الشعوب يجب تغذيتها وإبرازها وهى مهمة الشعوب والحكومات وطبعا المؤسسات الدينية؛ ديننا يدعونا لدعوة كل العالم إلى قيم السلم والمحبة والتعايش وإلى قيم نبذ الكراهية ونبذ البغض ونبذ العنف ونبذ الحروب وإلى التحرر من الخلافات والكراهية والخصام ولا بد أن تضطلع المؤسسات الدينية والملتزمون بدينهم بهذا الجهد لأن الإسلام. جاء من أجل ترشيد سلوك الإنسان ومن أجل تزكية هذا الإنسان ولذلك اشتغل على ذلك العلماء والمفكرون وغيرهم، طبعا ندعو إلى قيم مشتركة بين كل الإنسانية، هذه القيم المشتركة من العدل ومن الإحسان، ويقول الله تعالى: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى» نعتقد أن هذه الآية تدلنا على قيم مشتركة بين جميع مكونات الإنسانية، فلابد أن نوسع المساحة المشتركة فى هذه القيم بين جميع البشر وبين أبناء الإنسانية جمعا أيضا هذا بطبعه يقلل من مخاطر الإسلاموفوبيا لأننا إذا رجعنا إلى القيم الانسانية المشتركة فى تكريم هذا الإنسان بدأنا فى التعريف بهذا الإنسان وأن الإنسان أخ لأخيه الإنسان وفى هذا ترسيخ لقواعد الإنسانية المشتركة. مواجهة الإلحاد والتشدد تحتاج من علماء الدين والمؤسسات الدينية الى تجديد وسائل الخطاب الإفتائى وتطويرها لنقد الخطابات الإلحادية.. ما رأيكم؟ مواجهة الإلحاد والتشدد تحتاج من أهل العلم الى تجديد الخطاب الوعظى للمواجهة بسماحة الدين ومحبة الدين وانفتاح الدين على العلم والتعلم، لا بد أيضا من الخروج من ضيق بعض الأفكار الحزبية وأفكار الجماعات وغيرها إلى رحابة العلوم الإسلامية العظيمة الكبيرة ولا بد فى ذلك من نقد للخطابات الإلحادية بعلم وأدب ووعى لفهم الإنسان وظروف الإنسان فى هذه الأيام، اليوم الإنسان تحت مطرقة عبادة النفس وعبادة الهوى وعبادة الآراء الشخصية ورأى متبع وشح متبع، إذن لا بد من الرجوع إلى فلسفة الإسلام فى إعجاز القرآن العظيم فى شريعته، فى ربط المخلوق بخالقه، وفى أهمية العدالة الربانية، فى أهمية التكامل الاجتماعي، فى أهمية الأسرة وحقوقها؛ لأننا الآن الإلحاد لم يفكك الفرد فقط من دينه، بل فككه من مجتمعه، ومن أسرته، بل فككه فى نفسه فلا بد من إعادة ترميم الفرد مع نفسه ومصالحته مع نفسه ومع أسرته ومع مجتمعه ومع دينه ومع رسوله ومع ربه. أنصفت الشريعة الإسلامية المرأة وأعطتها حقوقها.. فما سبب التراجع حاليا؟ وكيف يمكن إعادة هذا الدور؟ بالنسبة لإنصاف المرأة لا شك أن من أهم ما جاء به القرآن العظيم إنصاف المرأة وتحريرها من قيود الجاهلية وظلماتها وتعسفها؛ فكرم القرآن العظيم المرأة وأعطاها حقوقها الكاملة بوصفها إنسانا كاملا، إنسانا محترما، إنسانا يشكل نصف المجتمع بل أكثر، وكرمها بوصفها أنثى وكرمها بوصفها ابنة، وكرمها بوصفها أمًّا وكرمها بوصفها زوجة، وكرمها بوصفها عضوا فعالا ناشطا إيجابيا مساهما فى بناء مجتمع كريم يعيش فيه الجميع. جاء الإسلام والجاهلية تنكر إنسانية المرأة وحتى الآن هناك من ينكر إنسانية المرأة، أو من يرتاب فيها أو من يمنعها من حقوقها، فكان فضل الإسلام على المرأة عظيما أن كرمها ودافع عن إنسانيتها ودافع عن أهليتها فى التكليف والمسئولية والجزاء واعتبرها إنسانا شقيقة للرجل لأنهما جزآن من شجرة واحدة وأخَوان لأب وأم وهما متساويان فى أصل النشأة والخلقة، قال تعالى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى»، وقال تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء»، إذن هناك مساواة فى التكاليف والمسئولية والجزاء والمصير وغير ذلك.. وقال تعالى: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض» اجتماعياً هناك دور فى المساهمة يقول تعالى فى تكملة الآية: «يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم» وقال تعالى أيضا فى مساواة المرأة للرجل فى المسئولية: «فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض»، إذن هذه حقوق ومساواة وتكريم، وهكذا أبطل الإسلام ما كان عليه كثير من الناس من حرمان النساء من حقوقهن فى التملك والميراث أو التضييق عليهن والاستبداد بأموالهن فشرع لهن الوصية وشرع لهن الإرث وحق البيع والشراء.. كل ذلك دفاعاً عنهن وتكريماً لهن، ولا يعرف التاريخ ولا تعرف الإنسانية دينا ولا نظاما كرم المرأة وأعلى من مكانتها كالإسلام، فقد أكد الوصية بها وجعلها تالية تابعة للوصية بالله عز وجل وتوحيده وجعل برها أصلا من الأصول العظام كما جعل حقها حقا أكيدا، قال تعالى: «ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن».