في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي، كانت القصور الملكية في مصر، تزخر بمظاهر الاحتفال بشهر رمضان الكريم. والملك فاروق الأول، آخر ملوك مصر، وكان يحرص على إقامة موائد الإفطار الملكية التي جمعت بين روحانية الشهر الفضيل وفخامة التقاليد الملكية. وكانت هذه الموائد تجمع شخصيات بارزة من رجال الدولة، والأزهر الشريف، وكبار الضباط، والأدباء والمفكرين، في أجواء يسودها الاحترام والهيبة، مع تقديم أشهى الأطباق التي أعدها مطبخ القصر الملكي بعناية فائقة.. ما الذي كان يميز هذه الموائد؟ وكيف كانت تعكس مكانة الملك فاروق وعلاقته بالشعب ورجال الدين؟ اقرأ أيضا | أصل الحكاية | الأميرة فائقة فؤاد.. قصة حياة مليئة بالتحديات والتحولات مظاهر الاحتفال برمضان في القصور الملكية - إعداد القصر لاستقبال الشهر الفضيل مع حلول شهر رمضان، كانت القصور الملكية، وعلى رأسها قصر عابدين وقصر القبة، تتزين بالأضواء والفوانيس، وتُقام حلقات تلاوة القرآن الكريم، حيث كان الملك فاروق يحرص على الاستماع إلى كبار المقرئين المصريين، مثل الشيخ مصطفى إسماعيل، القارئ الرسمي للقصر. الدعوات الملكية للإفطار كان الملك يدعو شخصيات من مختلف الطبقات الاجتماعية، بمن فيهم: رجال الأزهر والأوقاف. قادة الجيش والشرطة. رجال السياسة والدولة. الأدباء والصحفيون. بعض المواطنين من عامة الشعب، في بادرة تقرب من الناس. تفاصيل مأدبة الإفطار الملكية - تنظيم المائدة الملكية - تُقام المائدة في قاعة الطعام الملكية داخل أحد القصور. - تُغطى المائدة بأفخم أنواع المفارش المطرزة. - يُقدم الطعام في أطباق فاخرة تحمل شعار الملكية المصرية. الأطباق المقدمة كان الإفطار يضم مجموعة من الأطباق المصرية التقليدية مثل: - التمر واللبن لبدء الإفطار وفق السنة النبوية. - الشوربة الساخنة، ومنها شوربة العدس أو لسان العصفور. - الأطباق الرئيسية مثل الفتة، والحمام المحشي، ولحم الضأن المشوي. - أصناف الحلويات الشرقية مثل الكنافة، والقطايف، والبقلاوة. رمضان وعلاقة الملك فاروق بالشعب - إفطار الفقراء على نفقة القصر لم تقتصر موائد الملك فاروق على القصور الملكية فقط، بل كان يخصص موائد رمضانية ضخمة في الميادين العامة لإفطار الفقراء والمحتاجين، حيث تُوزَّع الوجبات من قبل رجال البلاط الملكي. مشاركة الملك في المناسبات الدينية - حضور صلوات التراويح في مساجد شهيرة. - توزيع الهدايا على الفقراء وكسوة رمضان لبعض العائلات المحتاجة. - دعوة شيوخ الأزهر والمفكرين لمناقشات دينية بعد الإفطار. مثّلت موائد الإفطار الملكية في عهد الملك فاروق جزءًا من تقاليد القصور الملكية المصرية، حيث مزجت بين الفخامة والكرم، وبين الروحانية والمكانة السياسية. كانت هذه المآدب تعبيرًا عن احترام الملك للتقاليد الإسلامية، ومحاولة لتعزيز صورته كملك قريب من الشعب، في وقت كانت مصر تشهد فيه تحولات سياسية واجتماعية كبرى. ورغم زوال الملكية عام 1952م، لا تزال ذكريات رمضان الملكي محفورة في تاريخ مصر، شاهدة على عصر كانت فيه القصور تفتح أبوابها لتجمع بين الملوك، ورجال الدين، وعامة الشعب في لحظة إيمانية واحدة.