لم يعد خفيًا على أحد مدى أهمية وخطورة الدور الذي يلعبه الإعلام في شتى مجالات الحياة المعاصرة سواء في الجوانب التربوية أو الثقافية أو الاقتصادية أو الأمنية؛ إذ أجمعت معظم الدراسات على أن الإعلام أصبح من أهم السمات البارزة للعصر الحديث ووسيلة فاعلة في تكوين وجدان الشعوب والمجتمعات. ولما كان الأمن مطلبًا ضروريًا لاستمرار الحياة الإنسانية وعنصرًا أساسيًا لنموها وتقدمها؛ فقد أدرك القائمون على أجهزة الأمن ضرورة التفاعل مع وسائل الإعلام المختلفة والاستفادة منها في نشر الوعي الأمني وخدمة المجتمع وقضاياه المختلفة. وتماشيًا مع هذه السياسة ظهر الإعلام الأمني الذي يحمل بين ثناياه أهداف نشر رسالة التثقيف الأمني لمختلف القضايا التي تؤرق المجتمع وتأتي في مقدمتها ظاهرة التطرف العنيف لدى الشباب العربي بوصفه سلوكًا معاديًا للمجتمع وأمنه وأمانه. وتزامنًا مع احتفالات مصر بذكرى عيد الشرطة ال 73، تحل الذكرى ال30 على إنشاء مركز الإعلام الأمني في وزارة الداخلية، الكيان الذي كان له دور أساسي في التصدي لموجات الشائعات، ووقف حائلا أمام محاولات جماعة الإخوان الإرهابية لزعزعة أمن الوطن والمواطن، رافضًا انزلاق مصر في دوامة الفوضى. مركز الإعلام الأمني، أبرز جهود الوزارة وبث رسائل طمأنة للمواطنين طوال 30 عاما، منذ إنشاء المركز بقرار من اللواء حسن الألفي وزير الداخلية الأسبق، عام 1995 لإبراز الجهود الأمنية والتواصل مع كل وسائل الإعلام. بسلسلة من التطوير والانفتاح على جميع وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية، وتوفير البيانات العاجلة عن التطورات الأمنية وبدقة وبسرعة، يركز المركز ليكون الجسر الآمن الضامن لجذب مساندة لجهاز الشرطة في كل مهامه من المواطن المصري. نجح المركز الإعلامي، في أوج الصراع الدموي مع جماعات الخراب والدم في تحقيق أكبر مساندة شعبية لمواجهة جماعات الإرهاب والموت، فكانت تجربة ناجحة شجعت كل وزارات الداخلية في مختلف الدول العربية في تلك الفترة على اقتباس التجربة المصرية في الإعلام الأمني، فأقامت مراكز للإعلام الأمني، وبات علم الإعلام الأمني فرعًا يدرس وتجري حوله البحوث والدراسات والمناقشات في المراكز الأكاديمية الأمنية والبحثية المعنية بالشئون الأمنية. وتحت قيادة اللواء محمود توفيق وزير الداخلية، امتدت يد التطوير للمركز بشكل كبير، من خلال تطوير الأجهزة ومنظومة العمل، ولم يتوقف الأمر على تطوير المعدات وإنما سبقها اهتمام بالعنصر البشري، وثقل الخبرات والاعتماد على الكفاءات الأمنية من الضباط الذين يحرصون على التعامل الراقي والمتحضر مع الإعلاميين والصحفيين بقيادة اللواء ناصر محى الدين مساعد الوزير لقطاع الإعلام، واللواء منتصر فتحى مساعد وزير الداخلية مدير الإدارة العامة للاعلام والعلاقات بوزارة الداخلية وهو ما يزيد من التلاحم الشعبي، ويؤكد المسئولية الجماعية في الوقوف صف واحد في معسكر الوطن، ضد من يحاول النيل منه في الداخل والخارج. أسهم التطوير بشكل كبير في دحض الشائعات لا سيما على بعض مواقع التواصل الاجتماعي، ومن خلال الأبواق الإعلامية الإخوانية، في حرب ممنهجة ضد البلاد، حيث تقود الكتائب الإخوانية حربًا من خلال العالم الافتراضي لبث سمومها ونشر المعلومات المغلوطة التي تستهدف خلق مناخ تشاؤمي ونشر الإحباط بين أوساط المواطنين، ليبرز دور المركز الإعلامي في الخروج بالبيانات الرسمية والمعلومات الدقيقة وبسرعة فائقة. وسلحت وزارة الداخلية، المركز بأحدث الوسائل التكنولوجية والأدوات العصرية، إضافة إلى تطوير العنصر البشري بالدورات التدريبية، وإطلاق بوابة إلكترونية على موقع الوزارة لنشر أخبارها وتطبيق ذكي للهواتف، وصفحة على كافة مواقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»،»تويتر» و»يوتيوب»، لبث بيانات الداخلية. انطلاقا من ضخامة التهديدات الأمنية التي شهدتها مصر في أعقاب ثورة 30 يونيو والتي كانت مدفوعة بالممارسات الإجرامية لجماعات الإسلام السياسي وفي مقدمتها جماعة الإخوان الإرهابية التي حاولت توظيف كافة أدواتها للنيل من أمن واستقرار الدولة المصرية، واصلت دولة 30 يونيو اتخاذ جملة من الإجراءات الشاملة للتصدي لتلك التهديدات، وكان أهم هذه الإجراءات الرد على كل ما يمكن أن نطلق عليه «أبواق الجماعة الإرهابية» عن طريق الإعلام الأمني. حيث قامت مصر في أعقاب ثورة 30 يونيو بحل جماعة الإخوان المسلمين وتصنيفها تنظيمًا إرهابيًا، وتلا ذلك حكمًا نهائيًا للمحكمة الإدارية العليا في عام 2014، قضى بحل حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للجماعة، وتصفية كافة ممتلكاته وأمواله السائلة والمنقولة وأيلولتها إلى الدولة، وذلك بعد أن أثبتت التحقيقات مخالفة الحزب لشروط عمل الأحزاب السياسية المتضمنة بالمادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 والخاص بنظام الأحزاب السياسية. أولت دولة 30 يونيو اهتماما كبيرًا بتوظيف وسائل القوة الناعمة المختلفة في محاربة الفكر المتطرف ودحض الآراء المتشددة والفتاوى التكفيرية والتفسيرات المشوهة والخاطئة التي تروج لها جماعة الإخوان الإرهابية، وذلك كالتالي: 1. إطلاق عدد من المبادرات الرئاسية لتصويب لخطاب الديني، إلى جانب تعزيز الدور الذي تقوم به المؤسسات الدينية المنوطة بهذا الشأن، وعلى رأسها الكنيسة، ووزارة الأوقاف ومؤسسة الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية. 2. رصد الشائعات والادعاءات التي تروج لها عناصر تنظيم الإخوان وأبواقه الإعلامية لاستثارة المواطنين وتأليبهم ضد الدولة ومؤسساتها، وتحديد القائمين على ذلك وتقنين الإجراءات تجاههم، والتنسيق مع أجهزة الدولة المعنية ووسائل الإعلام لضحد تلك الشائعات والادعاءات. 3. إطلاق عدد من الأفلام الوثائقية والأعمال الدرامية مثل مسلسل «الاختيار» بأجزائه الثلاثة ومسلسل «الكتيبة 101» لتُعيد بث الروح الوطنية في نفوس المصريين، وتصحح المفاهيم والصور الخاطئة التي يروج لها عناصر جماعة الإخوان من خلال أعمال تمزج بين الطابع الدرامي والوثائقي، تكون بمثابة تخليد مرجعي لحقبة زمنية عُدّت الأخطر في تاريخ الدولة المصرية، وتوثق أبرز المحطات والأحداث المفصلية التي شهدها عام حكم الجماعة الإرهابية، وذلك انطلاقا من الدور المحوري للأعمال الدرامية الوطنية في بناء وتشكيل الوعي المجتمعي، ومواجهة الغزو والتغريب الثقافي، وتنشيط الهوية الوطنية، وصد الشائعات التي تستهدف ضرب الروح المعنوية للشعب المصري وهدم المؤسسات الوطنية، فضلًا عن دورها في تحويل المشاهد بعيدًا عن الأعمال الخارجية المُوجهة التي تستهدف بناء سرديات تاريخية مزيفة لخدمة أجندات خارجية، لاسيمَّا كونها الأسهل وصولا للمُستقبِل في ظل تراجع ثقافة القراءة بين الأجيال الشابة. 4. خاضت مصر معركة إعلامية كبيرة خلال السنوات الماضية في تنبيه وزيادة الوعي المحلي والإقليمي والدولي بمخاطر جماعة الإخوان الإرهابية على الأمن القومي لدول العالم، والتأكيد بالأدلة والبراهين على جذور العنف لدى التنظيم وتاريخه الدموي، حيث يتابع مركز الإعلام الأمني كل ما يدور حول العالم على مدار الساعة، ولا يترك المساحة لأية يد خفية تتلاعب بمعلومات مغلوطة من شأنها تكدير السلم العام للدولة المصرية العتيدة، وقد لعبت تلك الجهود دورًا مهما في كشف جرائم التنظيم على المستويين الإقليمي والدولي، حيث اتجهت العديد من الدول إلى السير على خطى الدولة المصرية في إدراج الإخوان على قائمة التنظيمات الإرهابية، ومنها: المملكة العربية السعودية والإمارات وكندا وجزر القمر وباراجواي، وذلك بعد أن ثبت لديها أن الممارسات الإرهابية لتنظيم الإخوان تمثل تهديدًا للأمن والسلم الدوليين؛ كونه يمثل المصدر الأيديولوجي الرئيسي الذي انبثقت عنه كافة الجماعات الإرهابية، على اختلاف مُسمياتها، واستمدت منه المبادئ الفكرية المتطرفة الدموية كالحاكمية والجاهلية وأستاذية العالم التي أرساها الإرهابيان سيد قطب وحسن البنا. اقرأ أيضا: يعزز الروح الوطنية.. دور «الداخلية» في دعم أسر الشهداء وتخليد ذكراهم