قل:«ست الستات» أو «بميت ست»، ولا تقل «بميت راجل» فالنساء العظيمات لا يحتجن أن نشبههن بالرجال ليزددن عظمة. الأربعاء: فى أحد الالتزامات الرئاسية التى حضرتها فى محافظة الفيوم بشهر ديسمبر 2019، عقد الرئيس السيسى مؤتمرا صحفيا لرؤساء التحرير، وأجاب كعادته على جميع الأسئلة بكل صراحة وشفافية، واستهل أحد الزملاء سؤاله بمقدمة متحدثا عن ضرورة أن تلعب مصر «دورا رياديا»، فاستوقفه الرئيس بلطف قائلا: «إن مصر لا تسعى للدور الريادى على أحد، ولكننا نسعى لأن تكون مصر قوية، عسكريا واقتصاديا، واجتماعيا وثقافيا، وهذا ما يجعل لها رأيا مسموعا ومعتبرا». وأجدنى الآن أرى ترجمة لرؤية الرئيس لمصر القوية، التى يستمع لها العالم بانصات واهتمام، فى كافة المحافل، فرأيها يعتد به فى كل الأمور، لأنه يستند إلى القوة والحق والقانون.. وأظن أن موقفها من القضية الفلسطينية وخطتها لإعادة إعمار غزة واليوم التالى فيها ورفضها التهجير لأهلها سواء لمصر أو غيرها، خير دليل على ذلك، وأرى أن القمة العربية الطارئة التى ستعقد فى مصر بعد 48 ساعة هى أهم القمم العربية على الإطلاق، فقراراتها ستحدد مصير القضية الفلسطينية، وتحدد شكل العلاقة بين الدول العربية وبين الولاياتالمتحدة وإسرائيل. خصوصية هذه القمة تكمن فى أن توجه القمة مخالف تماما للتوجه الأمريكى الإسرائيلي.. فنحن العرب نريد أن يكون اليوم التالى فى غزة بلا تهجير قسرى أو طوعى وأن يدير القطاع الفلسطينيون بأنفسهم، أما (الآخر) فيريد غزة بلا فلسطينيين وبإدارة غير فلسطينية، ربما يكون هذا تلخيصا مبسطا جدا، ولكن فيه يكمن الخلاف، وما بعد ذلك قابل للتفاوض والوصول لمنطقة وسطي. دعوة مصر للقمة واستجابة كل الدول العربية هو صورة من صور قوة مصر وقوة الدول العربية. القوة الحكيمة هى التى ترتقى بالدول. السبت: تفصلنا عن الانتخابات البرلمانية شهور معدودات، لن تتجاوز الثلث الأخير من العام الحالي، حيث يختار الناخبون نوابهم لمجلسى النواب والشيوخ لمدة 5 أعوام قادمة، وستكون أهم انتخابات تشهدها مصر لأنها تجرى فى ظروف خارجية بالغة الدقة تؤثر فينا وتتأثر بنا، ولذا فإن الاختيار يجب أن يكون دقيقا وبحرص وطبقا لمعايير أولها طبعا مصلحة الوطن ثم مصلحة الأفراد.. ولهذا لابد من زيادة الإقبال على صناديق الاقتراع وبخاصة من الشباب لتحقيق مطالبهم وتلبية طموحاتهم من خلال حسن ودقة اختيارهم.. وفى ظل رئاسة المستشار الجليل المستنير والمنفتح على أنظمة الانتخابات العالمية حازم بدوى للهيئة الوطنية للانتخابات يمكن أن يتم تطوير إجراءات عملية الاقتراع واستبدال صور المرشحين بالرموز الانتخابية التى أصبحت لا تليق بمصر وحضارتها التى بدأت قبل كتابة التاريخ، ولا تليق بالجمهورية الجديدة ولا تليق بعصر الذكاء الصناعى (AI).. والأمر سيكون بمنتهى السهولة -إذا توفرت الرغبة والإرادة لذلك- حيث تقوم الحكومة بتغيير المادة الخاصة بالرموز الانتخابية ووضع صورة المرشح بدلا منها، لمنع استغلال المرشحين لسذاجة وطيبة وأمية بعض الناخبين، وحتى يعرف كل ناخب من ينتخب، لأنه ذهب ليختار (بنى آدم) وليس نخلة أو عجلة أو تروماي! وبما أننا نتحدث عن تطوير العملية الانتخابية، فمن حقنا أن نحلم باليوم الذى نطبق فيه نظام التصويت الإليكتروني، وأعتقد أن لدينا قاعدة البيانات اللازمة لهذا النظام ولدينا مجموعة منتقاة من خيرة المستشارين أعضاء الهيئة الوطنية للانتخابات القادرين على إدارة الانتخابات إليكترونيا بكفاءة، ولكن لابد أن يتم فى البداية التمهيد لذلك من خلال نشر ثقافة النظام الذى تطبقه الآن دول عديدة من بينها الولاياتالمتحدة وفرنسا، ودول أخرى لن أذكرها لأن عدد الناخبين فيها قليل فلا يصح أن نقارن بيننا وبينهم، وأقصد بالتمهيد هنا أن يتم تطبيق هذا النظام أولا فى النوادى الاجتماعية والنقابات المهنية والمؤسسات الكبرى عند إجراء انتخابات مجالس إداراتها، فتنتشر هذه الثقافة حتى يسهل بدء تطبيقها على النطاق الأكبر فى الانتخابات والاستفتاءات الجماهيرية، لاختيار رئيس الجمهورية أو نواب الشعب أو أعضاء المجالس المحلية. التطوير لابد له من بداية. الأحد: زمان كان شهر مارس أحب الشهور إلى قلبي، ففيه ولدت وكان عيد ميلادى يوم بهجة وفرحة ولمة عيلة وأصحاب أبى وأمى وأختى وأصحابى المقربين، وطبعا لم يكن يخلو من الهدايا، وكان بداية لشهر الربيع وتوديعا لفصل الشتاء الذى لا أحبه بل أكرهه لأنه يشعرنى بالوحشة والعجز.. وفيه أيضا عيد الأم الذى كان فرصة للاحتفال بأمى «ست الستات»، وكنا نتسابق أبى وأختى وأنا لتقديم الهديا لست الحبايب، التى لم تضن علينا نحن الثلاثة بوقتها وصحتها ومجهودها لإسعادنا وانتهاز كل فرصة لبث روح الفرحة والسعادة فى نفوسنا. ويبدو أن القدر استكثر عليَّ الفرحة فى هذا الشهر، الذى كنت أنتظره بفارغ الصبر كل عام منذ نعومه أظافري، فصعدت أمى إلى باريها فيه، ولحقتها أختى بثلاثة أعوام بنفس الشهر، حتى المناخ انقلب ضدى وأصبح الربيع منزوعا للشمس والدفء. ومن يوم أن حرمنى الله من أمى ضاعت فرحتي، واختفت ابتسامتي، وفقدت بوصلتي، ونكست رايتي، فهى من أحبتنى قبل أن تراني، وانتظرت حضورى بشغف ولهفة ومنحتنى الحياة، وعلمتنى الكلام، ومخارج الحروف، وأمسكت بيدى وأنا أخطو أولى خطواتى فى بيتنا، وفى الطريق وفى الحياة، ولم تكن أمى تحمل بطاقة شخصية، إلا بعد أن توفى أبي، وعندما سألتها عن السبب ردت: أبوك كان بطاقتي.. وتحولت هذه السيدة العظيمة التى كانت تعيش بدون بطاقة، إلى أب وأم تدير الحياة بكفاءة وشجاعة وبطولة وشموخ، ولم تشعرنى أنا وأختى بأننا فقدنا أعظم الآباء وأرجل الرجال. أذكر أن أمى كانت «دمعتها قريبة» وتبكى لأبسط الأشياء حتى إذا شاهدت منظرا مؤثرا فى فيلم، وكان أبى دائما ما يبادر بمسح دموعها إذا بكت أمامه «ويطبطب» عليها قائلا: كل حاجه تعيطي؟.. لكنها بعد أن تولت مسئوليتنا، اختفت هذه الدموع تماما وأصبحت «ست الستات»، كالوتد لا تهتز ولا تلين، ورغم أننى لم أكمل السادسة عشرة من عمرى عندما فقدنا أبى، إلا أنها كانت تعاملنى على أننى رجل البيت، وهى التى كانت تتولى كل أمورنا، وكانت تردد دائما أمامى المثل الصعيدى «اللى ما يخاطرش أمه ماتزغدش» حتى يشتد عودى وأصبح مثل والدي. ستظل أمى فى نظرى وفى نظر كل من عرفها «ست الستات»، وأورثت هذه الصفة من بعد رحيلها لأختى رحمهما الله، وأسكنهما فسيح جناته وألحقنى بهما وبأبى فى الجنة بغير حساب وبغير سابقة عذاب. رجاء خاص لمن يريد أن يشيد بأمه أو أخته أو زوجته أو أبنته أو بأى امرأة عظيمة ألا يقول: إنها «بميت راجل»، بل يقول إنها «بميت ست» أو «ست الستات»، فالنساء العظيمات لا يحتجن أن نشبههن بالرجال ليزددن عظمة. الجمعة: اضطررت مرة لإلقاء خطبة الجمعة فى المسجد المجاور لنا فى جاردن سيتي، بعد أن أصيب الخطيب بوعكة صحية، وبصراحة فإن للمنبر رهبة لا تضاهيها رهبة رغم أننى متمرس على المواجهة فى التجمعات أو أمام كاميرات التليفزيون أو فى قاعات المحاضرات حيث أمارس التدريس لطلبة الصحافة، لكن الوقوف على المنبر شيء آخر، ورغم أن عدد درجات المنبر لا تتعدى أصابع اليد الواحدة إلا أننى شعرت أنها لا تنتهي، فكيف لشخصى الضعيف أن يتجرأ للصعود لمنبر صعده العلماء والصحابة وأمراء المسلمين، وصعده خير الأنام سيدنا ومولانا ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولكنى استعنت بالله فأعاننى بفضله ورحمته، وأجرى القدر على لسانى موضوع «جبر الخواطر» لما له من أجر عظيم لمن يفعله وتأثير أعظم لمن يتلقاه، حيث يقول نبينا المصطفى «كان الله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه». ولا يقتصر جبر الخواطر على المساعدات المادية فقط، لكن جبر الخواطر معنويا أيضا، فتبسمك فى وجه أخيك صدقة، وطرقك لباب جارك المسن للسؤال عنه جبرا للخاطر. تلمسوا دخول الشهر الكريم واجبروا بخواطر الناس.