ها قد اقتربت من الحقيقة.. فالآن وقد غابت وبالكلية إرادتك وصرت لا تملك من نفسك شيئا.. وللأطباء وقد اكتسوا بزي غرفة العمليات الأزرق وكمموا أفمامهم وأنوفهم سلمت جسدك ومن قبله إرادتك.. وصار أمرك وأمرهم مرهون بمشيئة أعلي، مشيئة من قدر لك قبل حتي أن تولد متي وأين تولد ومتي وكيف وبأي أرض تموت، مشيئة من له أن يجري الشفاء علي أيديهم فيكتب لك النجاة أو يخزلهم ويسترد إليه صنيعته وخلقه... الآن فقط تعرف بأنك في كل الأوقات ومنذ ولدت إلي أن تقبض روحك وتموت، لم تملك في يوم من الأيام وللحظة من اللحظات مصيرك..، ففي كل دقيقة مرت وتمر عليك.. أنت مرهون بمشيئة الله، فكم من شاب صحيح قبضت روحه وهو في قمة نشاطه وعنفوانه »إذ» يسير بين الناس، وكم من مريض عليل عاش حتي جاوز الكهولة وبلغ من العمر عتيا، والموت ذلك القدر المحتوم والمهيمن علي كل ما خُلِق والمسيطر علي مصائرهم في كل دقيقة من أعمارهم.. يدعوك لأن تدرك حقيقة أن رحلتنا الدنيوية القصيرة التي لا يعلم غير الخالق القدير جل جلاله مداها قد تنتهي في أي لحظة، وبأن الرحلة اللانهائية التي تبدأ عندها، وهنا إن صحت إرادتك وصح عزمك وصح عقلك أنت، ينبغي أن يعمل لها حساباً.. وأي حساب.. في الدنيا ومهما طالت أعمار البشر تبقي أحوالنا مؤقتة لا فرح دائم ولا حزن أبدي.. لا معاناة مقيمة ولا راحة مستقرة.. في كل يوم يبدل الله أحوالنا.. وتبقي نفوسنا ويعلم الله ما بها من شر ومن خير، »جعل » بينهما ميزانا واضحا ووهبنا نحن خلقه القدرة الفطرية علي قراءته.. مدركة لنميز كيف تكون أعمالنا ويحق علينا الحساب.. ولرحمته بخلقه فتح الله باب التوبة حتي يأتي ملك الموت طلباً لأرواحنا.. ولأن الموت يطاردنا منذ ولدنا ولانعرف متي هو آت.. أنظر ماذا تفعل وصوب واجتهد في ذلك فالفارق ما بين أحوالنا المؤقتة الدنيوية.. وأحوالنا اللانهائية الأبدية في رحلتنا الأخيرة، هو فارق جلل، إن كانت مشكلات دنيوية حياتية قادرة علي أن تغشي أيامنا بالكآبة.. فما بالنا بعذاب هائل موعود كان مؤقتا أم أبديا، وبأقدار وآماد زمنية تخرج عن كل خيال وتصور.. أو نعيم مستقر يفوز به من بعد رحمة الله وعفوه من فلحت أعمالهم.. و لست هنا واعظاً ولا أنا بداعيكم للخوف.. ولإنكار متع الدنيا.. فإن كان هناك من يحب الدنيا فأنا من أولهم، ولكن فقط أتصور وقد اقتربت غير مرة من الحقيقة أن علي أن أراجع نفسي وأحسب حساباً للرحلة الأبدية القادمة لا ريب.. وهي »هذه الرحلة » قد تبدأ في أي لحظة.. بل الصواب أنها بدأت يوم ولدت... ويوم ولد كل إنسان... فقط علينا أن نعامل الله في خلقه... وفي من استخلفنا فيه وفيهم... اللهم لك الحمد والشكر... في كل ما قضيت.