«لا أحد يحتكر الحكمة، فكلنا نسعى إليها، فنقترب منها أحيانا ونبتعد أحيانا أخرى» الثلاثاء: «لوثر» والغفران كلما عبرت كلمة «تجديد الخطاب الديني»، وألح رئيس الدولة على ضرورة هذا التجديد، يطفو على شط الذاكرة اسم «مارتن لوثر»1546-1438 القس وأستاذ اللاهوت الألماني، الذى هاله ما يفعله رجالات الدين إبان العصور الوسطى بعقول الأوربيين من خزعبلات باسم الدين، واحتكارهم تأويلات النصوص المقدسة لمصالحهم الشخصية، وابتزاز عاطفة الأوربيين الدينية معنويا، وبيعهم «الغفران» الكلى، والجزئى ماديا لهم، فثار «لوثر» على استغلال رجالات الكنيسة، وتأويلاتهم الدينية الباطلة، وجاهد بلا كلل، لتجديد الخطاب الديني، وإصلاحه، وعمل على «تنقية العقيدة، وإصلاح المؤسسة الدينية»، ونادى بإعمال العقل فى فهم النصوص الدينية وتفسيرها، ورأى أن العقل كفيل بوضع حد للمعتقدات الدينية الزائفة التى لا تتسق والفكر السليم، وبتأكيد حق الإنسان فى التفكير العقلى الحر، ولا سلطة تراثية عليه. ورأى هدم السلطة البابوية، وشدد على احترام الدولة السياسية، باختصار هدف «لوثر» إلى تجديد الخطاب الدينى وفقا للعقل، والكتاب المقدس، وهدم السيطرة الدينية على الدولة السياسية. وسريعا أزعجت أفكار، وكتابات «لوثر» منتفعى تسليع الأديان، وقدمته للمحاكمة بتهمة الهرطقة، وطلب منه المجلس الإمبراطورى فى أبريل «1521» أن يتراجع عن كل كتاباته وأفكاره التى حكمت الكنيسة ببطلانها، فأجاب لوثر: (بما أنكم تطلبون منى إجابة واضحة وصريحة فهذه هى إجابتي: إن لم تقنعونى من الكتاب المقدس، فلا يمكننى أن اتراجع لأن ضميرى لم يعد يخضع لا للبابا، ولا للمجامع، ولا يخضع إلا للكتاب المقدس، ولذلك لا يمكننى أن أتراجع، لأنه ما أخطر أن يتصرف الإنسان ضد ضميره، وهذا ما أومن به فليعنى الرب، آمين). لم يخش «لوثر» المفكر والمصلح، مواجهة القوى الدينية، والاجتماعية دفاعا عن أفكاره التى أرست أسس الإصلاح الديني، وكان لها أثرها فى نهضة المجتمعات الأوربية. أخيرا لمن يستمعون إلى دعوات تجديد الخطاب الديني، ولا يعتبرون، ويأخذون من الدين تكأة لتخدير العقول، والحفاظ على تخلفنا الحضارى لجنى مكاسب دنيوية زائلة، مما يفتح علينا أبواب الجحيم، باستغلال أصحاب المصالح من الغرب والشرق للفكر الدينى المتيبس والمتفرق شيعا أصلا لمصالحها، ولتفريخ جماعات الدم، من أمثال الإخوان، والقاعدة، وداعش، والجماعات التى تولد يوميا من رحم التفسيرات الدينية المغرضة، ولتمزيق وتشرذم الرقعة العربية! الأحد: الشيخ الأفغانى بداهة لا أحد يحتكر الحكمة، فكلنا نسعى إليها، فنقترب منها أحيانا ونبتعد أحيانا أخرى».. وفى طريق البحث عن الحكمة جاءت محاولة تجديد الخطاب الدينى على يد الشيخ الثائر جمال الدين الأفغانى -رغم ما فيها من ملاحظات-، فيرى الأفغانى أن هناك علاقة بين إصلاح وتجديد الخطاب الديني، ونهضة المجتمع، ويشير فى كتابات له عن حركة الإصلاح الدينى فى أوربا وأثرها فى تقدمها ونهضتها، وقد استشهدت فيما كتبه بأقوال الأوربيين أنفسهم: ((..أن من أشد الأسباب أثرا فى سوق أوربا إلى تمدنها ظهور طائفة فى تلك البلاد قالت لنا حقا فى البحث عن أصول عقائدنا، وطلب البرهان عليها، وعارضها كثير من رؤساء الدين، ومنعوها فيما ادعت من حق، محتجين عليها، فلما اتخذت تلك الطائفة قوتها، وانتشرت أفكارها، نصلت عقول الأوربيين من علة الغباوة والبلادة، ثم تحركت فى مدارتها الكريه، وترددت فى المجالات العلمية وكدحت لاستحصال أسباب المدنية)). ويقول الأفغانى أيضا: «إننا لو تأملنا فى سبب انقلاب حالة عالم أوربا من الهمجية إلى المدنية، نراه لا يتعدى الحركة الدينية التى قام بها «لوثر»، فإن هذا الرجل الكبير لما رأى شعوب أوربا زلت، وخمدت شهامتها من طول ما خضعت لرؤساء الدين، ولتقاليد لا تمت بصلة إلى عقل، أو يقين، قام بتلك الحركة الدينية، ودعا إليها أمم أوربا بإصرار وعناد وإلحاح، فانصلح بذلك أخلاقهم وقوم اعوجاجهم، وطهر عقولهم ونبههم إلى أنهم ولدوا أحرارا فلماذا استعبدهم المستعبدون؟. الجمعة: كيف نتغير..! يدهشنى ويكاد يميتنى من الضحك أن هناك من يتخيل ويصر على أن الطبيعة البشرية يمكن صلاحها بالوعظ والإرشاد وبعض خطب عن الأمانة والشرف والكرامة وحواديت تصور من عاش قبلنا كأنهم ملائكة.. وحوادث التاريخ تقول غير ذلك..! ولا يمل الخطباء من ترديد بعض المرويات التى تُظهر شجاعة أفراد أمام ولاة الأمور وبعض الحكم حتى يمكن تغير الطبيعة البشرية.. ولا تمل ولا تكل جوامعنا طوال الأسبوع وأيام الجمع وكنائسنا أيام الآحاد من إعادة الخطب المسجوعة الرنانة والوعد والوعيد وبالويل والثبور لمن يعصى ويرتكب الآثام .. ومع ذلك لا أحد يتغير .. وتسير الحياة على هواها وهوى الطبيعة البشرية.. وتعج حياتنا بمؤامراتٍ من كل نوع وكل صنف وتطاحن خفى ومُعلن ، حين يتمكن المرء ، وترى الأنباء تترى عن المتحرشين وبائعى ضمائر وألفاظ قبيحة تتطاير..! ولا أحد يسأل نفسه: لماذا لا نتغير بعد كل هذا.. هل ذلك راجع لسوء أخلاقنا.. وهل يتصور دعاة جوامعنا وكنائسنا ومدارسنا وجامعاتنا أنه بمجرد صلاح أخلاقنا تنصلح حياتنا.. فينفقون أوقاتهم فى الوعظ والإرشاد والإشادة بالسلف الصالح كأننا لسنا خلفاً لسلفهم الصالح..! إذا أردنا تغير الطبيعة البشرية نقرأ ما قاله المفكر الفيلسوف بيكون (( حتى يمكن لنا تغير الطبيعة ونسيطر عليها لابد أن ندرسها والإنسان جزء من الطبيعة )). « فلا يمكن تغيير الناس بإلقاء خطب مليئة بعبارات على شاكلة: «هذبوا أخلاقكم وأحسنوا أعمالكم وأحبوا بلادكم « .. لا أحد يتغير ولا أحد يسأل نفسه لماذا لا نتغير..؟!.. الإثنين: الغنى والفقر لا أفهم ما السر فى اتهام معظم الأغنياء بطرف خفى بأنهم غير شرفاء، وغالبًا نضعهم فى خانة اللصوص، والجميع يُحاولون خداعهم، فتجد البائع إذا لاحظ علامات الغنى على الزبون يضرب السعر فى العالي، وإذا طلبوا أحدهم لإصلاح شيء لديهم فيغالى فى طلب أجره، ولا أستسيغ الربط بين الفقر والنزاهة ونظافة اليد، خذ منى كلمة، اسع للغنى ولا تخش شيئًا ولا تُلق بالًا، فالله يُحب الأغنياء الصالحين، لا الفقراء الشحاتين!. كما لا أستوعب الخطب الرنانة التى تحث الناس على الزهد فى متاع الدنيا، وكأن الله قد خلقنا ليس للعيش والتمتع بالحياة ويرددون: «عمال على بطال»، «الدنيا منفاتة»، وكأنهم توصلوا توًّا لاكتشافٍ عظيمٍ كنا نجهله، وظننا أننا خالدون. ما يجب أن يدركه الناس أن يتعلموا من قصص الأغنياء المكافحين، وكيف يُحسنون التصرف فى حياتهم، وعلينا أن نحاكى صفاتهم، وطبائعهم التى جعلتهم متميزين أغنياء، وعلينا أن نروح عن أنفسنا حتى بالقليل من المال لندرك قيمته كوسيلةٍ للاستمتاع بالحياة، فعندما نستمتع بالمال الذى نملكه تتولد لدينا رغبة فى الحصول على المزيد منه، واحتفظ دائمًا معك ببعض النقود، حتى تشعرَ أنك أكثر ثراء ،وسوف تعتاد على امتلاكك للمال، وستتعلم وأنت معك نقود وربما تقضى على شعورك بالخوف من فقدان المال الذى هو مهم لرفاهيتك، ولا تردد: أنا لا أحمل المال لأنى سوف أنفقه فى شيء، طبْ فسِّر لى أنت، كيف تأمل فى الحصول على المال وأنت لا تثق فى نفسك هكذا؟!.