لم يهنئ سكان قطاع غزة كثيرًا بحلول شهر رمضان هذا العام، الذي حلّ يومه الأول في هدوءٍ لم يعهده القطاع في الشهر الفضيل خلال العام الماضي، الذي كانت حينها الحرب الإسرائيلية تدور رحاها في شتى بقاع القطاع وتفتك بالصائمين والقائمين ليلًا ونهارًا بطلقات جيش الاحتلال التي كانت تأتي من كل حدب وصوب. لكن مع حلول ثاني أيام شهر رمضان أصبح الحال مغايرًا في القطاع للهدوء الذي عرفه على مدار أكثر من 40 يومًا، حيث انتهت أيام هدنة الحرب في غزة وسط هواجس من إمكانية عودة القتال والحرب مرة أخرى في قطاع غزة، الذي رزخ سكانه تحت ويلات حربٍ دامت ل470 يومًا بدءًا من السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. ومع دخول اليوم الأحد 2 مارس/ آذار، الذي يصادف ثاني أيام شهر رمضان، انقضت مدة المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والتي دامت ل42 يومًا، بدءًا من 19 يناير/ كانون الثاني المنصرم، وشهدت عمليات تبادل أسرى بين الجانبين على ثماني دفعات، إلى جانبٍ عددٍ من جثامين الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية، والذين قُتلوا جراء القصف الإسرائيلي. ومع انقضاء الأسابيع الست من المرحلة الأولى من صفقة وقف إطلاق النار، لم يفي الاحتلال الإسرائيلي بالتزاماته، وحنث رئيس الوزراء الإسرائيلي ببنود الاتفاق، الذي كان يقضي بالانتقال إلى المرحلة الثانية من الصفقة بعد انتهاء المرحلة الأولى منها. قصف مناطق من غزة ومع انتهاء الهدنة دون أن يتم التوصل لاتفاق نحو الانتقال إلى المرحلة الثانية، شنّ طيران الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية وقصف عدة مناطق من أنحاء قطاع غزة، في شرارةٍ لإمكانية عودة الحرب الإسرائيلية في غزة من جديد. وأكد سلامة معروف، رئيس المكتب الإعلامي للحكومة الفلسطينية في قطاع غزة، وقوع قصف إسرائيلي، اليوم الأحد، في أكثر من منطقة من قطاع غزة. وقال سلامة معروف، في تصريحاتٍ ل"بوابة اخبار اليوم"، إن القصف الإسرائيلي شمل اليوم أكثر من منطقة في رفح وبيت حانون وخانيونس، وأدى إلى ارتقاء 4 شهداء وعدد من الإصابات". (للمزيد طالع: خاص| حكومة غزة: القصف الإسرائيلي شمل مناطق رفح وبيت حانون وخان يونس) ومن جهته، قال منذر الشرافي، الصحفي الفلسطيني المقيم في غزة، "صباح اليوم حدث استهداف لمدنيين في منطقة بيت حانون ما أسفر عن ارتقاء شهيدين وإصابة مواطنين كانوا متواجدين في المكان". وأردف قائلًا: "وكان أيضًا هناك استهداف في شرق المحافظة الوسطى وشرق محافظة خان يونس وأدى غلى استشهاد مواطن ومواطنة أيضًا في تلك المناطق جراء الاستهدافات الإسرائيلية لعدة أماكن على حدود الشريط الشرقي لقطاع غزة". وأشار الشرافي، ل"بوابة أخبار اليوم"، إلى أن مجمل الشهداء الذين استشهدوا بعد انتهاء آخر يوم في المرحلة الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار كانوا 4 شهداء من المدنيين. واستطرد قائلًا: "الاحتلال الإسرائيلي ومنذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة لم يتوقف عن استهداف عدة مناطق أو عدة أماكن وأسفر ذلك عن استشهاد عدد من المدنيين وإصابتهم، وقد تركزت عمليات القصف سواء بالطائرات أو الدبابات الإسرائيلية أو القناصة على طول الحدود الشرقية والشمالية والجنوبية مع القطاع، وأي شخص يتحرك على مقربة من جنود الاحتلال يتم إطلاق النار". منع إدخال المساعدات ولم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بشن غارات عسكرية في قطاع غزة، بل كذلك قرر منع إدخال أي مساعدات إنسانية إلى داخل قطاع غزة، خلافًا للبنود المتفق عليها في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. وأعلن مكتب بنيامين نتنياهو، صباح اليوم الأحد، أنه قرر تعليق جميع المساعدات الإنسانية إلى غزة مع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار. وأشار المكتب إلى أن إسرائيل لن توافق على أي هدنة جديدة دون الإفراج عن محتجزيها، مضيفًا أن رفض حركة حماس لمقترح المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف لاستمرار المفاوضات، رغم موافقة إسرائيل، "سيؤدي إلى عواقب إضافية"، وذلك حسب تعبيره. وردًا على ذلك، قال المكتب الإعلامي الحكومي، في قطاع غزة، في بيانٍ صادرٍ عنه، اليوم الأحد، إن "إعلان الاحتلال وقف إدخال المساعدات لقطاع غزة، هو تأكيد جديد بعدم التزامه بتعهداته وتنصله من التزاماته في اتفاق وقف إطلاق النار، ما يعكس وجهه الاجرامي القبيح، ويعد استمرارًا لحرب الإبادة ضد شعبنا، وابتزاز لشعب كامل بلقمة عيشه وشربة مائه وحبة دوائه". وأضاف المكتب الإعلامي الحكومي: "يؤكد الاحتلال مجددًا تجاهله للقوانين الدولية، وضربه عرض الحائط بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان، فمنع إدخال المساعدات يعني فعليا حرب تجويع على أهالي القطاع، الذين يعتمدون بشكل كامل على المساعدات في توفير غذائهم لتوقف كل قطاعات العمل والإنتاج بسبب آثار محرقة الاحتلال". وطالب المكتب الإعلامي الحكومي الوسطاء كضامنين للضغط على الاحتلال لتنفيذ التزاماته بموجب الاتفاق، بجميع مراحله، وتنفيذ البروتوكول الإنساني، وإدخال مستلزمات الإيواء والإغاثة ومعدات وآليات الإنقاذ إلى قطاع غزة. ومن جانبه، صرح سلامة معروف، رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، بأنه لم يتم السماح بمرور أي شاحنة مساعدات إلى داخل قطاع غزة، بدءًا من صباح اليوم الأحد 2 مارس. وقال سلامة معروف، ل"بوابة أخبار اليوم"، "إعلان الاحتلال واضح بمنع دخول المساعدات"، مضيفًا أنه "لم يتم تسجيل دخول أي شاحنات اليوم". ابتزاز ومساومة وانقلاب وفي غضون ذلك، اعتبر أشرف القصاص، المحلل السياسي الفلسطيني في غزة، أن قرار منع دخول المساعدات هو قرار إسرائيلي هدفه الابتزاز والمساومة والضغط على المقاومة والحاضنة الشعبية من أجل القبول بتمديد المرحلة الأولى من الهدنة. واستدرك القصاص، في تصريحات ل"بوابة أخبار اليوم"، قائلًا: "لكن من المؤكد أن المقاومة وحاضنتها الشعبية ثابتة على موقفها في تنفيذ الاتفاق والولوج إلى المرحلة الثانية التي من أهم بنودها الانسحاب من معبر رفح ومحور فلاديفيا الحدودي مع مصر والبدء في إعادة إعمار غزة". وبدوره، قال أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس والخبير في الشؤون الإسرائيلية، إن "الاحتلال بعد أن انتهت بالأمس المرحلة الأولى من التهدئة ولم ينسحب الاحتلال من محور فيلادلفيا، والولايات المتحدة طالبت بتمديد الهدنة في المرحلة الأولى وأن يكون هناك هدنة دون التزامات، وقام الاحتلال الإسرائيلي بتقليص المساعدات بشكل كبير جدًا". واعتبر الرقب، خلال تصريحات ل"بوابة أخبار اليوم"، أن هذا الأمر بمثابة انقلاب على الاتفاق المتفق عليه، مشيرًا إلى أن المقاومة أعلنت الالتزام ببنود الاتفاق وكذلك الوسطاء ولكن الاحتلال هو من يرفض الالتزام بالاتفاق ويريد أن يمدد المرحلة الأولى ولا ينتقل إلى المرحلة الثانية. وأشار الرقب إلى أن المرحلة الثانية تعني انسحاب الاحتلال بشكل كامل من كل قطاع غزة والبدء بشكل أساسي في إعادة الإعمار وإتمام صفقة تبادل الأسرى. وأوضح الرقب قائلًا: "نحن نعلم أن الورقة الوحيدة التي تمتلكها المقاومة هي ورقة الأسرى الإسرائيليين، فإذا أخذوا (الإسرائيلون) أسراهم فإنهم لن يوافقوا على إعمار غزة لكن هناك إصرار على أن يتم الانتقال للمرحلة الثانية بتفاصيلها وأن يلتزم الاحتلال بما جاء في بنود الاتفاق". فرص عودة الحرب وبات هاجس عودة الحرب في غزة مجددًا يؤرق أجفان سكان القطاع بعد تعثر مفاوضات الانتقال للمرحلة الثانية من الحرب بسبب موقف نتنياهو، الذي نكص على عقبيه وآثر المراوغة بدلًا من الوفاء بالتزامات تل أبيب المنصوص عليه في الاتفاق، الذي رأى النور في 19 يناير/ كانون الثاني. ومع ذلك، قال الرقب: "أنا أستبعد العودة للحرب مرة أخرى.. فلا الأمريكيون يريدون العودة إلى الحرب ولا الإسرائيليون كذلك". وأشار الرقب إلى أن الاحتلال يريد تصعيد الأمور في الضفة الغربية وليس في غزة، مستطردًا "لكن كل هذا الذي يحدث بهدف الضغط على المقاومة بشكل أو بآخر من أجل الحصول على ما يريدون من دون أن يدفعوا أثمانًا كبيرة وهذا مخطط الاحتلال بشكل أساسي".