فى الأسابيع الأخيرة، شهد العالم كيف تمكن «إيلون ماسك»، أغنى شخص في العالم، من اختراق العديد من مكاتب الحكومة الأمريكية، فى خطوة بدت صادمة للكثيرين. بدعم من الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، ومساندة مجموعة صغيرة من الموالين له؛ فبذريعة تحسين كفاءة الحكومة، تمكن ماسك من الوصول إلى أنظمة حساسة وقواعد بيانات ضخمة والسيطرة على العديد من جوانب البيروقراطية الفيدرالية الأمريكية، مما أثار مخاوف بشأن اختراق الخصوصية والعديد من التساؤلات حول الأهداف الحقيقية لهذا الاستيلاء، وما إذا كان يشكل تهديدًا حقيقيًا للديمقراطية الأمريكية. ومنذ عودته إلى البيت الأبيض، اتخذ ترامب سلسلة من الإجراءات التى تهدف إلى إعادة تشكيل الحكومة بشكل جذرى، مما أثار جدلاً واسعًا بين المحللين والسياسيين؛ حيث وقّع ترامب على أكثر من 50 أمرًا تنفيذيًا خلال الأسابيع الأولى من ولايته الثانية. هذه القرارات تهدف لتغيير السياسات الاقتصادية والاجتماعية بشكل كبير وتؤثر على العلاقات الدولية، ويُلاحظ أن العديد من هذه القرارات يعكس الأولويات المحددة في «مشروع 2025»، الذى وضعته مؤسسة التراث الأمريكية. ◄ تهديد للنظام يتسم نهج إدارة ترامب بالإصرار على التغيير الجذري في العديد من المجالات بما فيها الهجرة والأمن القومي والاقتصاد الداخلي والدولي. ومع ذلك، فإن هذا النهج يثير مخاوف كبيرة بشأن استقرار النظام الديمقراطي الأمريكي والعلاقات الخارجية للولايات المتحدة. وتحت شعار تحسين كفاءة الحكومة وزيادة إنتاجيتها، تمكن ماسك من جمع قدر هائل من السلطة من خلال ما يسمى «إدارة الكفاءة الحكومية (DOGE)»؛ هذه الهيئة التى أُنشئت بتوجيهات من ترامب، تمكنت من اختراق النظام الضخم الذى يدير المدفوعات الحكومية، وكذلك الوصول إلى قواعد بيانات حساسة تتعلق بالسجلات الطبية الشخصية للمواطنين الأمريكيين، وفقًا لصحيفة «الجارديان» البريطانية والإذاعة الوطنية العامة الأمريكية «NPR»، بالإضافة إلى ذلك، تم اختراق العديد من الأنظمة الحكومية الأخرى، وهو ما يثير القلق بشأن الأمان الرقمي للبيانات الحساسة فى البلاد. وعلاوة على ذلك، تمكن ماسك من تخطى بعض الإجراءات الروتينية التى تهدف إلى ضمان الشفافية والمساءلة في الحكومة الأمريكية. إذ قام بتفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) التى كانت مسئولة عن تقديم المساعدات الإنسانية والتنموية فى أنحاء مختلفة من العالم. ◄ وقت حساس هذه التحركات جرت فى وقت حساس يشهد فيه العالم العديد من الأزمات الإنسانية التى تتطلب تنسيقًا دوليًا مستمرًا. ويعتبر المعلقون والمؤرخون أن ما يقوم به ماسك بمثابة محاولة للاستيلاء على السلطة والبنية التحتية الرقمية للدولة من قبل مجموعة غير منتخبة تسعى إلى تغيير الطريقة التى تتم بها إدارة الحكومة فى الولاياتالمتحدة، بحسب ما ذكرته مجلة «نيوزويك» الأمريكية. وفي أول تصريح له للإعلام منذ انضمامه إلى إدارة ترامب ك«موظف حكومى خاص»، رد ماسك أيضًا على الانتقادات التى وُجهت له بأنه يطلق «استيلاء عدائى» على حكومة الولاياتالمتحدة. «لقد صوّت الناس من أجل إصلاحات كبيرة فى الحكومة، وهذا ما سيحصل عليه الناس»، وفقًا لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية. ◄ الانقلاب الذاتي تفسير آخر لما يفعله ماسك هو «الانقلاب الذاتى». هذا المصطلح يشير إلى الوضع الذى يقوم فيه القائد الوطنى باتخاذ خطوات غير شرعية ضد المؤسسات الموجودة بهدف الحفاظ على سلطته. ماسك، فى هذه الحالة يعمل على الهيمنة على البيروقراطية الأمريكية وتغيير كيفية إدارة الحكومة، بحسب ما وصفه موقع «ذا كونفرسيشن» الأسترالى. وبالنظر إلى أن ماسك يسعى إلى السيطرة على أجزاء رئيسية من الحكومة الفيدرالية، يمكن اعتبار أفعاله بمثابة «استيلاء على الدولة». يشير هذا المصطلح إلى استحواذ الفاعلين السياسيين على موارد الدولة لتحقيق مصالح خاصة، سواء كانت اقتصادية أو سياسية. فى هذا السياق، قد يسعى ماسك إلى تحويل البيروقراطية الأمريكية إلى أداة لخدمة مصالحه الشخصية ومصالح حلفائه، مثل ترامب وغيره من كبار رجال الأعمال. وفى حالة ماسك، يمكن أن يكون الهدف هو تأمين مصالح مالية لشبكة من الحلفاء السياسيين والاقتصاديين، وخاصة ترامب، الذى لن يتردد فى استخدام السلطة لتحقيق مصالحه الخاصة. ومن خلال الاستيلاء على كيفية عمل الحكومة الأمريكية، يسعى ماسك إلى تعزيز سلطته المالية والسياسية. كما سيستفيد ماسك نفسه، إلى جانب كبار رجال الأعمال فى وادى السيليكون، من العقود المربحة التى سيحصلون عليها من الحكومة الأمريكية بعد التغييرات الهيكلية التى يفرضها، وفقًا لما نشرته صحيفتا «واشنطن بوست» و«الجارديان». ومن جهة أخرى، فإن عمليات مثل هذه قد تؤدى إلى تدهور مستوى المعيشة في الداخل، حيث إن السياسات الموجهة لخدمة النخبة الاقتصادية قد تؤدى إلى تقليص المزايا المخصصة للمواطنين العاديين، كما قد يعانى المواطنون الأمريكيون من تداعيات سلبية نتيجة قلة المساءلة والشفافية فى اتخاذ القرارات الحكومية. وبينما يواصل ماسك هيمنته على أجزاء من الحكومة الأمريكية، يبرز العديد من الأسئلة حول كيفية تأثير هذه التحركات على الديمقراطية الأمريكية. إن ما يفعله ماسك ومحاولاته للسيطرة على البيروقراطية يثير القلق حول مستقبل الولاياتالمتحدة. من الواضح، أن هذه المحاولات تهدف إلى تعزيز مصالح عدد قليل من الأفراد على حساب مصلحة الأمريكيين، مما يفتح الباب لتحديات كبيرة في المستقبل.