أعتقد أن إدارة قطاع غزة ستكون برهانًا ودليلًا يؤكد أو ينفى نجاح عملية سلام شاملة بالطبع شعرنا جميعًا بالفرحة لتنفيذ اتفاق وقف الحرب الهمجية التى قام بها الاحتلال الإسرائيلى ضد الشعب الفلسطينى، الحرب التى ستظل وصمة عار فى جبين الإنسانية والتى كشفت عن حقيقة صراع حضارى بين الشرق والغرب أو بين الضعف والقوة فى عالم لم يعد يحكمه صوت العقل بقدر ما تحكمه المصالح. على حين تتردد كلمة الانتصار بين طرفى الصراع فإن الحقيقة تؤكد أنه كان انتصارًا بطعم العلقم روته شلالات الدماء البريئة لما يزيد على 60 ألف شهيد فلسطينى سقطوا تحت بطش القوة الغاشمة بالإضافة لما يزيد على 130 ألف مصاب يصارع عدد كبير منهم البقاء. نعم كان فرحًا كالبكاء على أطلال غزة الأبية وشعبها الصابر والذى تتقاذفه أجندات خاصة تتجمع تحت مسمى جماعات المقاومة. دعونا نوارى الإحساس بالألم ونحن نجتاز أوقاتًا عصيبة تحاول إسرائيل استغلالها من أجل الإخلال بشروط وضوابط الهدنة. لقد توارى منا مصطلح «اليوم التالى» رغم أهمية وضرورة وضع معالم واستغلال الزخم الدولى المؤيد للحق العربى وذلك طوال مراحل اتفاق الهدنة والتى يمكن أن تكون بداية لمرحلة جادة لتحقيق السلام وفق حل الدولتين. حل الدولتين يحتاج إلى مؤشرات قد تكون محفزة للجانب الإسرائيلى وأعتقد أن إدارة قطاع غزة ستكون برهانًا ودليلًا يؤكد أو ينفى نجاح عملية سلام شاملة. لقد أعلنت إسرائيل رفضها المطلق لأى دور تقوم به حركة حماس فى إدارة قطاع غزة ويؤيدها فى ذلك كل القوى الغربية. فى نفس الوقت بدأت السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس الحديث عن حقها المشروع فى إدارة قطاع غزة باعتبارها السلطة الشرعية المنتخبة من الشعب الفلسطينى. هنا نصل إلى بيت القصيد وهو توحيد الرؤية لليوم التالى بين السلطة وحماس سوف تسعى إسرائيل وبقوة من أجل زيادة رقعة الخلاف بين الجانبين بل ورفضها أيضاً لأى دور للسلطة الفلسطينية الحالية. لن يكون من المستبعد أن تستغل إسرائيل الخلاف الفلسطينى الداخلى فى كسر اتفاق الهدنة الحالى والعودة للحرب ليس على قطاع غزة فقط ولكن أيضاً عن الضفة الغربية، لقد تضمن اتفاق الهدنة مراحل للتفاوض وهناك لجنة مشتركة بين الولاياتالمتحدة ومصر وقطر لمراقبة تنفيذ الاتفاق دون أى انحياز لطرف على آخر وهو الأمر الذى يجب أن تعيه قوى المقاومة بقبول فكرة الابتعاد عن إدارة قطاع غزة وقد بدأت بالفعل بعض الأبواق الإسرائيلية الحديث عن أن الهدنة تعنى قطاع غزة وحده وليس الضفة. وهنا تبرز ضرورة وأهمية المصالحة الفلسطينية الداخلية وحتى لا نترك الذرائع لإسرائيل لاستئناف حربها الهمجية ضد الوجود الفلسطينى، نجحت إسرائيل فى الفصل بين حربها على غزة وبين حروبها المحدودة ضد لبنان وسوريا وجماعة الحوثى وهو الأمر الذى قد يزيد من حالة عدم الاستقرار بالمنطقة ناهيك عن صراعها الخفى مع إيران والذى قد يتحول إلى حرب شاملة فى أى لحظة من اللحظات. المصالحة الفلسطينية يجب أن تتم بوعى كامل من الطرفين والقناعة الكاملة بأن الذى يدفع الثمن هو الشعب الفلسطينى البريء وكانت فرحته الغامرة بوقف الحرب ناقوس خطر يؤكد أنه قد يثور فى أى لحظة من اللحظات ضد كل من تسبب فى حرب الإبادة التى تعرض لها. أتمنى أن يدرك الجميع أن دمار غزة لا يمكن أن يتكرر وأن السلام يجب أن يكون غاية للكل سواء من يجلسون بالسلطة أو الساعين لها.