مع قدوم الشتاء، حيث يمتد الظلام وتقل ساعات الضوء، يواجه العديد من الأشخاص تحدياتٍ نفسية وجسدية تتفاقم مع المزيد من الانخفاض فى درجات الحرارة، مسببة ما بات يُعرف ب «اكتئاب الشتاء». وكان هذا الاضطراب العاطفى الموسمى مجهولاً فى البداية، لكنه أصبح موضوعاً للبحث العلمى منذ اكتشافه فى عام 1984 على يد الطبيب النفسى والباحث الأمريكى ذى الأصول الجنوب إفريقية نورمان روزنتال، وأصبح الآن هذا الاضطراب، جزءاً من الوعى الصحى العالمى، مما دفع العلماء إلى دراسة أسبابه وآثاره بشكلٍ مُعمق. ولا يؤثر هذا الاضطراب على المزاج فقط، بل يمتد ليشمل جوانب حياتية أخرى مثل: النوم والطاقة النفسية، وبينما يستمر العلماء فى الكشف عن العوامل البيولوجية والنفسية وراءه، تبرز أهمية استراتيجيات العلاج الحديثة مثل: العلاج بالضوء والعلاج السلوكي المعرفي، بالإضافة إلى أهمية النوم السليم والتفاعل الاجتماعى كعوامل رئيسية لمكافحته. ◄ اقرأ أيضًا | في 5 دقائق فقط.. 6 طرق لتقليل التوتر ◄ ما هو الاكتئاب الشتوي؟ - والاكتئاب الشتوى، اضطراب نفسي يحدث عادة فى فصل الشتاء، ويُعتقد أنه مرتبط بتغيرات الضوء الطبيعى التى تؤثر على الهرمونات مثل: الميلاتونين والسيروتونين. وهذا الاضطراب يبدأ عادة مع اقتراب الخريف ويستمر حتى بداية الربيع، حيث تقل ساعات النهار وتزداد فترات الظلام، ويعانى الأفراد المصابون من أعراض متعددة مثل: الحزن، قلة الطاقة، تغيرات فى النوم (الزيادة فى عدد ساعات النوم)، وزيادة الشهية، خصوصاً تجاه الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات. وتشير الدراسات إلى أن الاكتئاب الشتوى لا يقتصر فقط على البالغين، بل قد يؤثر أيضاً على الأطفال وكبار السن. ويوضح الدكتور علاء رجب، استشارى الصحة النفسية، أن كبار السن قد تظهر عليهم أعراض الاكتئاب الشتوى بشكلٍ يتسم بالحزن والعزلة، بينما يعانى الأطفال من الغضب السريع أو البكاء وقد تظهر عليهم رغبة أقل فى ممارسة الأنشطة المعتادة. ◄ الضوء والهرمونات ووفقاً للدكتور وليد هندى، استشارى الصحة النفسية، يُعد نقص الضوء الطبيعى فى الشتاء العامل الرئيسى فى تحفيز الاكتئاب الشتوى، فالضوء الطبيعى، وخاصة الضوء الأزرق الذى يحتوى عليه، يساعد فى تنظيم المزاج واليقظة. وأظهرت دراسة أجرتها الباحثة كاثرين روكلين من جامعة بيتسبرج الأمريكية، ونُشرت فى دورية «أرشيف الطب النفسى العام»، أن الأشخاص المصابين بالاكتئاب الشتوى كانوا أقل حساسية للضوء الأزرق مقارنة بغيرهم، مما يفسر سبب تأثرهم بشكلٍ أكبر بتقلبات الضوء فى فترات الشتاء. واختبرت الباحثة فى هذه الدراسة كيفية تفاعل عيون الأفراد المصابين بالاكتئاب العاطفى الموسمى وغير المصابين به مع الضوء الأزرق، وهو جزء من الطيف الضوئى الذى يلعب دوراً كبيراً فى تنظيم المزاج واليقظة. وتشير نتائج الدراسة إلى أن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب العاطفى الموسمى كانوا أقل حساسية للضوء الأزرق، خاصة فى الأشهر التى تنخفض فيها مستويات الضوء الطبيعى مثل: فصل الشتاء، وهذا الانخفاض فى الحساسية للضوء الأزرق يمكن أن يكون عاملاً مساعداً فى تطور الاكتئاب الشتوى، حيث يقل التأثير المنشط لهذا الضوء على مراكز اليقظة فى الدماغ. وفى فصل الشتاء، حيث تقل ساعات النهار ويزداد الظلام، لا يوفر هذا الانخفاض فى الحساسية تجاه الضوء الأزرق الكمية الكافية من التحفيز العقلى، مما يؤدى إلى مشاعر الحزن والاكتئاب. ◄ طرق الوقاية والعلاج وللحد من تأثير الاكتئاب الشتوى، توجد مجموعة من الاستراتيجيات الفعالة يشير إليها الخبيران، والتى يمكن أن تساعد فى التخفيف من حدة الأعراض: العلاج بالضوء: يعتبر العلاج بالضوء أحد أكثر الأساليب فعالية فى علاج الاكتئاب الشتوى، حيث يقوم المرضى بالتعرض لضوء ساطع لمدة 30 دقيقة يومياً فى الصباح، ويمكن أن يكون هذا العلاج مفيدًا للغاية حتى بدون الحاجة إلى الأدوية. العلاج النفسي: يُعد العلاج السلوكى المعرفى من الخيارات المُوصى بها أيضاً ، حيث يساعد الأفراد فى تحديد وتعديل الأفكار غير المفيدة التى قد تؤدى إلى الاكتئاب. ممارسة الرياضة: تُعتبر التمارين الرياضية الخفيفة مثل: المشى أو اليوجا من العوامل التى تُحسن المزاج، حيث تحفز إفراز الإندورفينات (هرمونات السعادة). الدعم الاجتماعي: يُعد الدعم النفسى من الأهل والأصدقاء أحد العوامل المهمة فى تخفيف حدة الاكتئاب الشتوى، كما أن تخصيص الوقت للتفاعل مع الآخرين وتقديم الدعم يمكن أن يكون له تأثير إيجابى كبير. - النوم الجيد: يساعد النوم الجيد فى تنظيم مستويات الهرمونات مثل السيروتونين (هرمون السعادة) والميلاتونين (الهرمون الذى ينظم النوم)، وفى فصل الشتاء، يكون هناك انخفاض فى مستوى الضوء الطبيعى، مما يؤدى إلى اضطراب إفراز هذه الهرمونات، والنوم الجيد يساعد فى تقليل هذه الاضطرابات ويعزز من الشعور بالراحة النفسية. كما أن النوم المنتظم يساعد على إعادة ضبط الساعة البيولوجية للجسم، التى تكون عرضة للتأثيرات الموسمية، خاصة مع التغيرات فى عدد ساعات الضوء.