المدرس والمدرسة هما بيت العلم وإذا كنا ننتوى إصلاح التعليم بحق فعلينا أن نختار أساتذة بحببون أبناءنا فى العلم ولا يكونون أداة لكره التعليم. «تطربنى وتشجينى» مقولة «آثار مصر لم تبح بكل أسرارها بعد» ولازالت تحتفظ بالكثير، فى باطن أرضها، وما تم اكتشافه من آثار لا يمثل إلا جزءًا صغيرًا جدًا مما تحتويه الأرض الطيبة من كنوز أثرية يندر وجودها فى أى مكان آخر فى العالم ، إلا فى مصر الضاربة فى عمق التاريخ منذ آلاف السنين. على مدى أيام كنت أتشوق وأنتظر محتوى الكشف الأثرى الذى أعلن عنه فى معبد الملكة حتشبسوت بالدير البحرى، ومعرفة تفاصيله لأنه أول كشف جديد بالصعيد بعد اكتشاف توت عنخ آمون فى عشرينيات القرن الماضى، وإشراف العالم الكبير زاهى حواس، الكشف الجديد اتضح أنه أساسات معبد الوادى، والذى أكدت البعثة المصرية أنه من أندر الاكتشافات لما يحتويه - كما كشفت البعثة - من نماذج للنحت فى عصر حتشبسوت وتحتمس الثالث، والجميل أن البعثة أكدت أنه لا يوجد لها مثيل لا فى المتاحف المصرية ولا العالمية، الكشف شمل 100 لوحة من الحجر الجيرى مسجل عليها أسماء حتشبسوت منذ الميلاد وحتى تربعت على عرش مصر كملكة وتسجيل العديد من مواقفها. شيء يفتخر به كل مصرى يعرف قيمة آثارها التى تحكى تاريخ مصر القديمة والذى ترويه الآثار مع كل اكتشاف. دائمًا ما يجرى الحديث بينى وبين زميلى وصديقى إيهاب الحضرى مدير تحرير الأخبار - تمامًا كما كان مع أستاذى الراحل الأديب الكبير جمال الغيطانى - عن الأسرار والاكتشافات وخبايا التاريخ القديم، لاهتمامه بذلك، وكم ضمن مجموعة من كتبه موضوعات عن التاريخ القديم لأنه باحث جيد وعلى مقربة من رجال الآثار، حديثى معه فى كل مرة يحتوى على سؤال ملح فشلت فى العثور له على إجابة رغم قراءاتى العديدة فى الآثار، منذ العصور القديمة الأولى وخوفو وخفرع ومنقرع وأبو الهول وبناء الأهرامات، السؤال هو عن الفترة التى أعقبت الدولة القديمة، منذ الأسرة السابعة حتى بداية الدولة الوسطى، وهى الفترة التى شهدت عصورا لأسر متقطعة غابت عن التاريخ، وتكرر الأمر بعد نهاية الدولة الوسطى، وحتى بدء الدولة الحديثة. أين اختفى تاريخ تلك الفترة؟ وماذا عنها؟ وهى فترة يطلق عليها فترة الاضمحلال، هى فترة ليست بالقليلة أو الصغيرة ولكن أين أسرارها؟ إيهاب أكد لى أن المعلومات عن تلك الفترة قليلة ونادرة ولكن هناك من يبحث وينقب وهو منهم بين صفحات التاريخ للوصول للحقيقة. إيهاب أكد لى أن كتابه القادم سيكون عن تلك الفترة وأنا فى انتظاره. السادات حافظ الجميل أعشق الأفلام الوثائقية لا تكذب ولا تتجمل، تحكى التاريخ بلا تزييف، ومنذ أيام تابعت على إحدى الفضائيات فيلمًا نادرًا للرئيس الأمريكى الأسبق نيكسون يتحدث فيه عن الرئيس الراحل أنور السادات، وجرأته وإنسانيته، وشجاعته التى لم ير مثلها من قبل، والحكاية تعود لعام 1979عندما جاء نيكسون للقاهرة للمشاركة فى جنازة شاه إيران رضا بهلوى بعد ثورة الخميني، خرج الشاة من إيران مطرودًا وهو الذى كان ينحنى له الجميع ويطلبون وده، ورفضت دول العالم قبول استضافته هو وزوجته الشهبانو فرح بهلوى وأسرته، ليعلن الرئيس السادات بكل الشجاعة أن مصر ستفتح له ذراعيها، وبالفعل وصل ورحب به الرئيس السادات الذى أعلن بكل الوضوح أن مصر وشعبها لا تنكر ولا تنسى من وقف بجانبها خاصة فى شدتها، فقد أمر الشاه فى أوج حرب أكتوبر بتحويل سفن تحمل الوقود كانت فى طريقها لأوروبا بالتوجه لمصر وكانت فى حاجة للوقود لسد احتياجات الجيش الذى كادت تنفد مخازنه من الوقود. نيكسون قدم للتعزية فى استشهاد السادات وفى حديثه قال إن تلك المرة لم تكن كالأولى التى حضر فيها لمصر للمشاركة فى جنازة ولكن سبقتها المشاركة فى جنازة شاه إيران، واصفًا الرئيس السادات بأنه من أشجع الزعماء، وأذكاهم، وصفه بالجرأة والإنسانية وقال إن الرئيس السادات كان يحفظ الجميل للشاه على موقفه الداعم لمصر وجيشها ولذلك استقبله، ولما مات مشى فى جنازته من قصر عابدين لمسجد الرفاعى حيث دفن، جرأة السادات تمثلت فى زيارته التاريخية للقدس، ثم خوض مباحثات وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد التى فرضت السلام.. وأشار نيكسون إلى أن الرئيس السادات كان يقدر أصدقاءه ومنهم كارتر الذى وصفه بالصديق الحميم. كركشندى لأحمد عدوية ذلك الفنان الذى فقدناه منذ فترة قصيرة، أغنية شهيرة، اكتسبت شهرتها وحققت أعلى توزيع لمطرب لم يحققه غيره لغرابة كلماتها، التى لا تعرف كيف تم تركيبها على بعضها، كان ذلك فى نهاية السبعينيات من القرن الماضى، الأغنية لها معى قصة، وأستاذنا الراحل نبيل عصمت الناقد الفنى ومحرر باب أخبار الناس أشهر أبواب الجريدة، كنا فى مكتبه أنا وأستاذنا الراحل فاروق الشاذلى. كبير المحررين العسكريين، وأخرج نبيل من حقيبته شريط كاسيت ووضعه فى التسجيل وهو يردد اسمعوا الأغنية دى «كويس» وياريت تفهموا كلماتها، الأغنية دى حتضرب السوق كله، وجاء الصوت لأحمد عدوية وكان فى ذلك الوقت قد اكتسب شهرة كبيرة بسبب أغنياته الغريبة، الكلمات فعلًا لا تفهمها إلا إذا استمعت إليها مرة واثنتين وثلاثًا،وطلب أستاذ نبيل منى كتابتها على ورقة لاستيضاح ما يقول، وكلما كتبت كلمة أطلب إعادتها للاستماع لها جيدًا وكانت تقول: كركشندى دبح كبشه، محلا مرقة لحم كبشه، عكشه، فركش، نكشه، طنش، وسبع سلاطين استصلطناهم من عند المستصلطتين، تقدر ما مسلطن يا مستصلطن، تستصلطن لنا سبع سلاطين زى ما استصلتناهم من عند المستصلطين، وسبع لحاليح استلحلحناهم، من عند المستلحلحين، إلى آخر الأغنية وللأمانة وجدت صعوبة فى الكتابة، وبعد الانتهاء تمت إعادة التشغيل والكلمات فى أيدينا وكان اللحن لا يقل عن الكلمات فى الغرابة، كان جديدًا وجرأة من كاتب الكلمات أو الملحن وعدوية نفسه أن تخرج تلك الأغنية للنور، وأخذنا فى ترديد الأغنية مع صوت عدوية والأستاذ نبيل يقول حتكون أغنية الموسم، عدوية ده ابن محظوظة وللأمانة أداها بإحساس صادق كبير يجبرك على الاستماع لها وترديدها، عدوية كان ابن عصره وكان مجتهدًا ويكفى أن الموسيقار الكبير عبد الوهاب قال عنه صوته جميل، وقال عنه أديب نوبل نجيب محفوظ صوت من الشعب.. رحم الله عدوية حفر لنفسه مكانًا فى قلوب العشاق وللأمانة بلا إسفاف. المدرس أساس التعليم رغم بلوغى السبعين إلا أننى لازلت أدرب نفسى على اتقان اللغة العربية لغة القرآن، فاعترف أننى كنت لا أحب حصة العربى وأنا فى الإعدادى، ولا حصة الفرنساوى فى المرحلة الثانوية، لم أكن «بليدًا» لا سمح الله ولكن كرهنى أساتذة المدرسة فى المادتين وكنت أنجح يدوب بنمر النجاح مع تفوقى فى باقى المواد. والحقيقة أنا استسلم «لقفشات ومسكات» عمنا وزميل العمر محمد درويش مدير تحرير الأخبار والمشرف باجتهاد ودأب على صفحات الرأى - هو عمل صعب جدًا ويجب أن تكون خلاله وهذا هو عمنا درويش عينك فى نص وشك - أنا أكتب مقالًا أسبوعيًا، بجانب اليوميات فى الأسبوع الثالث من الشهور الفردية، والقفشات تتعلق ببساطة بالهمزة أو التاء المربوطة أو المفتوحة، ودرويش يملك ملكة ضبط الكلمات والنحو وأتعلم منه كما كنت على مدى عمرى فى الأخبار ل 50 عامًا أتعلم مفردات اللغة من الأساطين الذين كانت تزخر بهم أخبار اليوم أمثال أستاذنا الراحل محمد فهمى عبد اللطيف أو الراحل عبد المنعم قنديل أو المرحوم عبد الفضيل سرحان وكانوا أساتذة لا يبخلون بالنصيحة. كرهنى أستاذ اللغة العربية فى اللغة لأنه ببساطة كان لا يملك ناصيتها وكان كثير الخطأ فى القراءة وفى النحو، كان غالبًا ما يسأل أستاذًا آخر، وكرهت الفرنساوى بسبب نطق المدرس للكلمات بطريقة غير مفهومة ونجحت بالعافية فى أولى وثانية ثانوى ببركة الوالدين، وعندما كنت فى الثانوية أضطررت لدرس فرنسى عند أستاذ متمكن بالمعادى كان مشهورًا جدًا واسمه لايزال عالقًا بعقلى «شاكر يونس» حببنى فى اللغة وأتقنتها وحصلت فى الثانوية على 38 من 40 درجة وأفادنى ذلك فى دراسة مواد بالفرنسية فى كلية الحقوق التى تخرجت منها متفوقًا.. المدرس والمدرسة هما بيت العلم وإذا كنا ننتوى إصلاح التعليم بحق فعلينا أن نختار أساتذة بحببون أبناءنا فى العلم ولا يكونون أداة لكره التعليم.