كان لمصر السبق حينما ايقنت أن السلام مفتاح أمن المنطقة، وسعت لتحقيقه من منطلق قوة انتصارها فى اكتوبر، فكان توقيع اتفاقية السلام الذى أكد أن الحرب لا تحسم الصراعات والسلام سيظل الأداة الأهم للاستقرار والتنمية، واستمر سعى مصر لتعزيز السلام بما تملكه من ادوات دبلوماسية ونجحت فى وقف اطلاق النار فى غزة ورفض تهجير الفلسطينيين وإعداد خطة اعمار تبنتها القمة العربية الأخيرة. خبراء الدبلوماسية المصرية يؤكدون ذلك فى السطور التالية.. يقول السفير محمد العرابى وزير الخارجية الأسبق إن مصر تعمل دائما للسلام والاستقرار والتنمية، وهو سلام لا يتنازل عن الأرض ولا الحق ومحدداته الشرعية والقانون وميثاق الأممالمتحدة. اقرأ أيضًا | مصر تجدد رفضها القاطع لتهجير الأشقاء الفلسطينيين خارج أراضيهم وسياسة مصر قائمة على صيانة الأراضى والقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطينى، حيث ترى ان قيام الدولة الفلسطينية صمام أمان واستقرار الإقليم، والرؤية المصرية عند توقيع اتفاقية السلام كانت قفزة لم يستوعبها البعض وقتها، وكانت الأوضاع مواتية لتحقيق طموحات الشعب الفلسطينى والانخراط فى عملية سياسية جادة تقود لإنفراجة حقيقية. أما السفير طارق عادل مساعد وزير الخارجية الأسبق فيرى أن السلام من المهم أن يأتى من منطلق القوة وإلا كان استسلاما لا سلاما. وهذا تحديدا ما ايقنه الرئيس الراحل انور السادات عندما قاد مصر لنصر أكتوبر 1973وهو يعلم أن الحرب تحقق نصرا وقتيا والمفاوضات هى التى تحقق السلام الدائم. ومنذ ذلك الحين أصبح السلام خياراً استراتيجياً لمصر إلى اليوم. مازالت تقود مصر جهود تسوية الصراع العربى الإسرائيلى نصرة للشعب الفلسطينى. وتقدمت عبر عقود، ومازالت، بالعديد من المبادرات لتحقيق هذا الهدف آخرها اتفاق وقف النار فى غزة، ثم خطة إعادة الإعمار التى تبناها العرب، لتبرهن للعالم أن مصر والعرب دعاة سلام لا حرب، لتجد إسرائيل نفسها وحدها فى هذا الخندق. ويشدد عادل على ان صمود الشعب الفلسطينى بدعم مصر والدول العرببة يشكل أكبر ضغط على إسرائيل للتجاوب مع مبادرات التسوية، وهو أكبر دليل على أن الحرب لم ولن تجلب الأمن والاستقرار. ومن جانبه يشير حازم خيرت سفير مصر السابق فى إسرائيل ان الواقع يثبت دائما ان مصر لابد أن تقود العرب فيما يتعلق بالسلام مع إسرائيل، والمناخ المواكب لمبادرة السادات للسلام عام 1977 كان مواتياً لاستجابة إسرائيل للكثير من المطالب العربية. وكان ذلك يتطلب موقفا عربيا موحدا حينها. كذلك كان المناخ مناسبا فى لقاء مينا هوس للوصول لحل يتضمن انسحاباً اسرائيلياً من الجولان، بإستثناء جبل الشيخ، وكان شعب إسرائيل سعيدا بهذا السلام لكن الدول العربية وقتها رفضت. وفى 2002 تبنى العرب مبادرة السلام العربية التى كانت أضعف بكثير من مبادرة السادات، وفى العقود التالية أصبحت إسرائيل أكثر تشددا واشتدت الاختلافات العربية لتضيع الفرصة برفض مبادرة السادات. ويرى خيرت أن الانقسام الفلسطينى والخلافات العربية العربية أدت لتراجع الموقف الفلسطينى واستغلال إسرائيل له لإشغال العرب بمشاكلهم الداخلية والابتعاد عن القضية الفلسطينية. لذا لابد من مراجعة سبل إدارة الصراع وترتيب البيت الفلسطينى وتقديم مفاوض فلسطينى يتحدث باسم الفلسطينيين. كل هذا للوقوف أمام الخطط الصهيونية للتخلص من الفلسطينيين والتى قوبلت بموقف قوى من القيادة المصرية التى حرصت دائماً على التعامل بضبط النفس ولديها القدرة على التفاوض مع جميع الاطراف وعندما تضع خطا احمر يلتزم به الجميع. وعن خطة إعمار غزة يرى خيرت انها تواجه تحديات، لكن يمكن التغلب عليها على رأسها التمويل الذى يمكن ان تقدمه دول الخليج بالتنسيق مع المؤسسات التمويلية الدولية وأوروبا، وستسعى إسرائيل لإفشال الخطة عبر تطفيش الفلسطينيين وجعل غزة غير قابلة للحياة، ليجبروا على المغادرة طوعاً رغم انه فى النهاية تهجير قسرى. ويقول السفير جمال الدين البيومى مساعد وزير الخارجية الاسبق: عندما أعلن الرئيس السادات عن استعداده للذهاب لتل أبيب، ليحقق السلام كان قد أعد جيداً لهذه الخطوة. فأجرى مشاورات توسط فيها رئيس رومانيا وقتها «نيكولاى شاوسسكو» ومقابلات مع أطراف إسرائيلية كلف بها السفير حسن التهامى، ليتأكد مسبقا من رد الفعل الإسرائيلى لمبادرته. كذلك استشار وزير خارجية أمريكا «هنرى كيسنجر» لينجح فى خوض معركة للسلام لا تقل خطورة عن معركة التحرير. وعندما وقعت اتفاقية السلام سنة 1979 عوملت على استحياء من الإعلام فلم تنشر نصوصها. ولما قرأ الناس ما اتيح منها بدأت شائعات تتحدث عن بنود سرية، لكن عندما أطلعت على الاتفاقية فى الوثائق الحكومية وجدت أن لاشىء يعيبها. وعندما مثلث مصر فى اجتماع لجنة الأممالمتحدة الاقتصادية والاجتماعية لشرقى آسيا فى بغداد، كان هناك حديث ايضاً عن بنود سرية الأمر الذى رددنا عليه بأن مصر ملزمة فقط بما صدق عليه مجلس الشعب من نصوص وهى المنشورة فى جريدة «الوقائع المصرية». وقد حرصت بعدها على أن اتيح نص الاتفاق لمن يريد. وفوجئت بأن هناك كثيرين لم يطلعوا على الاتفاق فقررت أن يكون الاتفاق ضمن المواد التى أحاضر فيها لدبلوم مهارات التفاوض بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية. وقد تكرر التشكيك فى نصوص الاتفاقية، والرد عليها. منها سؤال الإعلامى الراحل وائل الإبراشى لى عما إذا كانت اتفاقية السلام «تنص» على أنه ليس من حق مصر تصدير بترول إلا بعد استئذان إسرائيل. فأكدت له أن الاتفاقية لا تشمل أى ترتيبات أو مصالح تجارية. وإنما هناك اتفاقية منفصلة تنظم حصول إسرائيل على البترول من حقول سيناء التى تركتها وفقا لاتفاقية السلام. ويضمن الاتفاق لها الاستيراد دون مزاد، وتحديد السعر وفقا للسعر العالمى المعلن فى بوصة «روتردام» يوم التسليم. ويتابع مضت السنين وكل يوم ندرك أن مصر ولدت ثم جاء بعدها التاريخ. وأن كل خيارات مصر كانت للسلام العالمى. وكل من خالف السياسة المصرية ندم واتبعها لاحقا: فالروس انتقدوا عبدالناصر عندما انضم سنة 1968 للاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات GATT ثم انضمت روسيا بعدها فى 2013 بعد 43 سنة من انضمام مصر. والأمريكان والغرب انتقدوا اعتراف مصر بالصين واليوم صارت الصين أكبر مصدّر فى العالم وأكبر شريك تجارى لأمريكا. والأمثلة كثيرة مع كوبا ومع أغلب دول عدم الانحياز. ويرى السفير جمال اليوم أن مصر والدول العربية اليوم تواجه أكبر تحديات العصر لكن الدبلوماسية المصرية تدير الملف بكفاءة تجسدت فى القمة العربية بالقاهرة التى تبنت خطة مصر لإعادة إعمار غزة وتقديم الدعم المالى والمادى والسياسى اللازم مع التحذير من أن أى محاولات لتهجير الشعب الفلسطينى، ستهدد أسس السلام فى الشرق الأوسط». وبدوره أكد السفير محمد حجازى مساعد وزير الخارجية الأسبق دور مصر المحورى فى أمن واستقرار المنطقة والدفاع عن الحقوق العربية والأمن القومى العربى، وكل الخطوات التاريخية التى اتخذتها كانت تصب فى هذا الاتجاه. والدرس المستفاد من توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل هو أن الخيارات المصرية دائماً تسهم فى أمن المنطقة، والحفاظ على مصالحها ومكتسباتها. وقد استثمرت مصر نتائج حرب أكتوبر المجيدة لتحويل دفة الأحداث فى المنطقة من الحرب للسلام، وأثبتت قدرتها على حماية المصالح القومية من خلال جيش منيع وعملية سلام تحفظ مقدرات المنطقة وأرواح أبنائها، فخاضت الحرب ومعركة السلام بنجاح. ويتابع: بعد مرور 46 عاما على اتفاق السلام لازالت مصر من خلال عملها الدؤوب ودبلوماسيتها تسعى لإدارة المشهد المعقّد الذى تمر به المنطقة، والذى يهدد مقدرات الشعب الفلسطينى، فنجحت مفاوضاتها بالشراكة مع قطر وامريكا فى وقف إطلاق النار لأكثر من 50 يوماً، ولازالت تواصل جهودها لبدء عملية إعادة الإعمار التى صنعت من أجلها خطة بمثابة المفتاح لمستقبل الأوضاع فى المنطقة، وحائط صد ضد المشروع الصهيونى للتهجير القسرى. ولطالما أثبتت مصر انها الأقدر على تحقيق المصالح الإقليمية بما يحافظ على ركائز القضية الفلسطينية وبما يضمن امن واستقرار المنطقة ويحقق مصالح الأمة العربية. وأخيراً يقول السفير عزت سعد مساعد وزير الخارجية الأسبق: انه مع استحضار نصر أكتوبر المجيد فى عيده ال 52، وتوقيع اتفاقية السلام عام 1979، علينا استرجاع الأوضاع الداخلية والسياقات الإقليمية والدولية التى تحقق فيها نصر أكتوبر. فداخلياً، استفادت مصر من اخفاقات يونيو 1967 واعادت بناء جيشها، بالتوازى مع حرب الاستنزاف التى بدأت منذ اليوم الأول للنكسة وجعلت العدو الإسرائيلى يعيد حساباته. وإقليمياً، تبنت مصر سياسة اتسمت بالانفتاح والتنسيق مع أشقائها العرب الذين اعتبرتهم مصر شركاء حقيقيين فى معركتها وداعمين أساسيين لها بالمال والسلاح. وعلى الصعيد الدولى، بذلت مصر جهوداً حثيثة، لتوظيف مكاسبها العسكرية لخدمة الدبلوماسية والتفاوض وصولاً لمعاهدة السلام، ما أسفر عن تحرير كامل التراب الوطنى. ويتابع السفير عزت انه فى خضم ذلك لم تتوقف مصر عن واجبها فى استعادة كافة الأراضى العربية المحتلة، عبر الجهود الدبلوماسية التى بذلتها منذ اندلاع الصراع مع إعلان دولة إسرائيل فى مايو 1948. وتتبنى مصر سياسة خارجية نشطة لوقف الحروب ورفض تصفية القضية الفلسطينية وحشد رأى عام إقليمى ودولى فى هذا الشأن، وسط تحديات إقليمية ودولية هائلة أبرزها الخلل الفادح فى ميزان القوة الذى يفرض على صانع القرار توخى الحذر وأخذ العديد من العوامل الداخلية والخارجية، على تناقضاتها، فى الاعتبار.