اقتربت الحرب الروسية الأوكرانية من كتابة فصلها الأخير في ظل بوادر سلام وتفاهمات أمريكية روسية لاحت في الأفق خلال الفترة الأخيرة، لتقترب نهاية صراع كاد أن يتحول إلى حرب عالمية ثالثة قطبيها معسكر أمريكا وأوروبا من جهة وروسياوإيرانوكوريا الشمالية من جهة آخرى.. وبينما يتحدث المراقبون عن مكاسب الدول في الحروب يثار سؤال حول مكاسب الدول عند السلام، وهو السؤال الذي نسقطه على الحرب الأوكرانية التي امتدت قرابة 3 سنوات. اقرأ أيضا: اتهمه ب«المقامرة بالحرب العالمية الثالثة».. اشتباك لفظي بين ترامب وزيلينسكي مكاسب أمريكا «ترامب» في خضم الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال العام المنصرم تباهي بأنه يستطيع إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية خلال 24 ساعة في حالة نجاحه، كما أنه دائم التفاخر بعلاقته الجيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وشن هجوما على الإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض آنذاك بقيادة "بايدن" ونائبته "هاريس" واتهمها بإشعال التوتر مع روسيا وزيادة الإنفاق العسكري على أوكرانيا. وبعد نجاح ترامب في الماراثون الرئاسي الأمريكي تحدث عن قدرته على خفض التوترات في مناطق الصراع في العالم وأهمها الحرب الأوكرانية عبر إبرام الصفقات، مؤكدا استحقاقه لجائزة "نوبل" للسلام. وتتمثل أهم مكاسب ترامب في حالة إنهاء الحرب الروسية الأمريكية في ظهوره كوسيط عالمي للسلام، استطاع الوفاء بوعوده الانتخابية بعد توليه منصبه وتدعيم فرصه في استحقاق جائزة "نوبل للسلام"، كما أنه يكون قد نجح أيضا في خفض النفقات الأمريكية على المساعدات العسكرية والإنسانية لأوكرانيا، وهو يتوافق مع خطط ترامب الهادفة إلى تقليص النفقات على الحلفاء. أبرز المكاسب تتمثل أيضا في الوصول إلى اتفاق المعادن مع كييف واستخراج المواد الخام الأوكرانية مثل الغاز والمعادن المهمة، وهو ما يشكل تعويضا لواشنطن عن نفقاتها الباهظة على أوكرانيا خلال الحرب. يمكن أيضا لإنهاء الحرب الأوكرانية أن يدعم العلاقات ويخفض التوتر بين واشنطنوموسكو تمهيدا لتسوية أوسع في ملفات آخرى قد تشمل الشرق الأوسط والنووي الإيراني وملف كوريا الشمالية. وعندما تتحسن العلاقات الأمريكية الروسية يمكن البناء على هذا التقدم المحرز في العلاقات لتحقيق الاستقرار في أوروبا وإزالة التوتر في العلاقات الأوروبية الروسية، وهو ما ينعكس أيضا على زيادة التأثير السياسي لواشنطن على الساحة الدولية خاصة فيما يتعلق بالسياسات الخارجية. مكاسب روسيا «بوتين» أما روسيا فتعتبر الرابح الأكبر في الصراع الدائر مع أوكرانيا والغرب، وعند إنهاء الحرب وإحلال السلام تكون موسكو قد أفشلت أهداف الغرب بانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، وإجهاض أي طموح أوكراني يرمي لهذه الخطوة في المستقبل، وتعزيز أمن روسيا في محيطها الحيوي ما يمنحها مساحة واسعة للتحكم بالمواقف الدولية في منطقة شرق أوروبا. وتبرز أهم مكاسب روسيا في توسيع رقعتها الجغرافية بالاعتراف بالمناطق التي ضمتها من أوكرانيا وتشكل 20% من مساحة الأخيرة، إضافة إلى السيطرة على الموانئ والممرات البحرية في أوكرانيا ما يمنحها عمقا استراتيجيا داخل الأراضي الأوكرانية، فضلا عن الاستفادة بالأراضي الزراعية الشاسعة ذات الجودة العالية. تهدئة التوترات مع الغرب أيضا يعد مكسب لروسيا يمكن استثماره في رفع العقوبات على الاقتصاد الروسي وخاصة في قطاع الطاقة، ويكون "بوتين قد حسن صورته أمام شعبه وتسويق نفسه كقائد دولي استطاع بالحرب والسلام أن يحقق المصالح الاستراتيجية لبلاده وحلفائه. كما أن إنهاء الحرب يمكن أن يعزز الاقتصاد الروسي الذي سيتعافى بفضل تقليل التكاليف العسكرية، إضافة إلى اختبار مدى صدق الحلفاء لروسيا خاصة إيرانوكوريا الشمالية والصين وبلاروسيا وغيرهم. خسائر أوكرانيا «زيلينسكي» أثبت عالم السياسة والعلاقات الدولية والصراعات أنه لا مكان للضعفاء، فقد دفعت كييف الثمن الباهظ بإضاعة أراضيها الاستراتيجية، وتعرضت بنيتها التحتية لدمار هائل، بينما خسر العديد من أبنائها حياتهم في حرب لم تؤد إلى أي تقدم ملموس، ورغم الدعم الغربي، لم تتمكن أوكرانيا من تحقيق هدفها في الانضمام إلى الناتو، وتعرض الرئيس الأوكراني زيلينسكي للإهانة على مرأى ومسمع من العالم كله في البيت الأبيض من "ترامب". بالنسبة لأوروبا فقد تكبدت خسائر اقتصادية وعسكرية ضخمة نتيجة مشاركتها في دعم أوكرانيا، حيث إنفاقها الكبير على هذه الحرب أضعف ميزانياتها، وجعلها أكثر تبعية للولايات المتحدة، مما يتقلص من استقلالها السياسي وأضاعف من قدرتها على التأثير في الشؤون العالمية. نظام عالمي جديد الحرب الروسية الأوكرانية شكلت نقطة فارقة في إعادة تشكيل النظام الجيوسياسي الدولي وفقاً لموازين جديدة، فلم تكن مجرد حرب على الأرض، بل كان معركة لإعادة ترتيب القوى الكبرى على الساحة العالمية، ليكتب التاريخ من جديد بلغة القوة.