كانت العطور عنصرًا أساسيًا في الحياة المصرية القديمة، حيث استخدمها الفراعنة في الطقوس الدينية، والممارسات الطبية، والتجميل، وحتى في تحنيط الموتى. وكان للعطور قيمة روحانية ورمزية، إذ اعتقد المصريون أن الروائح الزكية تقرّبهم من الآلهة، وتساهم في تحقيق التناغم بين الجسد والروح. وفي هذا السياق، يقام حاليًا المعرض المؤقت "العطور في مصر القديمة" بالمتحف المصري بالقاهرة في قاعة 44 بالدور الأرضي، والذي يسلط الضوء على أسرار العطور الفرعونية، مكوناتها، وطرق تصنيعها، بالإضافة إلى عرض قطع أثرية نادرة تعكس استخدام المصريين القدماء لهذه المواد العطرية. ونظرًا للإقبال الكبير، تم تمديد فترة المعرض لمدة شهر إضافي طوال شهر رمضان الكريم، مما يمنح الزوار فرصة استثنائية لاستكشاف عالم العطور الفرعونية، بل وتجربة إحداها من خلال تركيبة عطرية تم تحضيرها وفقًا للنصوص الأثرية المدونة على البرديات القديمة. أسرار العطور في مصر القديمة 1. العطور كجزء من الطقوس الدينية لم تكن العطور في مصر القديمة مجرد وسيلة لتعطير الجسد أو تحسين الرائحة، بل ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالطقوس الدينية. كان الكهنة يستخدمون الزيوت العطرية في تقديم القرابين للآلهة، حيث كان يُعتقد أن العطر النقي يرضي المعبودات ويجذب البركة. ومن أشهر الزيوت العطرية التي استخدمت في المعابد زيت الكيفي (Kyphi)، وهو خليط معقد من العطور كان يُحرق كنوع من البخور المقدس. 2. استخدام العطور في الحياة اليومية والتجميل حرصت الملكات ونخبة المجتمع المصري القديم على استخدام العطور كجزء من الروتين اليومي للعناية بالبشرة والجمال. وقد عُرف أن الملكة كليوباترا كانت تستخدم عطورًا خاصة بها، بل وكانت تمتلك معامل خاصة لصناعة العطور داخل قصرها. أما الملكة حتشبسوت، فقد لعبت دورًا محوريًا في استيراد المواد العطرية من بلاد بونت (الصومال حاليًا)، حيث قامت بإرسال بعثات تجارية لجلب الزيوت النادرة مثل المرّ والبخور، لاستخدامها في المعابد وطقوس العناية بالبشرة. ويُعتقد أن التمثال المعروض في المعرض المؤقت، والذي يظهر فيه شخص يحمل مزهرية تحتوي على دهن عطري، يعود في الأصل إلى حتشبسوت، مما يؤكد اهتمامها الشديد بالعطور وأهميتها في البلاط الملكي. 3. العطور في التحنيط والممارسات الجنائزية لعبت العطور دورًا حيويًا في عملية التحنيط، حيث استخدمت الزيوت العطرية مثل زيت الأرز والمرّ والقرفة لحفظ الأجساد وحمايتها من التحلل، مما يضمن للمتوفى رحلة آمنة إلى العالم الآخر. كما كان المصريون القدماء يضعون العطور والبخور داخل المقابر لتوفير أجواء روحانية تعكس الطهارة والنقاء. القطع الأثرية البارزة في المعرض 1. تمثال يحمل مزهرية عطرية (ربما يعود لحتشبسوت) المادة: الألباستر الارتفاع: 34 سم العرض: 30.5 سم السمك: 15.5 سم مكان الاكتشاف: مخبأ الكرنك يُعتقد أن هذا التمثال يمثل الملكة حتشبسوت، وهي تقدم دهنًا عطريًا مقدسًا للمعبود آمون، وهو ما يرتبط برحلتها الشهيرة إلى بلاد بونت لجلب المواد العطرية النادرة. 2. أواني العطور والزيوت العطرية يضم المعرض مجموعة نادرة من الأواني الفخارية والحجرية التي كانت تُستخدم في تخزين العطور والزيوت المقدسة. بعض هذه الأواني مصنوعة من الألباستر، وهو حجر كان شائع الاستخدام لحفظ العطور بسبب قدرته على الحفاظ على جودة المواد العطرية لفترات طويلة. 3. نصوص بردية عن صناعة العطور يعرض المعرض عددًا من البرديات الأثرية التي تحتوي على وصفات لتحضير العطور المصرية القديمة، والتي تتضمن مكونات طبيعية مثل زهور اللوتس، والمرّ، والقرفة، والورد، واللبان. تجربة الزوار في المعرض من أبرز التجارب الفريدة التي يوفرها المعرض هي إمكانية استنشاق وتجربة أحد العطور المصرية القديمة، والذي تم تحضيره بدقة وفقًا للوصفات التاريخية المذكورة في البرديات. وتتيح هذه التجربة للزوار استشعار عبق الماضي والانغماس في الأجواء الفرعونية القديمة. مواعيد الزيارة ورسوم الدخول المعرض متاح يوميًا من الساعة 9 صباحًا حتى 4 مساءً. الدخول للمعرض مجاني ولا يتطلب أي رسوم إضافية. تمديد فترة العرض طوال شهر رمضان الكريم لمنح الزوار فرصة أكبر للاستمتاع بالتجربة. تم إيقاف عرض نظارات الواقع الافتراضي VR خلال فترة التمديد. يعكس معرض "العطور في مصر القديمة" الدور المحوري الذي لعبته الروائح والعطور في الحياة الدينية، والاجتماعية، والطبية عند المصريين القدماء. فمن خلال استكشاف القطع الأثرية، وتجربة العطور الفريدة، يستطيع الزوار إلقاء نظرة عميقة على الحضارة الفرعونية من منظور مختلف تمامًا. سواء كنت من عشاق التاريخ، أو محبي العطور، أو الباحثين عن تجربة ثقافية مميزة، فإن هذا المعرض يمنحك فرصة استثنائية للانغماس في أسرار العطور الفرعونية، واكتشاف الجمال والرقي الذي كان يميز الحضارة المصرية القديمة. اقرأ أيصُا | «شرب ماء الخلود».. مشهد نادر على تابوت مصري قديم |حكايات