في لحظة تاريخية، يقف الرئيس المنتخب «دونالد ترامب» على أعتاب محاكمة قد تغير مجرى السياسة الأمريكية، ففى 10 يناير 2025، سيواجه ترامب حكمًا فى قضية تتعلق بالمدفوعات، التي دفعها إلى الممثلة الإباحية «ستورمي دانيلز»، هذه القضية، المعروفة ب«مال السكوت»، تحمل فى طياتها تداعيات كبيرة تتجاوز حدود حياته الشخصية، لتصل إلى قلب النظام السياسى الأمريكي. كانت الأشهر السابقة مليئة بالتوترات القانونية؛ في مايو 2024، تمت إدانة ترامب بتهم جنائية تتعلق بتزوير سجلات تجارية مرتبطة بدفع مبلغ 130 ألف دولار لدانيلز خلال الحملة الانتخابية لعام 2016، وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي». كان القاضى «خوان ميرشان» الذى ترأس المحاكمة قد أشار فى وقت سابق إلى أنه لا يعتزم فرض حكم بالسجن، مفضلاً إصدار حكم بالبراءة المشروطة، هذا الحكم سيمنح ترامب فرصة لتجنب السجن، ولكن مع تحمل تبعات أفعاله أمام القضاء. ■ ترامب في قاعة المحكمة ◄ أول رئيس ورفض القاضى فى حكمه حجج محامى ترامب بأن القضية يجب رفضها بسبب حكم المحكمة العليا الأمريكية فى الصيف الماضى الذى قال إن الرؤساء يتمتعون بحصانة افتراضية من الملاحقة الجنائية عن الأفعال الرسمية أثناء خدمتهم في البيت الأبيض، وبسبب بند السيادة فى الدستور، وبهذا يصبح ترامب أول رئيس سابق يُدان بجرائم فى مايو الماضى، عندما وجدت هيئة محلفين بالإجماع أنه مذنب فى القضية، وفقًا لموقع قناة CBS الإخبارية الأمريكية، وتم تأجيل الحكم فى القضية لعدة أشهر بينما كان ترامب يواصل حملته للعودة إلى الرئاسة. وفى نوفمبر، أصبح أول شخص يتم انتخابه إلى البيت الأبيض بعد إدانته بجريمة، قرار ميرشان، هو آخر حلقة فى سلسلة من السوابق التاريخية التى وضعتها القضية، وقد خضع لمحاكمة استمرت 7 أسابيع في مارس الماضي، والتي جرت أثناء الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري. ترامب، حاول استخدام فوزه في الانتخابات الرئاسية لإسقاط القضية ضده، وقد نشر الرئيس المنتخب على وسائل التواصل الاجتماعى مهاجمًا أمر القاضى ووصفه بأنه «هجوم سياسى غير شرعى»، واصفًا القضية بأنها «مجرد مهزلة مزورة، بحسب ما ذكرته قناة CNBC الأمريكية. فيما وصف المتحدث باسم ترامب، «ستيفن تشيونج»، الأمر في وقت سابق بأنه جزء من «حملة ملاحقة»، وقال تشيونج إنه يجب السماح للرئيس ترامب بالاستمرار فى عملية الانتقال الرئاسى وتنفيذ واجبات الرئاسة الحيوية، دون عوائق من بقايا هذه القضية أو أى بقايا من حملات الملاحقة. هذه اللحظة كانت غير مسبوقة في التاريخ الأمريكي؛ فحتى الآن، لم يواجه أى رئيس منتخب أو رئيس حالى اتهامات جنائية أثناء توليه منصبه. ◄ اقرأ أيضًا | البيت الأبيض: بايدن يوجه «خطاب وداع» إلى الأمة الأربعاء القادم ◄ نزاهة القضاء القضية، فى جوهرها، تتجاوز المشكلة الشخصية لترامب، وتفتح بابًا للنقاش حول نزاهة النظام القضائي الأمريكي ومدى قدرة المؤسسات على محاسبة الشخصيات السياسية البارزة. مع اقتراب موعد الحكم، بدأت الساحة السياسية الأمريكية تتشكل بشكل جديد، ترامب، الذي طالما صور نفسه كضحية للاضطهاد السياسى، كان يعلم أن المحاكمة ستؤثر بشكل كبير على مستقبله السياسى، إذا حصل على حكم مخفف، فإن هذا قد يعزز من مكانته فى أعين مؤيديه، الذين يرون فى محاكمته محاولة لإسقاطه سياسيًا، قد تزداد ثقة قاعدته الشعبية فيه، ويستمرون فى الدفاع عنه بشراسة، وعلى العكس، يجادل المعارضون بأن هذه الوضعية تمثل الحاجة للمسائلة والشفافية فى الحكومة. أما الرأى العام، فقد كان وما يزال منقسمًا بشكل حاد فى الشوارع، وفى وسائل الإعلام، وفى الاستطلاعات، كان هناك من يدافع عن ترامب بشراسة، معتبرًا أنه ضحية لمؤامرة سياسية، وفى الجهة المقابلة، كان هناك من بدأ يشعر بخيبة أمل، مع تزايد الجدل حول سلوك ترامب ومواقفه المثيرة للجدل، بالنسبة للكثيرين، كانت المحاكمة بمثابة اختبار حقيقى لمدى قدرة ترامب على الاستمرار كقائد سياسى. القصة، لا تتوقف عند هذا الحد؛ فمحاكمة ترامب ليست مجرد معركة قانونية تخص شخصًا واحدًا؛ بل هى اختبار لنظام ديمقراطى بأسره، فهل يمكن للنظام القضائى أن يحاسب أقوى الشخصيات فى البلاد دون أن يتأثر بالضغوط السياسية؟ وهل يمكن لمؤسسات الدولة أن تبقى صامدة أمام المحاولات السياسية لتوجيه المسارات لصالح القوى الكبرى؟ القضية قد أدت بالفعل إلى تصعيد الانقسامات داخل المجتمع الأمريكى. يثير الوضع الفريد لترامب كونه مدانًا بجرائم وفائزًا بمنصب الرئيس المنتخب تساؤلات حول نزاهة الديمقراطية الأمريكية. ◄ رد فعل الجمهور من المحتمل، أن يشكل رد فعل الجمهور تجاه هذه الوضعية النقاشات المستقبلية بشأن قوانين تمويل الحملات الانتخابية، وحصانة الرئيس، والمعايير الأخلاقية للمسئولين العموميين، بحسب ما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست». وبينما ينتظر الأمريكيون حكم المحكمة فى 10 يناير، فإن أنظارهم لن تقتصر على ترامب وحده، بل ستكون موجهة إلى النظام بأسره، وكيف سيواجه هذا الاختبار الكبير، فالقضية تجاوزت ترامب، وأصبحت قضية ديمقراطية، تتعلق بقدرة البلاد على الحفاظ على سيادة القانون فى مواجهة الضغوط السياسية. في النهاية، تأتي محاكمة ترامب لتكون لحظة فاصلة فى تاريخ السياسة الأمريكية، إنها ليست مجرد محاكمة لشخص، بل اختبار للقيادة والمساءلة في أسمى مستويات السلطة، وكلما اقترب موعد الحكم، أصبحت التوقعات أكبر والرهانات أعلى، ما سيحدث فى تلك الأيام القادمة، لن يكون مجرد فصل فى كتاب ترامب، بل سيكون فصلًا محوريًا فى تاريخ الولاياتالمتحدة الحديث.