مع بداية العام الجديد 2025، حاول البعض الاستسلام للدجالين والعرافين لتحسس طريقهم في هذا الوافد الجديد، علهم يكونون عونا لهم فى الاهتداء إلى طريق يؤدى إلى بصيص أمل بعد سنوات طويلة من المعاناة التي مرت البشرية من خلالها بشتى أنواع الآلام، سواء بسبب المجاعات أو الأزمات الصحية المتلاحقة، أو النزاعات والحروب التي لا تنتهى من على وجه البسيطة، رغم ما يبذله البشر من جهود لإنشاء آليات ونظم ومراكز للتحذير والوقاية من التجارب التي تؤدي إلى إشعال الحروب بين البشر. ورغم ما أبدعه البشر في اللجوء للمشعوذين والعرافين والأفاكين لتلمس الطريق، ورغم أن كافة التجارب أثبتت لهم أن هذه الوسيلة لا قيمة لها ولا تعدو أن تكون سوى نوع من المخدر، الذى لا فائدة من ورائه سوى المزيد من تدهور الأوضاع، إلا أنهم لم يحاولوا التركيز أكثر على الأمور الواقعية، وإعمال العقل لوضع حد حقيقي لآلام البشرية، خاصة أنهم بمراكزهم ومعاهدهم ومؤسساتهم، التى تتكلف المليارات والتريليونات على دراية كافية بالأسباب الحقيقية للمشاكل والتحديات التى تواجه العالم أجمع، بل أستطيع أن أجزم أن لديهم الروشتات الناجعة للخروج من هذه المشاكل. ◄ المشكلة الحقيقية وهنا بالتحديد تكمن المشكلة الحقيقية حيث إن هذه المراكز يبدو أن الهدف منها ليس هو حل مشاكل البشرية، وإنما حل مشاكل فئة معينة لها مصالحها فى استمرار المشاكل، وهذه الفئة تعيش وتقتات على معاناة وآلام البشر، والأسوأ من ذلك هو أننا جميعا ندرك ذلك، ولكننا أيضا وجميعا نفتعل الجهل بالحقيقة، ونفضل على ذلك مواصلة الاستسلام للوهم والانسياق وراء من يسعون للإضرار بنا وبأبنائنا. عموما، ورغم كل شيء فربما أن 2024 أبى أن يرحل دون أن يظهر لنا نفقين لا ثالث لهما لحركة البشرية فى العام الجديد، النفق الأول به بصيص من أمل فى إمكانية نهاية السبب الذى يدعون أنه أساس كافة المشاكل في العالم، وهو الحرب فى أوكرانيا، أما النفق الثاني فهو ينطوى على مواصلة المسير على طريق الأشواك وينذر بالمزيد من النزاعات والحروب لذات الأسباب، وهى مصلحة الكبار على حساب، لا أقول الصغار، وإنما على حساب الجميع بل وبعلمهم. ◄ النفق المظلم دعونا نتحدث أولًا عن النفق الثانى، وهو النفق المظلم، الذى ليس لمعاناة البشر نهاية فيه، فقد خرجت علينا بعض مراكز الدراسات ووسائل الإعلام المختلفة قبل نهاية العام المنصرم لتطرح بعض توقعاتها بشأن التطورات الممكنة على الساحة الدولية، وبإمعان النظر فيها فسنجدها مجموعة من السيناريوهات الافتراضية التى لا يحل بعضها محل البعض الآخر، ولكنها تمثل حلقات فى سلسلة واحدة أى أنها جميعا قد تحدث بترتيب مختلف. الغريب، أن البعض اعتبر أن ما حدث فى سوريا كان مفاجئا، رغم أنه كانت هناك الكثير من المقدمات التى توحى بضرورة السقوط فى بداية الأحداث فى سوريا فى العقد الثانى من الألفية، وكل ما حدث هو تأجيل السقوط للمزيد من استنزاف المنطقة وتبرير المزيد من التواجد الأجنبى بها، والأكثر من ذلك هو التوغل والتوغل وسط المجتمعات وإحداث الشروخ اللازمة من أجل تحقيق السيناريوهات المختلفة فى المستقبل، والواضح هو أن هذا الهدف تحقق ولم يعد هناك أى لزوم لاستمرار نظام بشار الأسد، وهنا سنواجه بفصل جديد من الكوميديا، ذلك أن نظام عائلة الأسد الإجرامى في سوريا كان وليد الغرب والاستعمار، وأذاق الشعب السورى ما لم يذقه على أيدى أى محتل أو مغتصب من قبل، ومع ذلك فسقوطه كان أيضا على أيدى الاستعمار السابق، وليأتى بنظام جديد ربما يتوقع البعض ألا يقل إجراما عن النظام البعثى، ومع ذلك فقد تعالت الأصوات التى تندد وتدين وتتوقع الآثام والجرائم من جانب النظام الجديد، ولم نعهد على ذات الأبواق والأقلام توجيه أى انتقاد من قبل بنظام الأسد وتسليط الضوء على جرائمه والمطالبة بضرورة تنحيته بل وممارسة الضغط عليه، بحيث يصبح هذا التنحى فى باكورة الأحداث، وفى إطار عملية منظمة تحفظ لسوريا هويتها وكرامة شعبها. غالبية اللاعبين سواء الإقليميين أو من خارج الإقليم كانوا يشجعون هذا النظام سواء بشكل عملى أو بمجرد الصمت على البقاء ومواصلة جرائمه، رغم أن الكثير من العارفين بالأمور يدركون جيدا أن الأسد لم يكن لديه أى مانع فى التنحى فى بداية الأحداث. ◄ السقوط السوري لم يكن السقوط السورى مفاجأة بل مجرد حلقة فى سلسلة ستطول وفقا لآراء بعض مراكز الدراسات، دولة أخرى فى المنطقة، ومن جانبى أستطيع أن أزيدك من الشعر بيتا، فإذا كان هذا هو المخطط التالى، فيجب أن نتتبع آثار المخططات السابقة، وسنجد أنها جميعا كانت تقع فى أماكن لها القدرة على دفع الفاتورة، فالمخططات الغربية لا يجرى تمويلها من أموال دافعى الضرائب، وإنما من أموال ومقدرات الشعوب الكسيحة، التى جرى إنهاكها على أيدى أنظمتها، بحيث لم تعد قادرة على الدفاع عن نفسها أو أنها ستفضل المغتصب على الأنظمة الحاكمة الفاشية. وهذا السيناريو لا يمكن إسقاطه من الحسبان إذا ما ربطناه مع مخططات أخرى متوقعة، وقد يقع البعض منها قريبا، حيث يرى بعض المحللين أن ما يجرى فى أوكرانيا هو الآخر ليس سوى حلقة من سلسلة طويلة ستشمل أوروبا بأكملها، والحلقة القادمة المتوقعة قد تكون فى شهر يناير الجارى، حيث يحذر البعض من احتمال القيام باستفزازات فى بيلاروسيا عشية الانتخابات الرئاسية فى نهاية الشهر الجارى، وهذه الاستفزازات قد تغرى بيلاروسيا للقيام بعملية ضد دولة مجاورة، وقد تكون بولندا، التى هى عضو فى حلف الناتو، فيهب الحلف لمساندتها، وبالتالى لن تقف روسيا مكتوفة الأيدى، حيث قد يورطها ذلك فى جبهة ثانية لا تقل خطورة عن الجبهة الأولى، وروسيا دولة قوية ويمكنها بمفردها أن تقف فى مواجهة أوروبا بأكملها، ولكن أوروبا مع الولاياتالمتحدة أمر آخر. ◄ معارك أخرى وإذا ما تحقق هذا السيناريو فستكون له أذناب إضافية تتمثل فى الإيحاء إلى جورجيا بأنها فرصتها الذهبية لمحاولة استعادة أبخازيا وأوسيتيا، وربما تتسع الأذناب لتشمل مولدوفا لاستعادة بريدنيستروف تحت سيطرتها الكاملة والعمل على طرد قوات حفظ السلام الروسية منها، والأذناب هنا لا تنتهى حيث إن أوروبا فى واقع الأمر قلما ستجد بها دولة ليس لها أغراض أو مطامع فى الدول المحيطة بها، والقائمة هنا طويلة جدا وإذا سقطت حلقة واحدة من العقد فسينفرط العقد كله. وهذا المخطط، يقوم على أساس توريط أوروبا فى مشكلة طويلة الأجل نسبيا وبالتالى ستضخ الكثير من الأموال للخروج من هذه المشكلة، بل وستظل خاضعة لفترة طويلة فى المستقبل لمظلة الأمن الأمريكية، وهذا المخطط سيضمن للولايات المتحدة التى تواجه الكثير من المشاكل المالية والاقتصادية مصادر جديدة ودائمة للثروة. الحلقة، أو لنقل الحلقات الأخرى فى ذات السلسلة تشمل إفريقيا التى بدأت تفيق من غفوتها، وبطبيعة الحال قبل الدول العربية وبكثير، حيث قررت الدول الإفريقية التخلص من النفوذ والاستعمار الغربى الجديد والاحتفاظ لنفسها بثرواتها، وبطبيعة الحال لن يتخلى الغرب المستبد والمستغل عن أهم مصادر رفاهيته وهى الثروات الإفريقية التى يحصل عليها بثمن زهيد ربما يصل ل«صفر»، وبالتالى ومثلما يتصرف مع الدول العربية والشرق أوسطية فسيعمد إلى إشعال بؤر صراع جديدة فى إفريقيا، وسيُغذى منابع الإرهاب والتطرف بها، إلا أن الدول الإفريقية، وكما أشرت رُبما تتعلم من الأخطاء بسرعة، لذلك فهى ستعمل على مواجهة هذه التحديات بشكل مجمع وموحد وستوحد صفوفها لتفرض كلمتها القاطعة فى هذا التحدى، خاصة أن الدول الإفريقية عندما شاركت فى الحديث عن النظام العالمى الجديد، لم تقف موقف المتفرج لحين خروج هذا النظام والسير فى ركابه، وإنما فضلت المشاركة الفاعلة والإيجابية فى تشكيله، وأتوقع أن يكون لها موقع بارز فى النظام الجديد. هذا هو السيناريو المتشائم أو بالأحرى السيناريوهات المتشائمة، التى بطبيعة الحال وبالنظر المتعمق فى التاريخ سيتضح لنا أنها لا تتحقق إلا من خلال وجود عملاء وانتهازيين وطامعين يسيطرون على المشهد فى دولهم، الذين يسعى الغرب لتمهيد التربة لهم من خلال عمل دؤوب ومتصل لكسر كافة القيم الدينية والأخلاقية فى الدول، التى يستهدفها، وبعدها تصبح الدول والشعوب لقمة سائغة لهم بعد التخلص من القوى الوطنية وفقدان الشعوب بوصلة الحركة الصحيحة. ◄ بصيص الأمل كما يمكن أن نرصد نفقا آخرا به بصيص من أمل، فمن يتابع الصحافة الروسية مؤخرا سيُلاحظ ظهور بعض كتابات لشخصيات يمكن تصنيفهم على أنهم خبراء ومحللون مقربون من السلطة أو بالأحرى كما نرى فى الكثير من الدول مجرد مصادر تنقل ما تريد السلطة بثه من رسائل عن طريقهم، فقد نشرت صحيفة «نيزافيسمايا» الروسية مؤخرا مقالا حول الوضع السكانى المذرى فى أوكرانيا، وحذرت فيه من أن أوكرانيا باستمرار النزاع، الذى لا طائل من ورائه، قد تتحول لدولة بدون سكان، وخلال المقال، نقلت الصحيفة عددا من الخبراء الذين تحدثوا عن ضرورة التسوية، وأكدوا أن التسوية التى تريدها روسيا ليست مجرد تجميد النزاع وتأجيله للمُستقبل، وإنما تسوية نهائية تحقق السلام الدائم والراسخ، حيث أكد الخبراء أن روسيا ربما لن ترفض مبادلة الأرض مقابل السلام، وهو الأمر الذى يفتح المجال أمام الأمل فى إمكانية إنهاء الحرب، وقطع الطريق أمام ظهور بؤر صراع جديدة فى أوروبا، خاصة أن روسيا ذاتها تدرك حقيقة التحديات والمخططات، وتظل تحذر الدول الأوروبية من هذه المخططات التى تستهدفهم قبل روسيا ذاتها. والكلام كان على لسان، ألكسى بوزنياك كبير الباحثين فى معهد السكان والدراسات الاجتماعية فى روسيا والعضو السابق فى مجموعة الخبراء الروس الذين شاركوا فى مفاوضات مينسك للتسوية فى أوكرانيا فى 2015، حيث تحدث عن إمكانية تنازل روسيا على ليس أقل من 50% من الأراضى، التى آلت إليها نتيجة الحرب فى أوكرانيا، وذلك مقابل تسوية شاملة ودائمة تحقق السلام الحقيقى وتراعى اعتبارات الأمن الروسية. الحقيقة، من السهل جدا مواجهة دعاوى الشر والدمار فى العالم، وذلك من خلال اليقظة وتوحيد الجهود، وقبل كل شيء تعزيز الجبهات الداخلية من خلال التخلص من الظلم والاضطهاد ونشر العدالة والإنصاف الحقيقيين، وربما تكون مصائر العديد بل الكثير من الأنظمة المستبدة درسا يستفاد منه، حيث مهما طال أمد الاستبداد فسينتهى ومعه رموزه، ولكن المهم ألا يستبدل الاستبداد بنوع آخر وقناع جديد له.