حقق الاحتلال الإسرائيلي ما يمكن وصفه بأنه «انتصارات مجانية «في سوريا في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد بعد أن تقدم فى مواقع جديدة إلى درجة الاقتراب من الوصول إلى العاصمة دمشق، في وقت بدا فيه مستعدا لتدمير كافة أسلحة ومعدات الجيش السوري مع الساعات الأولى لوصول إدارة جديدة إلى سدة الحكم هناك، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول أهداف إسرائيل في سوريا بعد أن وجهت ضربة قاصمة لإيران وأذرعها فى المنطقة، وبخاصة حزب الله اللبناني الذى تعرض لأكبر اختراق خلال الأشهر الماضية. ◄ هجمات على اللاذقية ومستودعات الذخيرة بحلب وريف دمشق ◄ عكاشة: تل أبيب تستفيد من سيناريو الفوضى ◄ أنور: الاحتلال يحاول إبعاد الأنظار عن فشله في ملف الأسرى ■ فرصة ذهبية لنيتاهو لالتهام الأراضي السورية وتنفذ قوات الاحتلال منذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي عمليات توغل على طول الشريط الحدودي بين القنيطرة والجولان المحتل، ومؤخرا توغلت قوات الاحتلال في محيط سد المنطرة بريف القنيطرة، وقامت بعمليات تفتيش لمواقع عسكرية كانت تتمركز بها عناصر الجيش السوري، وسط مطالبات من سكان القنيطرة بوقف توغل إسرائيل بمحافظتهم وإخراجها منها. ◄ قصف جوي وقالت صحيفتا «يديعوت أحرونوت» و«معاريف»، نقلا عن تقارير إعلامية سورية، إن الجيش الإسرائيلى قصف من الجو موقع تل الشحم العسكرى فى ريف دمشق الغربى، وأضافت الصحيفتان، أن جنود الجيش الإسرائيلي قاموا إثر ذلك بالسيطرة على سد المنطرة، وهو المورد الرئيسى للمياه بمحافظة القنيطرة، حيث يسهم فى رى المزروعات وتوفير المياه للأنشطة الزراعية بهذه المحافظة، وعقب سقوط الأسد أعلنت إسرائيل انهيار اتفاقية فض الاشتباك مع سوريا 1974، وانتشار جيشها فى المنطقة العازلة منزوعة السلاح بهضبة الجولان السورية التى تحتل معظم مساحتها منذ 1967، فى خطوة نددت بها الأممالمتحدة ودول عربية. واعترف جيش الاحتلال، بأنه وصل إلى عمق يصل إلى 20 كيلومترا في الجولان السورية، وزعم أن الهدف من التواجد لن يؤدى بالضرورة إلى تطهير جميع القرى من الأسلحة، لكنه يبقى التنظيمات المسلحة بعيدا عن الجولان، وبالتالى بعيدا عن إسرائيل، بالرغم من أن تصريحات الإدارة الجديدة جميعها تصب فى صالح عدم الدخول فى أى صراعات مع دولة الاحتلال ووصل الأمر إلى عدم شجب أو إدانة أى عمليات عسكرية تقوم بها قوات الاحتلال داخل الأراضى السورية. ◄ هجمات صاروخية وهذا الأسبوع شن سلاح الجو الإسرائيلي سلسلة من الهجمات الصاروخية على أهداف عسكرية فى منطقة اللاذقية، فى شمال غرب سوريا، وبحسب تقارير إعلامية فإن الهدف من الغارات الجوية كان مستودعات للأسلحة الصاروخية، وأنه تم تنفيذ الهجمات من البحر الأبيض المتوسط، والجمعة الماضية نفذ الاحتلال ضربات على مؤسسات دفاعية ومستودعات ذخيرة فى منطقة السفيرة بالقرب من حلب، وكذلك على مطار خلخال العسكرى فى محافظة السويداء. وتبقى هناك مجموعة من الأهداف لدى الاحتلال الإسرائيلى تدفعه لتكثيف هجماته خلال الشهر الماضي مع توغله عسكريا فى مناطق مختلفة، ويمكن البدء بالأهداف الخفية غير المعلنة التى تتمثل فى ترسيخ تقسيم الدولة السورية إلى دويلات صغيرة لا تشكل خطرا على إسرائيل من جانب، وعلى الناحية الأخرى تمنح مشروعية لإقامة دول على أسس طائفية ومذهبية ودينية أسوة بدولتها اليهودية. ◄ أهداف معلنة وفى المقابل، فإن هناك أهدافا معلنة أو تشكل تسلسلا منطقيا لتطورات الأوضاع فى المنطقة منذ أحداث السابع من أكتوبر فى العام 2023 إذ إن القرار الغربى بتصفية محور إيران وإضعافه لا يتجزأ منه الحالة السورية، وإن كان النظام السورى الذى سقط أخيرا لم يشارك بالدعم المباشر إلى حركات المقاومة التى واجهت إسرائيل منذ بدء حركة حماس عمليتها الخاطفة فى غلاف قطاع غزة، ولديها رغبة فى قطع خطوط الإمداد التى يمكن أن تصل إلى حزب الله اللبنانى الذى يصارع لاستعادة توازنه مرة أخرى إثر الضربات التى تعرض لها. وتسعى إسرائيل لخلق واقع تبدو فيه هى الطرف المهيمن والمسيطر على أى توجهات سورية مستقبلية تجاهها، وأن يكون الأساس هو الاعتراف بدولة إسرائيل وعدم ترك مساحات للحركة أمام تركيا أو إيران فى حال نجحت الأخيرة بإعادة ترتيب أوراقها مرة أخرى، وتدشين تعاون مع أى سلطة مستقبلية قائم على التعاون مع إسرائيل باعتبارها تمسك بتلابيب الأوضاع العسكرية والسياسية داخل البلاد. وقال الدكتور سعيد عكاشة الخبير بالشئون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن إسرائيل لم تغير موقفها من سوريا منذ اندلاع الحرب الأهلية قبل أكثر من عشر سنوات، وهى تقول دائما بأنها لن تتدخل إلا بالقدر الذى يحقق أمنها، وهو ما تقوم الآن بتنفيذه على أرض الواقع مع خشيتها من وقوع الأسلحة الموجودة بيد تنظيمات أو جماعات يمكن أن توجهها ضدها، مشيرا إلى أن اختراقها الحالى بمواقع جغرافية عديدة لا يتماشى مع اتجاهها للحصول على اعتراف دولى بضم الجولان، وتبقى خطواتها الحالية ذات أبعاد استراتيجية تتمثل فى عدم وقوع أسلحة الجيش السورى بيد الجماعات الموالية لإيران أو التنظيمات التابعة لتركيا. أضاف، أن سقوط نظام الأسد جاء بفعل الضربات القوية التى تعرضت لها أذرع إيران فى المنطقة وتحديدا حزب الله، وهناك قناعة إسرائيلية بأنها السبب فى ذلك وليس تركيا، وبالتالى قد يكون هناك صراع خفى بين الطرفين على التواجد والسيطرة، لافتا إلى أن دولة الاحتلال ترى أن نظام الأسد لم يجد الحماية من المحور الإيرانى الذى ضعف، أو من روسيا التى كانت مشتتة بفعل إضعاف محور إيران، وشدد على أن ما يحدث لا ينفصل عن العلاقة التاريخية بين الأكراد والحركة الصهيونية قبل إنشاء الدولة، وأن حصول اليهود على وعد بلفور فى العام 1917، لم يكن ليتحقق دون أن يكون هناك دعم مماثل للأقليات الأخرى حول العالم وفى مقدمتهم الأكراد، وقد تذهب إسرائيل باتجاه تقوية شوكة الأكراد ضد تركيا، وهو ما يعزز من حضور إسرائيل على نحو أكبر فى مستقبل سوريا أكثر من القوى الإقليمية التى تدعى أنها تدير المشهد الآن هناك. وأوضح، أن سوريا كانت الممر الرئيسي لتهريب السلاح إلى لبنان، وبالتالى فإن دولة الاحتلال سوف تعمل بكافة السبل على ألا يحدث ذلك مستقبلا، وسوف تستفيد من سيناريو الفوضى الذى يقود لعدم وجود نظام سياسى فى سوريا، وأن سيناريو التقسيم هو الأكثر منفعة لإسرائيل التى تُمنِّى النفس بأن يكون هناك دويلات صغيرة أحدها للسنة وأخرى للعلويين وثالثة للأكراد، وهو ما يمنح شرعية لوجود دولة يهودية. ◄ الحصيلة الأكبر وخلال 2024 بلغ عدد الضربات الإسرائيلية على سوريا 373 استهدافاً بحسب المرصد السورى لحقوق الإنسان ومقره لندن، منها 347 ضربة جوية بينما وصل عدد الهجمات البرية إلى 26 هجوماً، وهى أكبر حصيلة سنوية منذ بدء التصعيد الإسرائيلى. وتحمل الضربة الإسرائيلية الأخيرة فى حلب 498 من تعداد الغارات الجوية التى نفذتها المقاتلات على الأراضى السورية منذ سقوط نظام الأسد خلال الثامن من ديسمبر 2024. وحسم قائد الإدارة السورية أحمد الشرع موقفه من التصعيد الإسرائيلي الأخير بقوله إن «بلاده منهكة من أعوام الحرب والصراعات، وهذا الوضع لا يسمح بالدخول فى صراعات جديدة .»لكنه وصف ما يحدث «تجاوز لخطوط الاشتباك فى سوريا بصورة واضحة، ويهدد بتصعيد غير مبرر فى المنطقة». ◄ انتصار مجاني وأكد الدكتور أحمد فؤاد أنور، أستاذ العبرى الحديث بجامعة الإسكندرية والباحث فى الشئون الإسرائيلية، أن إسرائيل تحقق انتصارات مجانية فى سوريا، بمعنى أنه لا يوجد أى مقاومة ضدها وهناك فوضى عارمة تعانيها البلاد، وغموض حول موقف الإدارة السياسية، وهو ما جعل لديها رغبة فى تدمير أكبر عدد من الأهداف التى توصف بأنها رخوة وأن الأسلحة التى تدمرها لا يوجد جنود يمكنهم استخدامها ضدها، والخطورة غير قائمة فى تلك الحالة، وهو ما يدل على نهم إسرائيل لضم مزيد من الأراضى رغم أن نظام الرئيس الراحل حافظ الأسد كان قد دخل فى مفاوضات لرد الجولان وتم التراجع عن ذلك مع اندلاع الحرب الأهلية. وأوضح أن أخطر ما تقوم به إسرائيل الآن هو سيطرتها على منطقة جبل الشيخ، وهى منطقة مرتفعة بأكثر من 600 متر من أعلى نقطة كانت تسيطر عليها فى السابق، وهو ما يجعلها تشرف على سيطرة بعمق 100 كيلو متر فى العمق السوري واللبناني أيضا إلى جانب السيطرة على مصادر المياه، وهو ما يشكل مكاسب استراتيجية لدولة الاحتلال، وذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلى يروج للأمر على أنه انتصار كبير، ولكنه فى الواقع لا يحارب أحدا ويتنزه فى سوريا للفت الأنظار عن الفشل الذريع فى إطلاق سراح الأسرى والفشل فى مواجهة المقاومة الفلسطينية التى مازال لديها القدرة على إطلاق صواريخها باتجاه إسرائيل، لافتا إلى أن تمدد إسرائيل فى المقابل بجنوب سوريا وعلى بعد 20 كيلومترا فقط من العاصمة دمشق يعد أمرا خطيرا ما يشير إلى أن خطط وسيناريوهات التفتيت والتقسيم والفوضى خرجت من الأدراج الآن ويجرى تطبيقها على الأرض لاستثمار الفتن الداخلية. وأكد أن إسرائيل لديها خطط توسعية بحجة تحقيق الأمن، وهناك خطورة فى تركها تتمدد دون أى مواجهة، وكلما يزيد الوقت عززت حضورها، ورغم أن ذلك لا يحقق مكاسب على مستوى تأمين دولة الاحتلال لأن الطائرات المسيرة يمكن أن تصل إليها من مناطق تبعد عنها بأكثر من 2000 كيلومتر.