بدون أى مجازفة تحليلية وبكل الثقة يمكن القول إن مشروع ترامب لتهجير أهل غزة إلى مصر والأردن مصيره الفشل، رغم تحمس الرئيس الأمريكى له، وثقته فى صاحبه وهو كوشنر زوج ابنته، ورغم أيضاً توهم ترامب أنه سيقدر فى نهاية المطاف إقناعنا نحن العرب بهذا المشروع المسموم الذى يستهدف تصفية القضية الفلسطينية ونسف فرصة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أراضى الضفة وغزة وعاصمتها القدسالشرقية.. فإذا كانت مؤامرة التهجير قد فشلت والفلسطينيون يتعرضون لحرب إبادة بشعة فليس من المنطقى ولا المعقول أن تنجح هذه المؤامرة بدعوى تعمير قطاع غزة والاستفادة من موقعه الفريد الرائع والجذاب كما يراه ترامب بعيون رجل الأعمال!. وأسبابى عديدة ومتنوعة لتوقع فشل هذا المشروع الإسرائيلى القديم والذى تبناه الرئيس الأمريكى وسارع بالإعلان عنه بعد أيام قليلة من توليه مهام منصبه.. وأول هذه الأسباب إصرار وتمسك مصر ومعها الاْردن. برفض مبكرًا التهجير القسرى لأهل غزة وكذلك أهل الضفة الغربية، وهو الرفض الذى يلقى تأييدًا ودعمًا عربيًا كاملًا، بل وأيضاً تأييدًا ودعمًا من كل الدول الإسلامية التى يزيد عددها عن خمسين دولة، سجلت رفضها هذا فى قمتين بالرياض. أما ثانى الأسباب فهو يتمثل فى تفهم أوروبى متزايد للرفض المصرى والأردنى للتهجير القسرى لأهل غزة.. ولم يقتصر الأمر على الرفض القديم الذى أعلنه الأوروبيون فى بداية العدوان الإسرائيلى إنما تجدد الآن مع طرح ترامب اقتراحه بتقاسم مصر والأردن استضافة أهل غزة فى أراضيها سواء لفترة مؤقته أو دائمة، وقد كان الموقف الفرنسى هنا لافتًا للانتباه لأنه تضمن رفضًا صريحًا لاقتراح الرئيس الأمريكى!. أما ثالث الأسباب فهو يتمثل فى أن مصر مستعدة ومعها الأردن لمواجهة وتحمل تداعيات رفضها لمشروع ترامب.. وقد سبق أن جربت مصر تداعيات رفضها قبل عقود لمنح أمريكا قاعدة عسكرية فى رأس بيناس على البحر الأحمر، والسماح لقوات تابعة للناتو بحماية وتأمين قناة السويس عندما نشطت العمليات الإرهابية فى البلاد فى تسعينات القرن الماضى.. وكذلك تداعيات رفض إعادة الإخوان لحكم البلاد بعد أن تخلصنا من حكمهم الفاشى، وهى التداعيات التى تمثلت فى تجميد المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر المقررة للحفاظ على اتفاقية كامب ديفيد، وكذلك السعى لحصارنا دبلوماسيًا وسياسيًا وتحريض دول أوروبية على منع مد قوات الشرطة المصرية بما تحتاجه من أسلحة ومعدات ضرورية!. بينما السبب الرابع فهو يتمثل فى أن الرفض المصرى لمشروع ترامب لتهجير أهل غزة هو رفض رسمى وشعبى.. فهو ليس رسميًا فقط كما أنه ليس شعبيًا فقط، إنما هو رفض شامل، رسمى وشعبى بدأه الرئيس السيسى وأعلنته وزارة الخارجية والبرلمان وتشارك فيه نقابات وأحزاب ومثقفون ومنظمات مجتمع مدنى... وهذا أمر شديد الأهمية ويقوى من الرفض المصرى لهذا المشروع والخطير ويزيده قوة، وإذا تمسك به ترامب فعليه أن يعلم أنه سوف يصطدم بالمصريين كلهم، قيادة وشعبًا. ثم يأتى السبب الخامس الذى يتمثل فى أن أهل غزة أنفسهم يرفضون ترك أرضهم ولا يقبلون بالتهجير، لا قسرًا أو طوعًا.. لقد تعرضوا لحرب إبادة جماعية بشعة، وفقدوا عشرات الآلاف من الشهداء وإضعافهم تعرضوا للإصابة ومع ذلك لم يفكروا، مجرد تفكير، فى مغادرة أرض القطاع.. ولعل المشهد المثير الذى نطالعه الآن من عودة عشرات الآلاف منهم إلى شمال القطاع رغم إدراكهم أنهم سيجدون منازلهم قد تم تدميرها وأن مقومات الحياة فيها قد تم نسفها بشكل ممنهج من قبل قوات الاحتلال حتى يتعذر عليهم البقاء فى أرضهم !. لهذه الأسباب مجتمعة سوف يفشل مشروع ترامب الذى فاجأنا به بشكل مثير للاستفزاز لتهجير أهل غزة إلى مصر والأردن بدعوى توفير سبل الحياة لهم.. سيفشل هذا المشروع مهما فعل ترامب ورغم أوهامه بأنه فى مقدوره تطويع إرادتنا للقبول به.. ولن تفلح إغراءات ترامب أو ضغوطه لتهجير أهل غزة خارج أرضهم.. سيبقى أهل غزة يتمسكون بأرضهم، لا يهجرونها.. وستبقى مصر داعمة لهم للاحتفاظ بهذه الأرض، لأن بقاءهم لا ينقذ فقط القضية الفلسطينية من التصفية وإنما هو حماية أيضاً للأمن القومى المصرى.