رمضان زمان كان فرصة مدتها 30 يوما ل «لمة العيلة» التى افتقدناها أخيرا مع وسائل التواصل الاجتماعى وانشغال كل منا فى شاشته ومع نفسه . لا أدرى ما السبب؟ مهما تطورت التقنيات وتعددت وسائل الراحة والترفيه لايزال القديم يكسب وعلى طول الخط.. وتعتبر الأغانى مقياسا مهما لجميع المجالات فمازال الناس يرددون أغانى رمضان القديمة مثل «مرحب شهر الصوم .. وحوى يا وحوى .. رمضان جانا وافرحنا به .. هاتو الفوانيس يا ولاد .. وافرحوا يا بنات» ورغم المحاولات المتكررة لإزاحة تلك الأغانى الجميلة عن عرشها لا تزال على القمة تتردد فى تحد للزمن والتقنيات المتطورة. فى ظنى أن ذلك يرجع أن أهل الفن زمان كانت تتملكهم روح الهواية وحب الفن للفن ولم تكن الاحترافية ولزوم الصناعة وطغيان الإعلانات واعتبارات السوق قد أحكمت سيطرتها على المجال. الحديث لا يقتصر على الأغانى بل يمتد لعادات رمضان زمان ودلوقتى فالقديم يكسب أيضا بل ونشفق على أولادنا الذين لم يشهدوا عادات زمان ويسمعونها من الآباء والأمهات والأجداد كالأساطير.. وكم أرى علامات التعجب والاندهاش إذا ما طال الحديث مع أولادنا عن عادات زمان.. فانوس رمضان زمان كان خشبيا ويضاء بشعلة ثم ظهر الفانوس الصاج والزجاج بالشمعة وكنا نسعد ونحن صغار بالفانوس بل ونلف به القرية بصحبة المسحراتى وكانت عادة تبث الفرحة والسعادة فى نفوس الصغار.. الآن تعددت أشكال الفوانيس وتنوعت وأصبحت تعمل بالبطاريات وتعددت ألوان أضوائها وإمكاناتها فى أن تذيع مقاطع أغانى رمضان الشهيرة لكنها لا تضارع جمال الفانوس أبو شمعة. مسحراتى زمان كان يلف القرى والنجوع لا زاد له سوى طبلة وعصا يضرب بها طبلته بينما زوجته أو ابنه يحمل له مصباح الجاز وكان المسحراتى يبدأ عمله قبل ساعة من موعد السحور وكان يوقظنا بالفعل وكنا نهب من النوم فرحا لمرافقته وهو يضرب بعصاه فى جميع أنحاء القرية وكنا نحزن كثيرا إذا ما فاتنا قطار المسحراتى فى رحلته اليومية. مسحراتى الوقت الحالى يبدأ نشاطه مبكرا والناس جميعا أيقاظ بل وهم يتسوقون مستلزمات السحور الأمر الذى يثير تساؤلات الصغار عن ماهيته وماذا يفعل ولماذا ؟.. أولادنا لا يعرفون برنامج مسحراتى التلفزيون الذى كان يكتبه الشاعر الكبير فؤاد حداد وأداء وألحان الموسيقار سيد مكاوى.. لم يكن مسحراتى التلفزيون مستهدفا إيقاظ الناس للسحور بل إيقاظهم وتوعيتهم بسلوكيات يجب اتباعها فى الشهر الكريم أو الأمثال الشهيرة مثل « اللى قبلينا قالوا فى الأمثال الرجل تدب مطرح ماتحب وأنا مسحراتى فى البلد جوال». لمة العائلة رمضان زمان كان فرصة مدتها 30 يوما ل «لمة العيلة» التى افتقدناها أخيرا مع وسائل التواصل الاجتماعى وانشغال كل منا فى شاشته ومع نفسه. كنا ننتظر أذان المغرب بصوت الشيخ محمد رفعت ثم حكايات ألف ليلة وليلة بصوت الرائعة زوزو نبيل وكبرنا على عبارة: ولما أدرك شهر زاد الصباح سكتت عن الكلام المباح «مولاى».. كان كل عام فى أجندة التلفزيون مسلسل دينى أو تاريخى ومسلسل أو اثنان اجتماعى وألف ليلة وليلة بمسمياته المختلفة وفوازير نيلى وبعدها شريهان ثم فطوطة «سمير غانم».. الآن تعددت الفضائيات بما يماثل العدد فى الليمون بما يدخلنا فى تشويش وسباق بين من يريد مشاهدة برامج المقالب السخيفة أو المسلسلات الكوميدية دون تركيز مع كم هائل من مسلسلات يغلب عليها طابع العنف وحكايات الخيانة إلا فيما ندر حال وجود مسلسل وطنى يجتذب الأنظار مثل الاختيار بأجزائه ليلتف حوله الناس بما يدحض مبررات المنتجين بأن «الجمهور عايز كده». وتبدو دراما رمضان هذا العام كسابقتها سباق مسلسلات وفضائيات مثل المطر تفقد المشاهد التركيز بل تدخله لمجال التشويش.. ومع غياب مسلسل قوى من ماركة الاختيار أو الحشاشين أو الكبير أوى هناك سباق على إفيهات الترند والتى تتصدرها غادة عبد الرازق: أنا عاملة عملية وشايلة الحنية.. والأغرب هو السباق على برامج توزيع الأموال على المشاهدين مثل «مدفع رمضان» أو ربط البرامج والمسلسلات بمسابقات تافهة ومنح جوائز للفائزين مثل برنامج رامز إيلون مصر وأحمد العوضى بطل مسلسل فهد البطل.. ورغم أن مثل تلك الأساليب تستهدف مساعدة الناس لكنها تؤصل لاتجاه جديد فى تيار الاقتصاد الريعى والاتكالية بما يؤثر على قيمة العمل والسعى وكان الأجدى من ذلك التبرع بهذه الأموال للجمعيات الخيرية لتوزيعها على المحتاجين بشكل عادل. زمان قريتنا كانت بمثابة موائد رحمن لكل أهالى القرية فبإمكانك تناول إفطارك فى أى منزل فلا أحد غريب بيننا الأبواب كلها مشرعة والموائد منصوبة فى مدخل الدار وكنا نسميه «الدهليز».. كانت الأوضاع والمستوى الاجتماعى متشابهة إلى حد كبير لذا كان الجميع يعملون بمبدأ «لقمة هنية تكفى ميه». الآن حلت محلها فى أحيائنا الراقية والشعبية موائد الرحمن وهى عادة محمودة للتكافل والتراحم فى الشهر الكريم وحسنا فعلت محافظة القاهرة بتيسير تنظيم موائد الرحمن بدون رسوم وهو أمر نتمنى أن يعم جميع المحافظات فهى عادة ندعو الله تعالى ألا يقطعها عنا فهى وسيلة مهمة للتكافل فى الشهر الكريم. أهلا رمضان يثلج صدرى - فى ظل التحديات الاقتصادية التى نواجهها بفعل الأوضاع الدولية فى معظم دول العالم- جهود الدولة للتخفيف من حدة الغلاء عبر توفير السلع فى منافذ عديدة مثل معارض «أهلا رمضان وكلنا واحد وأسواق اليوم الواحد» واعتبرها وسائل مهمة لضبط الأسعار عبر تكثيف العروض المخفضة تخفيفا على فئات الشعب خاصة محدودى الدخل فتلك البدائل المهمة تعتبر حائط صد ضد المغالاة فى الأسعار وهامش الربح.. ويسعدنى دائما إحساس المواطن بأن تلك البدائل أعانته على ظروف المعيشة ووفرت له السلع الأساسية بأسعار مناسبة. رمضان شهر الرحمة والتكافل وليس شهر الطعام وليس هناك داع للتكالب على شراء الاحتياجات بكميات كبيرة لا لزوم لها بما يؤثر على عرض السلع فالوضع الاقتصادى لا يتناسب مع كميات الطعام الفائضة عن الاحتياج والتى تذهب لصناديق القمامة.. لنشترى بقدر احتياجنا دون إسراف ولا تقطير.. الدولة استعدت بمخزون استراتيجى آمن.. إذن لا جدوى لتخزين السلع فى شهر التراحم والتكافل وياحبذا أن يكون الترشيد ديدننا طوال العام. الشاطر محمود جهود الدولة للنهوض بالقطاع السياحى للوصول لرقم 30 مليون سائح سنويا ليس مستحيلا فنحن نمتلك ثلثى آثار العالم بجانب مقومات السياحة الدينية والشواطئ الممتدة على ساحلى البحرين المتوسط والأحمر شريطة المشاركة المجتمعية فالسائح فى ظل ثورة المعلومات المتلاحقة لم تعد تجدى معه حيلة تشترى كلب أو أن تبيع له زجاجة المياه ب 20 جنيها ولابد أن يعامل بأحسن طريقة فالسياحة مصدر مهم للنقد الأجنبى وحال النهوض بها فهذا طريقنا الممهد لإنعاش الاقتصاد بما يليق بإمكاناتنا. لنقتدى جميعا بالشاطر محمود فتى نوبى11 عاما.. محمود يعمل فى بيع الحظاظات ومشغولات يدوية للسياح فى أسوان .. سائحة أرجنتية تدعى ماريا اشترت منه 4 حظاظات مقابل 5 دولارات فأخذ الورقة المالية ودسها فى جيبه.. جلس فى استراحة وعد حصيلته من البيع واكتشف أن السائحة أعطته بالخطأ ورقة مالية ب 20 دولارا.. «لم يقل حظك يا عم عادى وهشوفها فين تانى رزقك يا واد يا محمود» أصر على البحث عن السائحة فى مرفأ المراكب وداخل المعبد وفى محيطه.. تاهت السائحة وسط السياح لكنه لم يهدأ وظل لساعات يبحث عنها إلى أن وجدها ورد لها باقى المبلغ.. أعجبت السائحة بأمانته وأخذت صورة معه ونشرت قصته فى حسابها على إنستجرام وتناقلته وسائل الإعلام الأرجنتينية.. وكتبت عبارة تمثل خير دعاية للسياحة المصرية: سأزور مصر مرة أخرى وسأدعو أصدقائى فى القادم لزيارة زهرة الجنوب أسوان.. ليتنا نتعلم من الشاطر محمود .