يفاوض الأوكران على مناجم وثروات نادرة ويلعب بورقة روسيا، ويداهن فى كل شأن غزة وفلسطين هذا مواطن أليف جدًا، لا له فى الحرب ولا فى الحب، مُسالم جدًا ومستسلم، يصحو كما يصحو الناس فى الدنيا مع بواكير النهار، لديه عمل يبدؤه صباحًا بعد كوب قهوة رخيص من «ستاربكس»، وآخرون يشربونها فاخرة مرصعة بأوراق «لافندر» أو كستناء، والأمريكيون غالبيتهم على هذا النحو يتأرجحون بين هلالين، يشتركون فى الأشياء والعادات لكن بمسافات طبقية واقتصادية متفاوتة تمامًا، تتعلق المسألة بنوع العمل وتعددية النوع والعرق والطبقة والثقافة وبلد المهجر وتفاصيل لا تحصى، باختصار هو شعب صاحب لانهائية الخيارات والاحتمالات، تركيبة چيوسياسية معقدة للغاية، المسائل مادية بحتة والصفقات تعقد فى لحظة. لا يتابع-الأمريكي- التلفاز أو مواقع الأخبار عادة ويكتفى بمتابعة أخبار الإعصار اذا كان فى ولايته ويأتيه الإنذار على «آيفون» ويكتفى بذلك، فى العموم.. لا تَشغله القضايا. حافظته متخمة بكروت الدفع والتحويل لحسابات كلها فارغ، لا يصنع سوى انه يحول عبر هاتفه من حساب لحساب لحساب وكلها بضمانات وفوائد وتصب فى خانة المدين، يهتم جدا برصيد نقاطه من كل شيء فى مشترياته ويحسب العائد على الشراء من هذا المكان، يتشارك الأمريكيون حتى فى مراكز التسوق. ما هذا بحق السماء؟.. التبضع فى «كوسكو» - هكذا تُنطق- رحلة طويلة الأمد، الخيارات فيها أيضًا لانهائية من كل شيء والناس على اختلاف طبقاتهم يشترون، ليس مهمًا الحساب كم، المهم هو كم رصيد نقاط تعود عليه ليبادلها بعد ذلك بسلع أخرى، وهذه هى الطريقة الغالبة والثقافة السائدة لمجتمع متباين جدًا فى أصوله، بعد الخروج من طابور الدفع فى «كوسكو» وتحصيل النقاط إليك فورًا بطابور جديد - رأيته بعينى ووقفت به- لكن داخل سيارتك، الناس تخرج من هناك الى محطة بنزين «كوسكو» القريبة لتبادل نقاطها المجانية بأميال «جاس» ويحسبون كم وفر لى الشراء اليوم من أميال؟ وهكذا. هذا هو مواطن المجتمع الأمريكى ببساطة، ولا أقول الشعب الأمريكي، ذلك انه لا روابط حقيقية تربط هؤلاء الناس ولا حتى الأرض، فى مسائل السكن والمكوث الانسان الأمريكى يتعامل مع الأرض بمنطق الإيجار، سهل جدًا ان يغير ولايته اذا وجد انه سيوفر أكثر من ميزانيته، أما فيما يخص المبادئ فالأمريكى يقدس تراب أرضه كما كل العقلاء فى الدنيا، غير معنى بشيء على الإطلاق ولا تشغله المعارك فى أى من بلاد الدنيا ولا مَن احتل أرض مَن ولا مَن جّوع مَن، وهكذا! أقول ذلك بينما يقولون بأن كل ما يفعله الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وكل قرارات يتخذها تهز الخارج وتثير مشاكل وقلاقل وكوارث، هى قرارات إرهاصات -فقط- للاستهلاك المحلي.. ماذا؟! وهل هذه مسائل تؤخذ على هذا النحو؟! لا أعرف مدى دقة هذا الطرح ولا قابليته للمنطق، ولكن أنا أراها بالفعل ليست سوى ارهاصات أو أفكار تزور الرئيس الأمريكى وحده ولا يفهم أبعادها أو معناها ليس أكثر، لا تتوافق مع عقل أو وجهة نظر ولا يرى دهاليزها غيره. يلعب الرجل على إرهاق الجميع وحصر كل العالم فى زاوية صراع ليسود هو، يفاوض الأوكران على مناجم وثروات نادرة ويلعب بورقة روسيا، ويداهن فى كل شأن غزة وفلسطين، ويراوغ فى الانسحاب من سوريا، ويعبث بأوروبا كلها، ويضايق الألمان، ويناور الخليج ويهدد كندا، ويخنق المكسيك ويضيق على الدانمارك، ويؤجل جولته مع الصينيين، والقائمة طويلة. أما اذا صدقت نظرية «الاستهلاك المحلي» فالمواطن «كوسكو» والله لا يهمه إطلاقًا كل ما فات ولا قد يؤثر فى سلوكه اليومى ومعايير تقييمه لأداء الرئيس، سيظل الأمريكى يحسبها بالنقاط، وسيبقى الرئيس يحاول تغميض المواطن، ولا هذا سيحدث ولا ذاك سيكون. كل ذلك سيجرى بينما يكون العالم قد تمزق حرفيًا بالخارج.