ماذا يفعل «السريحة» بالزيت الذى يجمعونه ثم يوردونه إلى تاجر الجملة؟ صناعة إعادة التدوير من الصناعات المهمة فى العديد من دول العالم وتقدر استثماراتها عالمياً ما يفوق 100 مليار دولار. دخول مصر إلى هذه الصناعة تمت بطريقة متدرجة وبطرق بدائية وتكاد اليوم تغطى كل أنواع الإنتاج. فى كل المدن وحتى القرى أصبحت تجارة الخردة ملاذاً للعاطلين عن العمل وأيضاً لكل الباحثين عن الثروة وهى النشاط الوحيد الذى لا يخضع لأى نوع من الضرائب أو الرقابة. يحدث ذلك رغم وجود وزارة للبيئة ووجود العديد من الأجهزة الرقابية فى عدة وزارات. «كل حاجة قديمة للبيع» نداء يتكرر من جانب العاملين فى تجارة الخردة وتجميعها حيث تجوب شوارعنا الآن عشرات «التروسيكلات» التى تشترى كل شيء بداية من الأوراق والكتب القديمة وصناديق الكارتون مروراً بأجهزة الكومبيوتر والشاشات القديمة وكل أنواع الصفيح والحديد وزجاجات المياه البلاستيك وعلب الكانز الفارغة. الكارثة أن تجارة الخردة امتدت إلى الأغذية مثل الزيت الذى يستخدم فى الطهى بعد استخدامه مرة أو مرتين مروراً بكل أنواع الخبز المتبقى أو حتى الذى لم يستخدم بعد تجفيفه حيث يباع بالكيلو كعلف أو يدخل فى صناعة عجينة الطعمية. «سريحة» الخردة وفى إطار المنافسة لجمع أكبر كمية من الخردة يضعون تسعيرة لشراء الخردة والروبابكيا أو بقايا المواد الغذائية مثلاً كيلو الزيت المستخدم يباع لهم ب 37 جنيهاً للكيلو وكيلو الخبز المجفف يباع ب 13 جنيهاً للكيلو.. ويعلن السريحة أسعار السلع القديمة مثلاً أى ثلاجة قديمة يشترونها بألف جنيه وأى بوتاجاز ب 500 جنيه وأى غسالة ب 600 جنيه أما شاشات الكومبيوتر القديمة فيتراوح سعرها من 200 إلى 500 جنيه وهكذا. دون رقيب أو حسيب يدور فى أذهاننا سؤال وهو ماذا يفعل «السريحة» بالزيت الذى يجمعونه ثم يوردونه إلى تاجر الجملة. بالطبع يعاد استخدامه مرة أخرى وعلى عدة مراحل، الأولى هى المخصصة لإنتاج أنواع رديئة من الزيت الذى يباع للمطاعم وذلك بعد أساليب للتنقية وإعادة الزيت إلى لونه الذهبى وذلك باستخدام خلطة خاصة من «النشا» أما الزيت المتبقى فإنه يباع لبعض المخابز البلدى ولمصانع الطوب الأحمر وذلك كوقود للنار. نفس الشيء مع علب «الكانز» والزجاجات البلاستيك وزجاجات الدواء والتى يتم تنظيفها جيداً قبل دخولها لأفران بدائية تتحول فيها إلى صورة سائلة يعاد استخدامها مرة أخرى رغم رداءة وخطورة هذه العملية. خردة الحديد أو أى معادن تباع أيضاً لمصانع الحديد الصغيرة التى تقوم بإعادة تسييلها ثم إنتاج أنواع رديئة من هذه المعادن وبأسعار أقل من أسعارها الحقيقية. حتى بقايا الدواجن والأسماك حيث تباع بالجملة ليتم توريدها لبعض مزارع الأسماك كنوع من الغذاء أرخص بكثير من علف الأسماك والدواجن الجاف. يحدث ذلك كله بعيداً عن أى نوع من الرقابة. مئات التروسكيلات تجوب شوارعنا بضجيج الميكروفونات لشراء أى «حاجة قديمة» والكارثة أن أصحابها يقومون بالبحث عن هذه المواد داخل مجمعات القمامة. هذه الظاهرة تحتاج إلى تدخل عاجل من وزارة البيئة وبالتنسيق مع بقية الوزارات وأعتقد أن أول خطوة هى إخضاع هذه التجارة للضرائب وتطبيق شروط الرقابة والجودة على كل ما يعاد إنتاجه من مخلفات الخردة والروبابكيا ومصانع «بير السلم» والتى كنا نتندر عليها بأنها بضائع «درجة ثالثة» ولكنها أصبحت اليوم درجة عشرة.