في ظل التصعيد المستمر علي جبهة غزة تعود إلى الواجهة مقترحات ربط تسليم سلاح الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حماس بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة هذه الفكرة التي تُطرح من قبل أطراف إقليمية ودولية تثير جدلًا واسعًا بين من يرونها خطوة ضرورية لتحقيق الاستقرار .. و .. ومن يعتبرونها محاولة لتجريد المقاومة من قدرتها على حماية الحقوق الفلسطينية خصوصًا في ظل غياب أي ضمانات دولية حقيقية تلزم إسرائيل بالاعتراف بالدولة الفلسطينية .. ثم .. ثم إنهاء الاحتلال . .. و يبدو اننا امام حسابات معقدة ، في ظل سؤال جوهري : لماذا تصر إسرائيل على نزع السلاح ؟ وقد تبدو الإجابة عن هذا التساؤل اجابة بديهية ، لكن السياق العام يقول انه لا يمكن فصل مقترحات نزع السلاح عن السياق السياسي والعسكري الأوسع، حيث تعتبر إسرائيل أن بقاء المقاومة المسلحة في غزة يمثل تهديدًا وجوديًا لها ومن هذا المنطلق، فإن الضغط على حماس لتسليم سلاحها يُنظر إليه كامتداد للحرب الإسرائيلية، ولكنها حرب بوسائل سياسية بدلًا من العمليات العسكرية. اذ تدرك إسرائيل أن القضاء على حماس عسكريًا لم يتحقق رغم حرب مدمرة استمرت لأكثر من 15 شهرًا، وبالتالي فإن الرهان الآن ينصب على الحلول السياسية التي قد تُفضي إلى إنهاء نفوذ المقاومة دون الحاجة إلى مزيد من المواجهات المكلفة وفي هذا الاطار تدفع تل أبيب وبدعم أمريكي باتجاه ربط أي جهود لإعادة إعمار غزة بموافقة الفصائل الفلسطينية على ترتيبات أمنية تُفضي فعليًا إلى تفكيك بنيتها العسكرية. لكن السؤال الأكثر جوهرية : هل يمكن أن تقبل حماس بهذا الطرح ؟ وقبل ان نجيب علي ذلك علينا الإدراك بأن الموقف الفلسطيني حائر بين الضغوط وبين الواقع الميداني ، فحماس تدرك أن تسليم السلاح دون تحقيق مكاسب سياسية حقيقية قد يعني خسارة كل شيء ، فعلى مدار العقود الماضية، شكّل السلاح عنصر قوة تفاوضية رئيسي في يد الفصائل الفلسطينية، وكان أحد الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى الانسحاب من غزة عام 2005 ، لذلك وفي تقديري ان الحركة تري أن القبول بنزع السلاح دون ضمانات دولية حقيقية قد يضع الفلسطينيين أمام سيناريو أشبه باتفاق أوسلو جديد حيث تُقدَّم تنازلات دون تحقيق إنجازات ملموسة على الأرض. من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل إن هناك انقسامًا داخليًا داخل حماس والفصائل الفلسطينية بشأن هذه القضية فبينما ترفض قيادات الجناح العسكري أي نقاش حول نزع السلاح، فإن بعض الشخصيات السياسية داخل الحركة، مثل موسى أبو مرزوق، أبدت انفتاحًا مشروطًا على مناقشة مستقبل السلاح، وهو ما يعكس تحولًا في التفكير داخل أروقة حماس تحت ضغط الظروف الراهنة. .. و .. وفي ظل تلك السياقات لا ينبغي غض الطرف عن الدور المصري الذي يضع نصب عينيه ضرورة حماية الحق الفلسطيني ومنع مخطط التهجير ، فوسط هذه التفاعلات، تبرز مصر كلاعب رئيسي يسعى لتحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على الأمن الإقليمي، ودعم الحقوق الفلسطينية، ومنع تنفيذ مخططات التهجير القسري التي تلوح بها بعض الدوائر الإسرائيلية ، اذ تأتي معارضة مصر لسيناريو التهجير بسبب مجموعة من الأبعاد المهمة : أولها .. البعد الأمني اذ ترى مصر أن تفريغ غزة من سكانها يمثل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، وقد يؤدي إلى خلق وضع ديموغرافي غير مستقر على حدودها الشرقية، ويزيد من مخاطر التوترات الأمنية في سيناء . وثانيها .. البعد السياسي: تدرك القاهرة أن تهجير الفلسطينيين من أراضيهم قد يكون مقدمةً لتصفية القضية الفلسطينية، وهو ما يعارضه الموقف الرسمي المصري بشكل قاطع . ثالثها .. البعد الإنساني: فقد لعبت مصر دورًا محوريًا في دعم الفلسطينيين إنسانيًا، من خلال فتح معبر رفح، وإدخال المساعدات، والمساهمة في جهود إعادة الإعمار، مما يعكس التزامها برفض أي سيناريوهات تُفضي إلى تهجير السكان قسرًا . .. وفي ظل هذه الأبعاد والتعقيدات الحالية ، وفي وقت تنعقد فية قمة عربية تضم قادة الدول العربية ، تبدو السيناريوهات المستقبلية مرتبطة بعدة عوامل رئيسية: اولاً .. قبول فلسطيني مشروط: فقد تلجأ حماس إلى تقديم تنازلات محدودة بشأن إدارة قطاع غزة، دون المساس بسلاحها بالكامل، مع طرح آلية لإدماج سلاح الفصائل ضمن مؤسسة أمنية فلسطينية موحدة. ثانياً .. تصعيد عسكري جديد: إذا فشلت الجهود السياسية، فإن إسرائيل قد تعود إلى الخيار العسكري لمحاولة فرض واقع جديد بالقوة، مما يهدد بموجة تصعيد جديدة قد تمتد آثارها إلى المنطقة بأكملها. ثالثا .. حل مؤقت بوساطة مصرية: مصر قد تلعب دورًا في صياغة حل وسط يجمع بين مطالب إسرائيل الأمنية، وحق الفلسطينيين في الاحتفاظ بقدرتهم الدفاعية، من خلال صيغة تضمن استمرار المقاومة المسلحة ولكن ضمن ضوابط سياسية وأمنية متفق عليها. .. خلاصة القول : موقف مصر حاسم لكن المستقبل غامض لان تسليم سلاح حماس مقابل إقامة الدولة الفلسطينية يظل ملفًا شديد التعقيد، نظرًا لحساسيته العسكرية والسياسية وبينما تحاول الأطراف الدولية الضغط في هذا الاتجاه ،إلا أن الموقف المصري يظل هو الفارق وحجر الزاوية في المعادلة برمتها ، حيث تسعى القاهرة إلى حماية الحقوق الفلسطينية، ومنع التهجير القسري، والحفاظ على الأمن الإقليمي . لكن سيبقى السؤال عن شكل النهاية مفتوحًا : هل يمكن التوصل إلى صيغة تضمن إقامة الدولة الفلسطينية دون المساس بحق المقاومة ؟ أم أن السيناريوهات المقبلة ستشهد تصعيدًا جديدًا قد يعيد القضية الفلسطينية إلى النقطة صفر ؟ .. دعونا ننظر ونرقب .