شهد البرلمان الأوروبي جلسة استثنائية كشفت عن تحول جذري في النظرة الأوروبية للإنفاق العسكري، إذ دعا مارك روتا، الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، الدول الأوروبية إلى إعادة النظر في توزيع مواردها المالية وإعطاء الأولوية للإنفاق العسكري على حساب برامج الرفاه الاجتماعي، في حين جاءت هذه الدعوة في ظل تصاعد التوترات العالمية وتزايد المخاوف من التهديدات الأمنية المحدقة بالقارة العجوز. وكشفت صحيفة بوليتيكو عن رؤية جديدة طرحها روتا للتعامل مع التحديات الأمنية المتزايدة، إذ أوضح الأمين العام للناتو أن الدول الأوروبية تخصص حالياً ما يقارب ربع دخلها القومي لتمويل أنظمة المعاشات التقاعدية والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، مشيراً إلى أن تحويل جزء بسيط من هذه المخصصات نحو القطاع العسكري من شأنه أن يحدث تحولاً جذرياً في القدرات الدفاعية الأوروبية. وأضاف روتا أن هذا التوجه لا يعني التخلي عن برامج الرعاية الاجتماعية، بل إعادة توزيع الموارد بشكل أكثر توازناً يستجيب للتحديات الأمنية المعاصرة. اقرأ أيضًا: أمين عام «الناتو» يدعو الحلفاء للتحول إلى «عقلية الحرب» وزيادة الإنفاق الدفاعي معركة الأرقام والتحديات المستقبلية وفي تفاصيل أكثر عمقاً نقلتها بوليتيكو، تبرز صورة مقلقة للوضع الراهن حيث تمكنت 24 دولة فقط من أصل 32 في الحلف من الوصول إلى هدف الإنفاق العسكري المحدد بنسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي تطور أخر، كشف التقرير عن مطالبة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب برفع هذه النسبة إلى 5%، وهو رقم يتجاوز حتى الإنفاق العسكري الأمريكي الحالي البالغ 3.38%. وفي هذا السياق، أشار روتا إلى أن الهدف النهائي للإنفاق العسكري في الناتو قد يستقر عند نسبة 3.6 أو 3.7% من الناتج المحلي الإجمالي، مشترطاً تحسين كفاءة الإنفاق من خلال عمليات الشراء المشترك للأسلحة والمعدات وتعزيز الابتكار في المجال العسكري. تحديات العلاقات عبر الأطلسي والمستقبل الأمني لأوروبا في جانب آخر من النقاش، تناول روتا بصراحة غير معهودة التحديات التي تواجه العلاقات عبر الأطلسية، إذ انه بالرغم من المخاوف المتصاعدة من تصريحات ترامب المثيرة للجدل، خاصة تلك المتعلقة باستقلال كندا وتهديداته بشأن قناة بنما وجرينلاند، أكد الأمين العام للناتو أن أوروبا لا تزال مرتبطة بشكل وثيق بالولايات المتحدة في مجال الأمن والدفاع. وشدد على أن فكرة استقلال أوروبا دفاعياً تظل "وهماً" في ظل التحديات الأمنية الراهنة والمستقبلية. وفي هذا الإطار، سلط روتا الضوء على برنامج الصناعات الدفاعية الأوروبية البالغة قيمته 1.5 مليار يورو، معتبراً إياه خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه انتقد الوضع الحالي للقطاع واصفاً إياه بأنه "صغير جداً ومجزأ وبطيء". مستقبل الأمن الأوروبي وتحديات المرحلة المقبلة وفي الختام نقلت بوليتيكو تحذيراً صارماً أطلقه روتا مخاطباً الأوروبيين، حيث قال إنه في حال عدم زيادة الإنفاق العسكري، فعليهم إما "البدء في تعلم اللغة الروسية أو الذهاب إلى نيوزيلندا". وأوضح أن أوروبا قد تكون آمنة في الوقت الحالي، لكن هذا الأمن قد لا يستمر لأكثر من أربع أو خمس سنوات قادمة. وأكد روتا، مستفيداً من خبرته الطويلة كرئيس وزراء هولندي سابق، على ضرورة تعزيز التعاون بين الناتو والاتحاد الأوروبي لمواجهة التحديات المتعددة، بدءاً من التهديدات الروسية وصولاً إلى الهجمات السيبرانية وقضايا الانتشار النووي. وشدد على أن تحقيق السلام في أوكرانيا يتطلب المزيد من الدعم العسكري لكييف لتمكينها من التفاوض من موقع قوة. وتخلص المصادر المطلعة للصحيفة إلى أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل الأمن الأوروبي والعلاقات عبر الأطلسي، خاصة في ظل التحديات غير المسبوقة التي تواجه القارة العجوز، سواء من جهة التهديدات الروسية أو المخاوف من تراجع الالتزام الأمريكي بالدفاع عن أوروبا.