عندما قابلتها قبل ثلاث سنوات فى برلين، أدركت لماذا وصلت النجمة تيلدا سوينتون إلى المكانة العالمية التى وصلت إليها، قالت أنها تؤمن بما تقدمه وأنها تعيش عوالم إنسانية مختلفة من خلال شخصيات تجسدها وتتعمق بها تحاول أن تطيب بخاطرها فى صراعها مع الزمن، وفى كل مرة تفتش عن معنى متجدد للحياة، وأنها تحتضن الكاميرا بكامل وجدانها لتبوح بما يريده المخرج، بل وأكثر مما يحلم. قالت تيلدا، التى يكرمها مهرجان برلين السينمائى الدولى الليلة فى دورته الماسية الخاصة والحاصلة على الأوسكار، أنها تتعاطف مع الشخصيات الضعيفة، وتسعى لمنحها قوة وإرادة على الشاشة لتسكنها فى الواقع والحياة. أتذكر أنها جلست تتحدث بكل تواضع عن تجربتها في العمل مع المخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار في فيلم "الغرفة المجاورة"، أول فيلم روائي طويل له باللغة الإنجليزية، والذى تأمل فيه الموت، شخصية سوينتون "مارثا" هي مراسلة حرب تعاني من سرطان غير قابل للشفاء، وتقرر إنهاء حياتها. تستأجر منزلًا جميلًا في الغابة لمدة شهر، وتخطط للموت قبل نهاية الشهر، وتدعو صديقة قديمة، تلعب دورها جوليان مور، لمرافقتها. كما تحدثت عن الحياة وقالت أنها لا تخشى من نهاية الحياة. وهذا الموقف مستوحى جزئيًا من رعايتها لأمها والجلوس بجانبها على سريرها عندما توفيت في عام 2012. تقول سوينتون عن والدتها: "لقد نامت فجأة لعدة أيام، ثم في اللحظة الأخيرة فتحت عينيها ونظرت إلي، وأخذت أنفاسها الأخيرة، ثم رحلت. وما زلت أتساءل.. هل رأت شيئًا؟". وتعود للغرفة المجاورة وتقول وجميعنا نلمح دمعة بعينيها: "عندما أراني بيدرو السيناريو، كنت ممتنة له للغاية، ليس فقط لأنه يعكس العديد من المحادثات التي دارت بيني وبينه على مدار الوقت الذي كنا فيه أصدقاء، ولكن أيضًا لأنه يعكس تجربتي على مدار السنوات الخمس عشرة الماضية في دعم وشهادة أحبائهم الذين كانوا ينزلون من على صهوة جوادهم - كما أحب أن أفكر في الأمر"، كما تقول سوينتون: "إنه مصمم دائمًا على عدم النظر بعيدًا. وهذا هو جوهر هذا الفيلم تمامًا". تعترف سوينتون بأن رواية "الغرفة المجاورة" تدور حول المعاناة والموت، لكنها تقول إنها تدور أيضًا حول الحياة. "إنها تدور حول شخص اتخذ قرارًا بالعيش حتى اللحظة الأخيرة.. ويضع حدًا لاستثمار أشهره وأسابيعه الأخيرة في ثلاثة أشياء كنت أعتقد دائمًا أنها الأشياء التي ستقودنا إلى الصداقة والفن والطبيعة". في مرحلة ما من الفيلم، تقول مارثا: "أعتقد أنني أستحق موتًا جيدًا". وتقول سوينتون إن هذا الشعور يجب أن ينطبق علينا جميعًا. وتضيف: "إن الحياة التي نقضيها في التفكير في كيفية قضاء حياتنا ليست وقتًا ضائعًا. فنحن جميعًا نسير في هذا الطريق، وكلما تقبلنا هذا الأمر واحتضناه، كلما ذاب الجليد وأصبحنا على دراية بنوع من الحياة، على حد اعتقادي، لم نكن لنعيشها لولا ذلك". وتستطرد لقد تعرضت لانهيار جسدي شديد لبضعة أسابيع، ثم انتقلت للعمل مع ويس أندرسون في إسبانيا في فيلم Asteroid City، حيث وهبني العديد من الحوارات الطويلة غير المفهومة. لم يعمل عقلي بشكل صحيح. لم أستطع تذكر أي شيء. وكان هذا مخيفًا للغاية. أعني، من الواضح أنه لم يكن طبيعيًا. من الواضح أنه كان استجابة لما كان في نظامي. وكان الأمر صادمًا للغاية. وتساءلت عما إذا كنت أواجه مرض الزهايمر المبكر، لقد استمر معي حوالي ثمانية أشهر، ثم اختفى تدريجيًا، أو كان مثل الخوض في مستنقع. أصبح أخف وزناً، تمكنت من تتبعه، بالطبع، لأنني كنت أصنع ثلاثة أفلام روائية خلال ذلك الوقت وكان علي أن أتعلم الحوار. وكان مشروع ويس أندرسون هو الأسوأ بالتأكيد. لم أستطع تذكر أي شيء.. أود أن أقول إنني عدت إلى السرعة إلى حد كبير، لكنه ترك أثره. لتيلد نظرة خاصة فى علاقتها بأعمالها، حيث تقول: "أحب دائمًا فكرة القيام بالأشياء مرة واحدة ثم الانتقال إلى شيء آخر. لذا أقول دائمًا لنفسي إنني قد صنعت للتو فيلمي الأخير، وهو ما يشبه الخرافة إلى حد كبير. فأنا لا أريد أن أتعرض لنحس، وخاصة إذا كانت التجربة رائعة دائمًا، وأنا محظوظ جدًا، ولا أريد أن أتخلى عن المعايير. لذا فإن كل ما أتمناه هو المزيد من الفضول، والمزيد من الآفاق الجديدة والعلاقات وشراكات العمل الجديدة. وأود أن أقول المزيد من هذا المسار الذي أشعر أنني أسير عليه منذ بضع سنوات الآن. لقد أصبحت أعمالي أكثر ارتباطًا بالداخل وأكثر شخصية. وأنا أستمتع بذلك. وأشعر أنني مستعدة لذلك. ويرجع ذلك إلى حقيقة أن أطفالي أصبحوا الآن كبارًا وأنني أحظى بمزيد من الاهتمام. كما أصبح لدي المزيد من الوقت مرة أخرى. ولذا فأنا مستعدة مرة أخرى لبناء أفلام من المركز.. لقد عدت الآن وأرغب في أن أكون في قلب الأفلام، وأرغب في قيادة الأفلام، وأرغب في إرساء الأساس للأفلام. وأنا أفعل المزيد من ذلك. ولدي من الإمكانيات التي آمل أن تشبع هذه الرغبة. .. و فجوة الرقابة هواجس كثيرة تتسلل إلى صناع السينما، وخاصة المخرجين الشباب، جراء عدم وجود رئيس للرقابة منذ أن انتهت مدة رئيس الرقابة السابق، تلك الهواجس تكمن فى أن الأعمال الجديدة تكون عملية التصريح النهائى بها فى أيدى موظفين ربما لايستطيعون البت فى أعمال تنتظر الموافقة بالعرض، وهناك أفلام كثيرة تستعد للموسم القادم. سألني أحد المخرجين : هل يرضيك الحال هكذا ؟ ، أجبته على الفور "لا" . نحن لا نقلل من الوعى لدى موظفي الرقابة، ولكن الأمور هكذا تحتاج قطعا إلى وجود مسؤول فى تلك الحقبة التى تشهد فيها الساحة السينمائية طفرة للمخرجين الشباب الذين يشكلون الوجه "الآخر" للسينما الجديدة. وزير الثقافة الدكتور أحمد هنو أعلن فى حوار تليفزيونى له أن الكاتب الكبير عبدالرحيم كمال سيكون هو رئيس الرقابة الجديد، فلماذا لم يستلم عمله حتى الآن ؟، هل تراجع عبدالرحيم كمال ؟ ، هل مازال يفكر ويعيد حساباته ؟. إننى أشعر تماما بمخاوفه وهو مبدع كبير، وإن كنت أرى على المستوى الشخصي وأدرك قيمته الكبرى وهو صديق عزيز أن يفكر جيدا قبل قبول المهمة لأنه قطعا سيقتحم منطقة شائكة، فأنا أراه مبدعا كبيرا، ويعشق حرية الفكر والاستنارة، وربما يحاط بمحاذير روتينية معهودة، هل سيتصرف حينئذ بمنطق المبدع، أم القواعد الصلبة ؟ . هنو أكد أن وجود "عبد الرحيم كمال" في رئاسة جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، سيكون إضافة، بما يمتلكه من حس إنساني عظيم، وحس فني مرهف جدا، وقدرة إبداعية غير عادية، وقدرة على احتواء كثير من الأعمال وكثير من النقاشات، متوقعا أن فترة رئاسته للرقابة ستكون مثمرة وغنية جدا في تاريخ الرقابة. لافتا إلى أنه يستبشر به خيرا، في أنه سيعيد تجربة الأديب الكبير نجيب محفوظ في رئاسة الرقابة. وقال هنو أن الفن والإبداع حر، ولكن إذا تداخلت تلك الحرية مع حريات فئات أو أقاليم أخرى داخل المجتمع، يمكن أن يحدث هزة لن تكون في صالح المجتمع، فالرقابة ليس مهمتها القيام بدور الرقيب على الحريات الفنية، ولكن دورها هو الحفاظ على المعتقدات الاجتماعية والدينية داخل هذا المجتمع. نعم نحن مع الحفاظ على المعتقدات، ولكن هذه جملة مطاطة، وهو ما يثير كثير من الجدل حول مستقبل الأعمال القادمة، وهناك أفلام لم تأخذ تصريح بالعرض دون إفصاح أسباب ذلك، رغم أنها عرضت بمهرجانات دولية وحققت نجاح كبير، حتى أن هناك أفلام قصيرة كان من المقرر عرضها بمهرجان الإسماعيلية للسينما التسجيلية والقصيرة لم يصرح بعرضها، نعم لم تسلم المهرجانات لدينا من ذلك الموقف. لابد من سد الفجوة فى أقرب وقت، وألا نفقد تلك النشوة للأفلام المصرية التى نحن بصددها، وأن تكون هناك رؤية مختلفة تناسب فكر صناع السينما الجدد، وجمهور الشباب الواعى بحكم متغيرات العصر. اقرأ أيضا: خالد محمود يكتب : فى دورة استثنائية .. أفلام مسابقة « برلين السينمائى » ال 75 تكشف ضعف و قوة البشر