كشفت استمرار الانتهاكات الإسرائيلية بعد انتهاء مهلة ال60 يومًا لاتفاق وقف إطلاق النار بين دولة الاحتلال وحزب الله اللبناني عن أن عوامل التصعيد فى منطقة الشرق الأوسط تبقى قائمة، وأن التوصل لاتفاقات من شأنها التهدئة فى لبنان وكذلك فى قطاع غزة من الصعب أن تصمد على المدى البعيد، فى ظل رفض الاحتلال الإسرائيلي الانسحاب من مناطق الجنوباللبناني وفى ظل استمرار عراقيل الحكومة المتطرفة نحو السماح لأهالي غزة بالعودة إلى شمال القطاع وفقا لما هو منصوص عليه فى اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة حماس. ■ الاحتلال يتواجد في جنوبلبنان ◄ إسرائيل تستخدم وجودها في الجنوب كوسيلة للضغط على حزب الله وتعمل مصر والدول الراعية للاتفاقات بين دولة الاحتلال وبين كلٍ من حماس وحزب الله على المضى قدما باتجاه استمرار التهدئة وسد أى ثغرات من الممكن أن توظفها إسرائيل لصالح الاستمرار فى المعارك العسكرية التى اندلعت منذ السابع من أكتوبر في عام 2023، وهو ما يظهر من خلال مطالبات الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون من رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ضرورة الالتزام بما جاء فى اتفاق وقف إطلاق النار والانسحاب من المناطق الجنوبية. نقض العهود وانتهت رسميًا مهلة ال60 يومًا لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، الأحد الماضي، التي دخلت حيز التنفيذ فجر ال27 من نوفمبر الماضي، وكان من المقرر بمجرد انقضاء المهلة المحددة أن تنسحب قوات جيش الاحتلال من الجنوباللبناني، لكن هذا لم يحدث، وبدلًا من الانسحاب، أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي النار على عناصر الأمن اللبناني ومدنيين أثناء عودتهم إلى منازلهم في الجنوباللبناني، ما أسفر عن استشهاد 11 شخصًا وإصابة 83 آخرين، حسبما أفادت وزارة الصحة اللبنانية. ◄ اقرأ أيضًا | الصحة اللبنانية: إصابة 5 في غارة إسرائيلية بمُسيرات على الجنوب وبحسب حكومة الاحتلال فإن الانسحاب التدريجي لقواتها من جنوبلبنان «سيتواصل» إلى ما بعد انقضاء مهلة الستين يوما المنصوص عليها فى اتفاق وقف إطلاق النار الذى ينتهى الأحد، محملة لبنان المسؤولية عن عدم احترام التزاماته «بشكل كامل». وكان الرئيس اللبناني جوزيف عون دعا السبت الماضى إلى انسحاب إسرائيل من جنوب البلاد «ضمن المواعيد المحددة» بموجب الاتفاق الذى أنهى الحرب بين حزب الله وإسرائيل، وينص الاتفاق أيضا على ضرورة انتشار الجيش اللبنانى إلى جانب قوة الأمم المؤقتة العاملة فى جنوبلبنان (يونيفيل). ■ لبنانيون يحاولون العودة ◄ 600 خرق للهدنة أثناء سريانها ورفض لعودة مواطنى الجنوب لمنازلهم وخلال فترة الهدنة لم تتوقف الخروقات الإسرائيلية لاتفاق الهدنة، وبلغ عددها أكثر من 600 خرق، وتوزّعت بين نسف المنازل وتفجيرها وجرف الطرقات وإحراق المحاصيل الزراعية والمساحات الحرجية، بالإضافة إلى التحليق المتواصل للطيران المسيّر فوق الجنوب والعاصمة بيروت والبقاع. ◄ هاني مرشدي: استمرار التهدئة يعتمد على التوازن الدقيق بين المصالح السياسية والأمنية لإسرائيل ولبنان ◄ تهدئة ضمنية وقال هاني مرشدي الباحث والمحلل السياسى، إن استمرار التهدئة فى لبنان يعتمد على التوازن الدقيق بين المصالح السياسية والأمنية للطرفين اللبنانى والإسرائيلى، جنبًا إلى جنب مع الضغوط الدولية والإقليمية، فضلًا عن مدى قدرة الأطراف، المتحاربة أو المعنية، على التحكم فى التصعيد، وفى ظل المعطيات الحالية، «يُرجح» أن يسعى الطرفان إلى تجنب مواجهة مباشرة، مع الاعتماد على ما يمكن أن نسميه «التهدئة الضمنية» أو الوساطات لتثبيت الوضع الميدانى والحيلولة دون انزلاقه، ومع ذلك، يبقى الوضع «هشًا»؛ بما يستدعى مراقبة مستمرة وتحركًا دبلوماسيًا «استباقيًا» لمنع أى تصعيد غير متوقع. وأشار إلى وجود مجموعة من «العوامل المحفزة» أو العوامل المرجحة لاستمرار هذه الهدنة ولو على المدى المتوسط، ومن بين هذه العوامل، حالة التوازن الاستراتيجى بين الطرفين ورجحان كفة إسرائيل على حساب حزب الله، إذ كان من الواقع أنها تعد عدتها منذ فترات طويلة، للدرجة التى استطاعت فيها اختراق المنظومة الأمنية لحزب الله وألحقت به خسائر فادحة سواء من حيث استهداف قياداته أو مقاتليه أو بنيته التحتية العسكرية فضلًا عن بعض شبكات أو سلاسل التوريد الخاصة به. ◄ الوضعية الإيرانية وذكر أن «الوضعية الإيرانية» المترقبة للتطورات فى ظل تولى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية مؤخرًا وما يستهدفه من سياسة «الضغط الأقصى»، فضلًا عن خسران «محور المقاومة» لسوريا، والتوصل لوقف إطلاق النار فى غزة وبدء تبادل الأسرى من الجانبين، وعدم رغبة إسرائيلية فى التصعيد على الأقل فى الوقت الحالى، لفتح جبهة قتال جديدة، كلها عوامل، فى تقديرى، ترجح استمرار هدنة لبنان. وعلى المستوى الإقليمى، أكد مرشدى أن هناك حالة من الزخم الدبلوماسى الإقليمى بل والدولى أيضًا لضمان استمرار هدنة لبنان، فالدول المؤثرة مثل الولاياتالمتحدة وفرنسا وقطر قد تضغط على الطرفين لتمديد حالة التهدئة عبر الوساطة، وحرص الإدارة الأمريكية الجديدة على إثبات جديتها فى تهدئة منطقة الشرق الأوسط حتى تستأنف حركة «قطار التطبيع». وعلى المستوى اللبناني، بحسب المرشدى هناك جملة من الاعتبارات التى تكبح جماح حزب الله للانزلاق لموجة جديدة من التصعيد، هذه الفترة على الأقل، ومن بين ذلك انتخاب رئيس جديد للبنان بعد حالة من الفراغ الرئاسى الممتدة لعامين، والأزمة الاقتصادية الخانقة التى يمر بها لبنان، وارتباط المساعدات الدولية، وكذا رغبة حزب الله فى إعادة لم شمل صفوفه من جديد وإيقاف نزيف خسائره عسكريًا أو شعبيًا. أما على مستوى إسرائيل، فعلى الرغم من حذرها من حزب الله فإنها ترغب فى التركيز على استكمال هدنة غزة وإطلاق سراح باقى الأسرى، الأمر الذى تضعه الإدارة الأمريكية كأحد أولوياتها المرحلية، فضلًا عن الرغبة الإسرائيلية فى التفرغ لمتابعة ما يجرى على الأراضى السورية التى يُعاد فيها تشكيل النفوذ الإقليمى وترتيب الأوضاع الداخلية، وهو أمر لا تريد إسرائيل أن تنشغل عنه بجبهات أخرى، وهى أمور دافعة لكلا الطرفين لاستئناف الهدنة. ◄ المستجدات وأوضح أن حدوث تصعيد عسكرى فى لبنان قد لا يؤدى بالتبعية لتصعيد مماثل فى غزة وذلك بضغوط من القوة الضامنة لاستكمال اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل إطلاق سراح الأسرى، فضلًا عن حالة الإنهاك العسكرى القوى الذى تعانيه الفصائل الفلسطينية، ولذا حال حدوث تصعيد عسكرى على جبهة لبنان فسوف تُفضل الفصائل الفلسطينية تجنب الانخراط فيه فى الوقت الحالى، لكن ربما تأتى المساندة من جبهات أخرى وفى مقدمتها الحوثيون. وفى الوقت ذاته أشار إلى أن التكامل بين مكونات محور المقاومة لا يزال موجودًا، لكنه ليس بالقوة ذاتها التى كان عليها فى سنوات سابقة، فالتحديات الداخلية والخارجية التى تواجه مكونات المحور تؤثر على قدرتها على العمل ككتلة موحدة، لكنها لا تُلغى تمامًا التعاون المشترك، خاصة فى مواجهة إسرائيل، ويعتمد مستقبل التكامل على قدرة إيران وحلفائها على تجاوز الأزمات الراهنة والحفاظ على أولوياتهم الاستراتيجية المشتركة. وعن أسباب عدم انسحاب إسرائيل من الجنوباللبنانى أشار رشدى إلى أن الاحتلال يرى أن الانسحاب قد يسبب «فراغًا أمنيًا» يمكن أن يستغله حزب الله لإعادة تعزيز قدراته العسكرية، كما أن إسرائيل تستخدم وجودها فى المناطق الجنوبية كوسيلة للضغط على حزب الله وإضعاف موقفه أمام الجمهور اللبنانى، خاصة إذا فشل الحزب فى تحقيق أى مكاسب واضحة من التهدئة، كما تخشى إسرائيل أن يؤدى الانسحاب إلى تفسيره كضعف أو تراجع أمام محور المقاومة، مما قد يضر بمكانتها الإقليمية، هذا بالإضافة إلى أن إسرائيل ترى أن الترتيبات الأمنية المقترحة من لبنان أو الأطراف الدولية غير كافية لضمان استقرار الأوضاع بعد الانسحاب. ◄ إيمان زهران: مستقبل هدنة غزة يتوقف على إحداث تحول ديموغرافى يعيد ترسيم جغرافيا الصراع ◄ كل الخيارات متاحة ومن جانبها أكدت الدكتورة إيمان زهران الباحثة والمحللة السياسية، أن كل الخيارات متاحة بالنسبة لإسرائيل فيما يتعلق بنمط التصعيد أو التهدئة على الجبهات الحيوية مثل الجنوباللبنانى، وإن كان ذلك مرهونا بحجم العلاقات الثنائية بين تل أبيب وواشنطن ، والترتيبات المشتركة بين نتنياهو ودونالد ترامب، مع تحييد المحددات الأخرى، أو الحديث عنها كعامل مساعد لإنجاز ما قد ترنو إليه نتائج التفاهمات المشتركة خاصة فيما يتعلق بالوضعية الدولية لحزب الله وتصنيفه لدى الولاياتالمتحدةالأمريكية، كما أن الموقف خلال الأيام المقبلة سوف يعكسه الثقل الأوروبى فى إدارة الملف اللبنانى على وجه الخصوص، وكذلك اختبار العلاقات الأوروبية الأمريكية فى ذلك الملف. ورفضت زهران الربط المباشر بين غزةولبنان قائلة: «فى اعتقادى، من غير المجدى الحديث عن التطبيقات المناطقية لنظرية «الدومينو» فى كلٍ من لبنانوغزة، فكلٌ منهم يحمل أهدافا خاصة للصراع. وبالنظر لحالة غزة فالأمر مرهون بعدد من المحددات التى تتعلق برغبة جيش الاحتلال فى إحداث تحول ديموغرافى على نحو ما يُعيد ترسيم جغرافيا الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وتفريغ القضية من أبرز عناصرها (الأرض والسكان). ◄ تسويف إسرائيل وفيما يتعلق بالقضية اللبنانية شددت زهران على أن استئناف القتال يتعلق بمحاولة الحكومة الإسرائيلية صرف الأنظار عن حالة التحلل والانقسام الداخلى حول ماهية الحرب وجدوى بنك الأهداف، كذلك إعادة الزخم مرة أخرى لفزاعة «محور المقاومة»، وما يتعلق بالهاجس الأمنى للوجود الإسرائيلى وفقا للتصورات الدينية المزعومة التى روج لها من قبل من جانب بنيامين نتنياهو وأطروحاته حول الشرق الأوسط الجديد. واعتبرت أن التسويف الإسرائيلى لعنصر الوقت، والمماطلة فى إنجاز بنود الانسحاب وفقا لما تم النص عليه باتفاق الهدنة يعد مؤشرات على إمكانية عدم انسحابها من الجنوباللبنانى، مشيرة إلى أنه قد تُدار تلك الفرضية اتساقا مع حجم الأوراق الإقليمية والدولية التى قد يتم الدفع بها لمقايضة الموقف الميدانى الإسرائيلى على نحو ما يدفع بالحديث المستقبلى عن ترتيبات الاستقرار الأمنى والسياسى لليوم التالى لحالة الصراع القائم.