في الوقت الذي تستمر فيه الضغوط الأمريكية المباشرة لتصفية القضية الفلسطينية عبر طرح خيار التهجير تبقى الفصائل الفلسطينية على نفس الحالة التى ظلت عليها منذ حالة الانقسام التي تفجرت قبل عشرين عاما دون أن تراجع مواقفها أو حساباتها إنقاذا للقضية وهو ما يجعلها متهمة أمام الفلسطينيين كأحد الأسباب التي تعرقل الذهاب باتجاه حل الدولتين لتساهم فى تحقيق أهداف الاحتلال الذي يسوق بشكل مستمر لعدم وجود سلطة فلسطينية موحدة في قطاع غزة والضفة الغربيةوالقدس يمكن التفاهم معها بشأن التوصل لاتفاق سلام. ◄ محاولات مصرية على مدار 20 عاما لإنهاء الانقسام ◄ مخاوف من تكرار صدامات 2007 ◄ عمر: توافق بشأن إشراف السلطة على إعادة الإعمار ◄ الرقب: هجوم أبو مازن على حماس ضاعف الهوة وبدا الانقسام الفلسطينى الذى جاء بعد ثلاث سنوات على طرح المبادرة العربية للسلام فى العام 2002، كونه أحد الأسلحة التي شهرتها إسرائيل في وجه المساعي العربية، ومع استمراره حتى الآن يظل خنجرا يطعن أى جهود من شأنها الذهاب باتجاه السلام، في الوقت الذى يتم توظيف هذه الخلافات تارة لصالح أهداف توسعية لقوى إقليمية في المنطقة تذهب باتجاه دعم طرف على حساب آخر، أو أنها يتم تصديرها كأحد أبرز أسباب استمرار الصراع والتذرع بعدم الالتزام بعض المؤسسات الحكومية تحديدا فى قطاع غزة للاتفاقيات والمعاهدات الدولية. وسعت مصر بكافة الطرق الممكنة للوصول إلى اتفاق مصالحة بين حركتي فتح وحماس يقود لإنشاء لجنة إدارة محلية في قطاع غزة يمكن أن تتجاوز مسألة عقبات تشكيل حكومة وحدة وطنية بما يجعل الساحة مهيأة لإعادة الإعمار ووجود سلطة يمكن أن تجذب المساعدات المالية العالمية لإعادة البناء فى القطاع غير أن جميع الجهود لم تفلح بفعل المساحات المتباعدة بين الطرفين، إذ ترى حماس بأنها من حملت على عاتقها مواجهة الاحتلال الإسرائيلي طيلة أشهر الحرب وأنها من تتواجد على الأرض وتقدم الخدمات للمواطنين فيما ترى السلطة الفلسطينية بأنها صاحبة الشرعية التى تمكنها من السيطرة على القطاع بعدما تسببت حسابات حماس الخاطئة فى تدميره بعد أن منحت الاحتلال المبررات لذلك. ◄ حالة الصدامات وفي حال جرى إدخال السلطة الفلسطينية عنوة إلى القطاع فإن العودة لحالة الصدامات التي وقعت من قبل فى العام 2007 من المتوقع أن نراها مجددا، فيما يتسبب هذا الانقسام فى إضعاف الموقف الفلسطينى الجمعى، إذ بات التمثيل الفلسطيني يعاني أزمات جمة حيث تفاوض العالم في مسألة الرهائن ووقف إطلاق النار مع حركة حماس، بينما يتفاوض مع السلطة الفلسطينية فى مسألة الترتيبات السياسية فى قطاع غزة، أما المسألة الثانية، فهى المرتبطة بالدولة الفلسطينية، حيث ترفض إسرائيل توحيد الأراضي الفلسطينية بأى شكل من الأشكال عقب الحرب الحالية، كما أن الحركة الوطنية الفلسطينية التى تعرضت لهزة عنيفة فى العقل الجمعى الفلسطيني. فقد فشلت فى تقديم نموذج حقيقى لتعزيز صمود المواطنين في قطاع غزة. ◄ اقرأ أيضًا | الدبلوماسية العربية حائط صد ضد تهجير الفلسطنيين ◄ الشقاق! ومازالت حركة حماس تتمسك بإدارة قطاع غزة، وقبل أيام صرح القيادى بالحركة طاهر النونو، أن «حماس ستواصل حكم القطاع حتى يتم العثور على بديل فلسطينى»، مشيرًا إلى رفض حركة فتح لمقترحات مصرية لحل الأزمة، لافتا إلى أن هذه المقترحات تمثلت فى تسليم إدارة غزة إلى لجنة تكنوقراط فلسطينية مستقلة أو تشكيل حكومة توافق وطنى تدير الضفة والقطاع معًا، وفى حال إصرار حماس على موقفها فإن ذلك سيعطى ذريعة لإسرائيل لاستئناف الحرب مرة أخرى فى المسقبل القريب. ومن جانبه قال رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، محمد مصطفى، إن حكومته تعتزم إعادة إعمار غزة بمساعدة الولاياتالمتحدة والسعودية، فى عملية قال إنها ستعيد تشكيل الشرق الأوسط، وتتطلب إنهاء حكم «حماس» والوجود الإسرائيلى على الأرض. وعمّق الهجوم الإسرائيلى الكبير على مدينة جنين ومخيمها فى الضفة الغربية تحت اسم «السور الحديدى»، الانقسام الفلسطينى، إذ اتهمت حركة حماس السلطة فى رام الله بالمشاركة فى الهجوم الذى أسفر حتى الآن عن مقتل 10 وتوقيف عشرات الفلسطينيين وجعل المدينة فى وضع صعب جداً. وقبل أيام دعت الهيئة العليا لشئون العشائر فى قطاع غزة، برئاسة حسنى المغنى (أبوسلمان)، إلى عقد اجتماع طارئ وفورى فى قطاع غزة يضم الرئيس الفلسطينى والأمناء العامين للفصائل الفلسطينية. وأكدت الهيئة أن هذه الدعوة تأتى فى إطار الجهود الرامية إلى إنهاء الانقسام الفلسطينى واستعادة الوحدة الوطنية، خصوصًا فى ظل التضحيات الكبيرة التى قدمها سكان قطاع غزة خلال العدوان الأخير. ◄ جهود مصرية ومن جانبه قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أيمن الرقب، إن مصر حاولت بكافة السبل تجاوز الانقسام الفلسطينى منذ أن وضعت رؤية شاملة لإنهاء الفرقة بين فتح وحماس فى العام 2005 وذلك فى إطار إعادة هيكلة السلطة الفلسطينية وتشكيلها وكان فى ذلك الوقت فرصة لإنهاء الانقسام قبل أن تصل حماس للسلطة فى قطاع غزة وقبل إجراء انتخابات يناير من العام 2006 وذلك فى إطار إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية والتى كان من المفترض أن تأخذ على عاتقها مسألة ترميم السلطة ووضع رؤية سياسية متفق عليها من جميع الفصائل وبعد أن وافقت حركة حماس على ذلك الطرح فى ذلك الحين عاد الرئيس أبو مازن وتراجع عن مواقفه وهو ما مهد لانقلاب حماس على السلطة فى قطاع غزة بعد عام واحد فقط. وأشار إلى أن مصر لم تفقد الأمل وحاولت فى العام 2009 ووصلت إلى اتفاق مصالحة بين الطرفين وقعت عليه السلطة فى هذا العام وتلكأت حماس التى كانت تعول على أن تحصل على مزيد من المكاسب بوصول تنظيم الإخوان إلى السلطة فى مصر بالعام 2011 وفى ذلك العام وقعت متأخرة على الاتفاق لكن العقبة كانت فى التنفيذ ومضت القاهرة فى محاولات عبر اجتماعات وتوافقات مختلفة أبرزها ما حدث فى العام 2016، فى ذلك الحين بدأت إجراءات تشكيل حكومة وحدة وطنية لتأتى محاولة اغتيال رئيس حكومة الوفاق الوطنى رام الحمدلله فى مارس من العام 2018 لتعيد الأمور بين الطرفين إلى نقطة الصفر. ◄ إدارة الأزمة وتابع: «توقعت فى عامى 2023 و2024 أن تذهب السلطة لتشكيل وفد يبادر بإدارة الأزمة فى ظل اندلاع الحرب فى قطاع غزة لكن ذلك لم يحدث بل أنها منذ اللحظة الأولى أدانت حركة حماس وهو ما ساهم فى توسيع الهوة وترى حماس أنها ساندت السلطة حينما اختارت التصعيد ضد الاحتلال فى العام 2014 وتشكيل لجنة مشتركة من الجانبين وكانت مسئولة إلى جانب فتح فى المفاوضات مع اسرائيل ثم جاءت فرصتان الأولى فى موسكو والثانية فى بكين دون أن يستغل أى من الطرفين بالرغم من أن تفاهمات أخيرة جرت فى القاهرة لتشكيل حكومة تكنوقراط وافق عليها الرئيس أبومازن ولكن سرعان ما تراجع». وذكر أن الأوضاع بين فتح وحماس كانت بحاجة إلى حلول من خارج الصندوق وهو ما نجحت القاهرة فى التوصل إليه عبر فكرة تشكيل لجنة الإسناد المجتمعى وتتكون من التكنوقراط وهى تتجاوز مسألة صراع السلطة بين فتح وحماس ويتما يتجاوز أيضا المنطق الاسرائيلى بشأن لا فتح ولا سلطة فى غزة وخطت خطوات متقدمة نحو تشكيلها قبل أن تجهضها السلطة أيضا إذ سعت لأن يكون رئيس الوزراء محمد مصطفى على رأسها فيما اعترضت حماس وتمسكت بأن يكونوا من التكنوقراط، مشيرا إلى أن هذا الوضع سمح لأن يكون من يصدر بحقهم قرار الخروج من المشافى للعلاج فى مصر عبر معبر رفح هى حركة حماس بينما تتواجد السلطة عبر مسئولين إداريين على المعبر وهو ما قد يهدد بوجود صدام جديد بين الطرفين اللذين يتحملان مسئولية استمرار الانقسام. ◄ أمناء العموم ومن جانبه، أكد المحلل السياسى الفلسطينى المقيم بقطاع غزة عماد عمر، أن الانقسام هو من تسبب فى حالة التشرذم الحالية والمنعكسة على حالة النظام السياسى الفلسطينى وصولا للانقسامات بين شرائح المجتمع وأن إدارة حماس لغزة والسلطة للضفة خلق انقسامات أخرى فى الخطاب الإعلامى وبنية النظام السياسى وفى تمثيل الشعب الفلسطينى وهو ما ترك آثاره على كل مناحى الحياة، مشيرا إلى أن الجميع يرحب بوجود السلطة الفلسطينية على معبر رفح وكذلك بأن يكون لديها الدور الأساسى فى إعادة الإعمار لكن قبل أن يحدث ذلك لابد من إنهاء الانقسام. وأوضح أن الأيام المقبلة لابد أن تشهد اجتماعات على مستوى أمناء عموم الفصائل الفلسطينية، والاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية وبدء مرحلة جديدة هدفها تضميد جراح الأسرى والمصابين ومن دمرت بيوتهم ومن لم يجدوا أماكن للسكن ثم البدء مع الدول العربية والمجتمع الدولى بمرحلة جديدة لإعادة الإعمار بما يجعل هناك فرصة لجلب التمويل الدولى اللازم، على أن يتوازى مع ذلك جهود إعادة هيكلة السلطة الفلسطينية وإعادة الاعتبار للنظام السياسى الفلسطينى وتغليب المصلحة العليا للمواطنين وأن يتضمن ذلك إجراء انتخابات المجلس التشريعى المجمد عمله وكذلك الفصل التام بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية لضمان استقلالها.