في ليلة رمضانية من عام 1364ه - 14 أغسطس 1945م، اجتمع الملك فاروق الأول، ملك مصر والسودان، في قصره ليستمع بخشوع إلى تلاوة القرآن الكريم، محاطًا بكبار رجال الدولة، ومن بينهم الشيخ مصطفى عبد الرازق، وزير الأوقاف، والفريق إبراهيم عطا الله باشا، رئيس الأركان، واللواء عبد الله النجومي باشا، قائد الحرس الملكي، وعدد من ضباط الجيش والحرس الملكي. لم يكن هذا المشهد استثنائيًا، فقد اعتاد الملك فاروق على فتح أبواب القصور الملكية أمام أفراد الشعب للاستماع إلى كبار المقرئين في ذلك العصر، وفي مقدمتهم الشيخ مصطفى إسماعيل، القارئ الرسمي للقصر الملكي. كانت هذه الجلسات تعكس جانبًا من الحياة الدينية داخل البلاط الملكي، حيث لم تقتصر الفعاليات داخل القصور على السياسة أو المراسم البروتوكولية، بل امتدت لتشمل المناسبات الدينية التي كان الملك يحرص على حضورها بنفسه. اقرأ أيضا| a href="https://akhbarelyom.com/news/newdetails/4560216/1/%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B4%D9%8A-%D8%AD%D9%83%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D9%81%D8%A7%D8%A9-%D8%A2%D8%AE%D8%B1-%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%AA-%D9%85" title=""معلومة على الماشي".. حكاية وفاة آخر ملكات مصر "الملكة ناريمان"""معلومة على الماشي".. حكاية وفاة آخر ملكات مصر "الملكة ناريمان" وقد تميزت هذه الجلسات بروحانية خاصة، حيث كان يتم تقديم المشروبات والمرطبات للحاضرين من عامة الشعب من قبل مطبخ القصر الملكي، في مشهد يعكس العلاقة بين الحاكم والمحكوم، والقرب الذي أراد الملك أن يجسده بينه وبين شعبه من خلال هذه المناسبات الدينية. فما هي قصة هذه التقاليد الملكية؟ وما هو الدور الذي لعبه الملك فاروق في دعم النشاط الديني في مصر؟ وكيف كان يتفاعل مع كبار علماء الدين والمقرئين؟ ** الملك فاروق والاهتمام بالقرآن الكريم - فاروق والتقاليد الدينية داخل القصر الملكي منذ توليه الحكم في عام 1936م، أبدى الملك فاروق اهتمامًا كبيرًا بالمناسبات الدينية، وكان حريصًا على إقامة شعائر الإسلام داخل القصر، سواء في المناسبات العامة مثل رمضان وعيد الأضحى، أو في جلسات خاصة تجمعه بكبار رجال الدين. كان الملك يستمع إلى تلاوة القرآن الكريم بانتظام، وحرص على اختيار أفضل المقرئين في مصر ليكونوا جزءًا من الطقوس الدينية داخل القصر. ومن بين هؤلاء، برز الشيخ مصطفى إسماعيل، الذي عُيّن قارئًا رسميًا للقصر الملكي، إلى جانب عدد من القراء الكبار مثل الشيخ محمد رفعت والشيخ عبد الباسط عبد الصمد في فترات لاحقة. - جلسات الاستماع إلى القرآن داخل القصور الملكية كانت ليالي رمضان تحمل طابعًا خاصًا داخل القصور الملكية، حيث يجتمع رجال الدولة وكبار المشايخ والمقرئون حول الملك، ليستمعوا إلى آيات الذكر الحكيم في أجواء مملوءة بالخشوع والرهبة. لم يكن فاروق يحتكر هذه اللحظات الروحانية لنفسه فقط، بل كان يسمح لعامة الشعب بالدخول إلى القصر الملكي لحضور هذه التلاوات، وهو تقليد لم يكن شائعًا بين الملوك من قبله. فقد أراد أن يجعل القصر مكانًا يجتمع فيه المصريون للاستماع إلى القرآن، حيث تُقدم لهم المشروبات والمرطبات من مطبخ القصر، في لفتة تعكس البعد الشعبي في إدارة الملك للعلاقة بينه وبين شعبه. ** دور الملك فاروق في دعم علماء الدين والمقرئين - علاقته بالشيخ مصطفى إسماعيل كان الشيخ مصطفى إسماعيل واحدًا من أقرب المقرئين إلى الملك فاروق، حيث تبناه القصر الملكي وخصص له راتبًا رسميًا، ليكون القارئ الأول للملك في المناسبات الدينية. وقد نال الشيخ إعجاب الملك بصوته العذب وأدائه المتميز في التلاوة، حتى أن فاروق منحه وسام الملك تقديرًا له. وقد ساهم دعم القصر الملكي للشيخ مصطفى إسماعيل في انتشار صوته في مختلف أنحاء مصر، حيث أصبح أحد أبرز قراء القرآن في القرن العشرين، واستمر إرثه حتى بعد رحيل الملك فاروق. - علاقته بعلماء الأزهر ووزارة الأوقاف لم يقتصر اهتمام فاروق على المقرئين، بل كان على علاقة قوية بعدد من كبار علماء الأزهر ووزارة الأوقاف، ومن بينهم الشيخ مصطفى عبد الرازق، الذي شغل منصب وزير الأوقاف ثم أصبح شيخ الأزهر فيما بعد. كان فاروق يولي اهتمامًا خاصًا بتجديد المؤسسات الدينية، ودعم الأوقاف الإسلامية، كما كان يحرص على حضور الاحتفالات الدينية الكبرى مثل المولد النبوي وليلة القدر، حيث يلقي الشيوخ خطبًا دينية أمام الملك، ويتلقون منه الهدايا والتكريمات. ** الدور الديني للقصور الملكية في عهد الملك فاروق - فتح القصور لعامة الشعب على الرغم من الصورة التي رُسمت عن الملك فاروق لاحقًا باعتباره حاكمًا يعيش في بذخ ورفاهية، إلا أن بعض التقاليد التي أرسى دعائمها في القصور الملكية كانت تعكس انفتاحًا على عامة الشعب، ومن بينها السماح لهم بحضور جلسات القرآن الكريم. لم يكن هذا مجرد تقليد بروتوكولي، بل كان وسيلة لتعزيز التواصل بين الملك وشعبه، حيث لم تقتصر المناسبات الدينية على رجال الدولة فقط، بل كان المواطنون البسطاء يشاركون في هذه الأجواء الروحانية. - القصر الملكي كمركز للنشاط الديني إلى جانب جلسات تلاوة القرآن، كان القصر الملكي يشهد العديد من المناسبات الدينية التي تجمع علماء الأزهر وكبار الشخصيات الإسلامية. كما كان هناك إشراف مباشر من الملك على شؤون الأوقاف الإسلامية، حيث حرص على الحفاظ على أموال الأوقاف وصيانتها. ** ليلة السادس من رمضان عام 1364ه (1945م): جلسة روحانية في القصر الملكي - الملك فاروق وسط كبار رجال الدولة في ليلة السادس من رمضان عام 1364ه، اجتمع الملك فاروق في إحدى القاعات الكبرى داخل القصر ليستمع إلى تلاوة القرآن الكريم. كان المجلس يضم شخصيات بارزة، على رأسهم: الشيخ مصطفى عبد الرازق – وزير الأوقاف. الفريق إبراهيم عطا الله باشا – رئيس الأركان. اللواء عبد الله النجومي باشا – قائد الحرس الملكي. عدد من ضباط الجيش والحرس الملكي. ** تلاوة القرآن بصوت الشيخ مصطفى إسماعيل جلس الملك فاروق في خشوع، بينما بدأ الشيخ مصطفى إسماعيل في تلاوة آيات من القرآن الكريم بصوته العذب الذي كان يملأ الأرجاء بهالة من السكينة والروحانية. كان الجميع ينصتون في صمت، بينما كان الملك يتابع التلاوة بتركيز وتأثر واضح. ** الضيافة الملكية لعامة الشعب خلال هذه الليالي، كان عامة الشعب الذين يُسمح لهم بالدخول يجلسون في ساحات القصر، حيث تُقدم لهم المشروبات والمرطبات من مطبخ القصر الملكي، في تقليد يعكس اهتمام الملك فاروق بإشراك المواطنين في هذه المناسبات الدينية. ** الملك فاروق والتراث الديني الذي تركه وراءه رغم الجدل الذي أحاط بحكم الملك فاروق، إلا أن الجانب الديني في عهده يبقى أحد الجوانب المضيئة التي تستحق التأمل. فقد كان للملك رؤية في دعم المقرئين وعلماء الدين، وجعل القصور الملكية فضاءً مفتوحًا للاستماع إلى القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك. بعد ثورة 1952م، تغيرت ملامح الحياة داخل القصور الملكية، وتغيرت علاقتها بالمناسبات الدينية، لكن تظل تلك الليالي الرمضانية التي جمعت الملك فاروق بعلماء الدين والمقرئين جزءًا من التاريخ الذي يعكس صورة مختلفة عن الملك، ربما لم تحظَ بالاهتمام الكافي في السرديات التاريخية المعتادة. إنها حكاية ملك جلس في قصره ليستمع إلى القرآن الكريم، بينما كانت أبواب القصر مفتوحة لشعبه، في مشهد يجمع بين السياسة والدين، وبين الحاكم والمحكوم، في أجواء روحانية نادرة الوجود في أروقة الحكم.