فى الجزء الثانى من حواره ل«الأخبار» يوضح المفكر الهولندى ذو الأصول المغربية الدكتور مرزوق أولاد عبد الله إشكاليات استخدام الذكاء الاصطناعى فى الفتوى، وكيفية الحد من تغلغل الجماعات المتطرفة فى عالم الرقمنة وتقليل تأثيراتها على الملايين من الشباب المسلم المتعطش إلى المعلومة الدينية الصحيحة، ووسائل مواجهة الإلحاد والتطرف مؤكدًا أهمية دور الأمانة العامة لهيئات ودور الإفتاء العالمية فى تجميع الجهود والرؤى والتنسيق لإثراء العمليات الإفتائية فى المستجدات والنوازل والبت فيها بما يتناسب والواقع المعيش. عنها يقول إن الأمانة العامة تجمع خيرة الكوادر العلمية والإفتائية والمنسقين لدور وهيئات الإفتاء على المستوى العالمى وهى سابقة من نوعها على هذا المستوى عز نظيرها، وهذا بحق يعد فكرًا متقدمًا ومتطورًا واستراتيجيًا للغاية قصد معرفة ما توصلت إليه هذه الهيئات الإفتائية فى كل بلد على حدة وتجاربهم بخصوص الموضوعات والمسائل المطروحة على ساحة البحث والنقاش ونوعية النوازل التى تطرأ على هذه الدول أو المجتمعات والاطلاع على اهتمامات هذه الهيئات بخصوص الشئون الدينية فى كل دولة هى عضو فى هذه الامانة وما تزخر به هيئات الإفتاء عالميًا، كذلك تبادل الاستفادة من الخبرات والكفاءات الإفتائية لاختلاف الظروف والسياقات والاهتمامات وتجميع الجهود والرؤى عبر التنسيق المحكم والتشاور البناء من أجل إثراء العمليات الإفتائية. فى مستجدات ونوازل يفرضها الواقع المتعدد والمتنوع فى جميع صنوف الحياة وكما تفرضها الضرورات اليومية والاجتماعية والبت فيها بما يتناسب والواقع المعيش فى ضوء النصوص الشرعية وروح الفقه الإسلامى الذى ساير ويساير التطور والتجديد عبر الأزمنة والأمكنة والسياقات خدمة للمجتمعات الإسلامية والبشرية داخل الوطن العربى والأقليات المسلمة فى المجتمعات الغربية وغيرها. اقرأ أيضًا | شيخ الأزهر: صمود الشعب الفلسطيني مليئا بالشموخ والتحدي أنصفت الشريعة الإسلامية المرأة وأبرزت دورها ولكنه تراجع فكيف يمكن إعادة هذا الدور؟ المرأة معززة مكرمة مصانة محترمة فى ديننا الحنيف ولا ينكر ذلك إلا جاهل ومكانة المرأة فى الإسلام واضحة كوضوح الشمس فى وضح النهار. لقد لعبت ما يسمى بجماعات التطرف والتزمت عن جهل مدقع وقصد دورًا كبيرًا وخطيرًا فى رسم تصورهم عن المرأة لا علاقة له بجوهر الإسلام وقيمه. ولإعادة مكانتها فى المجتمع ينبغى بث الوعى وتبصير المسلمين والمجتمع بأهمية دورها الحقيقى من علماء الشرع ومن المؤسسات الدينية المعتمدة ومن علمائها وتفنيد ادعاءات وخزعبلات المتطرفين أو الجاهلين، وبإعطاء مساحة معقولة فى التعليم وعبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى فلا مجتمع سليما وعاقلا يريد أن ينهض بدون ترسيخ حقوق المرأة واحترامها والذود عنها والعرفان لها وتمكينها من المؤسسات الدينية والمجتمعية والسياسية للعب دور مهم فى المجتمع. مواجهة الإلحاد والتشدد نحتاج لتجديد وسائل الخطاب الدينى.. ما رأيكم؟ العالم أصبح فضاء واحدًا بلا حدود وبلا طلب تأشيرات وفيز، والرقمنة وعالم التواصل الاجتماعى والإنترنت أحدث ثورة هائلة فى توفير المعلومات ونقلها إلى العالم بسرعة فائقة عبر ثوان معدودات، بحيث يتلقفها الملايين من البشر عبر العالم كما أن معتنقيه ومنظريه يبذلون جهدًا خرافيًا عبر منصات ومؤسسات ترصد لها ثروة مالية كبيرة بلا حساب وبلا حدود ويتواجدون فى كبريات المنظمات والمؤسسات السياسية والمدنية والجامعات الكبرى حيث تعقد مؤتمرات وندوات محلية وعالمية للتنظير لهذا الفكر الذى يتناقض مع ديننا وقيمنا جملة وتفصيلًا، والشباب وبحكم أنه أخذ بناصية التواصل الاجتماعى بأشكاله وأنواعه ومنخرط فى البحث عن المعلومات بحثًا وتنقيبًا وتقبلًا لو لم يكن محصنًا من الناحية الشرعية والعقدية والتربوية، ربما يقع فى شك أو حيرة من أمره أو فى مصيدة وفى شباك هؤلاء لذلك يجب لزاما على المؤسسات الدينية والتعليمية والدعوية أن تقتحم مجالات التواصل الاجتماعى والرقمنة وأن تعرض فكرًا معاكسًا لما يطرح من قبل الملحدين أو تفنيد مزاعم هؤلاء بطريقة منهجية وعلمية وبلغة علمية سهلة وغير معقدة يفهمها الجيل الجديد.. والرقمنة التى ينبغى أن تنتهجها وأن تسلكها المؤسسات الدينية والإفتائية فى عصرنا الحالى وتجديد الخطاب الإفتائى وتطويره عن طريق الرقمنة قد تلعب دورًا محوريًا فى نشر الفكر العقدى والدينى السليمين الصحيحين وقد تكون وسيلة فعالة فى حماية وتحصين الأمة والشباب من الوقوع فى براثن فكر الإلحاد مما يؤدى إلى التشكيك فى العقيدة وهدم قيمها التربوية والأخلاقية والعقدية والدينية والأعراق والتقاليد وهدم هويتها الإسلامية والتحلل باسم الحرية المزعومة ويلعب الأزهر ودار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لهيئات ودور الإفتاء فى العالم دورًا فعالًا ومحوريًا فى توضيح هذا الفكر ونقده نقدًا علميًا وبناء. الذكاء الاصطناعى ما رؤيتكم لاستخدام الذكاء الاصطناعى فى الفتوى؟ الذكاء الاصطناعى وسيلة جديدة تضاف إلى الوسائل الأخرى الحديثة التى أحدثت ثورة فى انسياب المعلومات بطريقة جديدة ومستحدثة وهى ذات قدرات تشبه قدرات الإنسان فى حل المشكلات، والإسلام يحثنا على أخذ الحكمة أو أى شىء فيه حكمة ولو كان ذلك من غير المسلمين، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها. وهذه الوسيلة الجديدة المكتشفة يمكن الاستفادة منها. وعلينا ألا نخشى استعمالها بل اقتحامها وإذا كان الأمر فيه مصلحة فالشرع يدعم ذلك، وإذا استخدم الذكاء الاصطناعى بطريقة حيادية فى المجال الدينى فلربما يؤدى دورًا إيجابيًا. ويبقى السؤال هل الذكاء الاصطناعى سيكون ملمًا بكل ما له علاقة بالفتوى لأنها تمر بمراحل عند الفقيه المستفتي، وصيرورتها وطرقها ومنهجيتها ومعرفة الأدلة ومناقشتها ومعرفة الصحيح من السقيم والضعيف منها وترجيحها وصولًا إلى تكوين الفتوى الشرعية فى القضايا المعروضة؟ يمكن محاولة اقتحام هذا المجال أى الذكاء الاصطناعى لكن بكثير من الحيطة والحذر والتمحيص والمتابعة والمراقبة. لحكماء المسلمين جهود عالمية كبيرة لبناء مجتمع عالمى قائم على الاحترام المتبادل والتفاهم المشترك.. تقييمكم لدوره ورؤيتكم لتطوير عمله؟ مجلس حكماء المسلمين بقيادة الأستاذ الدكتور العلامة شيخ الأزهر يضم خيرة علماء الأمة ومفكريها ومنظريها وحكمائها وهو إضافة متميزة وحكيمة وجديدة تضاف للميراث الأزهرى الشريف العريق والممتد عبر القرون. والمجلس فكرة تستحق التنويه والتقدير وهى فكرة متقدمة ومتطورة هدفها الدفع بالعلاقات الإنسانية قدمًا بعيدًا عن سوء الفهم والأفكار المسبقة والتصورات النمطية الخاطئة مما يؤدى إلى تسميم العلاقات بين بنى البشر. وفى ظل هذه السياقات يقوم مجلس حكماء المسلمين بدوره فى تذليل هذه الصعاب والعراقيل التى تعترض العلاقات الإنسانية الإنسانية والإسلامية الإسلامية وذلك لرسم خريطة الحوار العالمى الناضج التى تتجاوز القضايا الهامشية إلى الاهتمام بالقضايا الكبرى العالمية التى تمس جوهر الإنسان وكرامته وتكريمه وحمايته والحفاظ عليه بصرف النظر عن معتقداته وقيمه وتقاليده وأعرافه وهى نظرة سليمة وسامية مستنبطة ومستوحاة من روح وجوهر الإسلام الخالد. كيف يمكن الاستفادة من تراثنا فى نشر التسامح فى واقعنا المعاصر؟ فى المجمل يمكن القول بأن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والتطبيقات العملية عبر عصور الإسلام ثرية بهذه القيم والمبادئ وهدفها فى المقام الأول والأخير صناعة مجتمع متسامح متعايش متضامن متكافل بين جميع أطياف المجتمع بدون استثناء تحت راية وطن واحد يسع الجميع ويسعد به الجميع ويتفانى الجميع فى خدمته والولاء له والدفاع عنه. كما اهتمت هذه القيم الدينية بتنظيم العلاقة بين الإنسان ونفسه وأسرته وعائلته وجيرانه ومجتمعه ودولته وبينه وبين بنى جنسه البشرى من أديان أخرى وعقائد دينية أو فلسفية ليعيش المجتمع كل الجميع فى أمن وأمان وطمأنينة واستقرار والمقصود من هذه القيم نقلها من الواقع النظرى إلى التطبيق العملى الملموس فى السلوك والأفعال والتصرفات، كما أن الإسلام بهذه القيم يريد خلق مجتمع عالمى خال من الصراعات والتوترات الدينية والمذهبية والفكرية وصناعة عالم أفضل تسامحًا وتعايشًا وتعاونًا وتناغمًا وأمانًا.