تعدُّ متاحف التاريخ الطبيعى أحد أهمِّ المؤسسات العلمية التى تضمُّ عينات تاريخية وأخرى حديثة، ممثلة للتنوع الإحيائى فى الأنظمة البيئية المختلفة، وتتمثل هذه العينات فى المجموعات المتنوعة من الكائنات الحية من حيوانات ونباتات وفطريات وحفريات، بالإضافة إلى المكونات البيئية غير الحية من صخور ومعادن، علاوة على نماذج تتعلق بالفضاء وعلوم المناخ. وتضمُّ غالبية هذه المتاحف معارض موجهة إلى الجمهور، تتميز ببساطتها وجاذبيتها، وتهدف إلى نشر الوعى العلمى والبيئى فى المجتمع. إنَّ الدور العلمى والجوهرى الذى تلعبه هذه النوعية الهامة من المتاحف يتمثل فى محورين أساسيين: أولهما: تزويد الأوساط العلمية والأكاديمية بالعينات اللازمة لبحوثهم العلمية، التى تعدُّ بنوكًا للمعلومات الجينية (الوراثية) والبيئية والتصنيفية للكائنات الحية، كما تضيف بيانات هامة لسجلات التوزيع الجغرافى لتلك الأنواع. ثانيهما: أنها تمثل أقوى أنواع التوثيق العلمى للأنواع المختلفة، خاصة تلك التى عانت مصير الانقراض. ولعلَّ طائر الدودو المنقرض Raphus cucullatus، الذى استوطن جزيرة موريشيوس (شرق جزيرة مدغشقر فى المحيط الهندي)، خير مثال على ذلك. من هذا المنطلق، كان إنشاء متاحف التاريخ الطبيعى أحد أهم أولويات الدول المتقدمة لتحقيق نهضة علمية وثقافية. واستنادًا إلى هذا، فقد بلغ عدد متاحف التاريخ الطبيعى فى ألمانيا 47 متحفًا، وفى المملكة المتحدة (بريطانيا) 36، وفى إيطاليا 32، وفى فرنسا 25، وفى النمسا 18، وفى هولندا 16، وفى المجر 14، وفى سويسرا 11، وفى الدنمارك 11. أما الولاياتالمتحدةالأمريكية، يبلغ العدد الإجمالى لهذه المتاحف أكثر من 700 متحف. أما فى عالمنا العربي، وللأسف، فقد خلت كافة بلدانه من مثل هذه المتاحف بالغة الأهمية، إلى أن لاحت فى الأفق بشائر ميلاد قمر يظهر قريبًا فى سماء أبوظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، وتمثل هذا فى اتخاذ قرار حاسم، ألا وهو إنشاء متحف التاريخ الطبيعى أبوظبي، وذلك على غرار متحف اللوفر أبوظبي. ويعد إنشاء مثل هذا المتحف الذى اكتمل أكثر من 75% من إنشاءاته، قفزة واسعة فى الاتجاه الصحيح، وطفرةً للمنظومة البيئية والبحثية فى دولنا العربية، وليس بيننا وبين افتتاحه سوى أشهر معدودات من عام 2025. ويسلط متحف التاريخ الطبيعى أبوظبى الضوء على الثروات الطبيعية فى دولة الإمارات العربية المتحدة ومنطقة شبه الجزيرة العربية، بما يضمُّ من نماذج حيوانية ونباتية ومستحثات تعطى صورة عن تطور الحياة على كوكب الأرض. وكلنا أمل أن تكرر دولنا العربية هذه التجربة لنرى إنشاء مزيد من متاحف التاريخ الطبيعى فى منطقتنا.