مع انتهاء عام 2024، أصدر مكتب الأممالمتحدة لحقوق الإنسان تقريرًا منتقدًا فيه تدمير جيش الاحتلال الإسرائيلي لمستشفيات غزة، لا سيما بعد الغارات علي مستشفى كمال عدوان بشمال غزة واعتقال مديرها الدكتور حسام أبوصفية، إلا أن الحدث لم يلقي صدى ليس فحسب علي صناع القرار بل علي المستوى الإعلامي دوليًا. وفي تحليل للكاتب هوارد دبليو فرينش بمجلة "فورين بوليسي" يعرض فيه تجاهل الميديا الغربية ليس فقط للتقرير الأممي بل لأي تقارير تتحدث عن الانتهاكات الإسرائيلية حيث أدى الإفتقار إلى التغطية الواسعة لتفاقم مشكلة التحيز. اقرأ أيضًا| ارتفاع حصيلة العدوان على غزة إلى 45717 شهيدا يقول هوارد، مع متابعتي للتغطية الخبرية لم يرد ذكر التقرير غير برنامج "نيوز آور" بقناة ال«بي بي سي»، ولكن علي النقيض عندما لجأت إلى الصحف الأمريكية، نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، ووال ستريت جورنال لم أجد أي ذكر لتقرير الأممالمتحدة، وفق تعبيره. وأضاف، كان الأمر نفسه ينطبق على نشرات الأخبار التي قمت بمسحها، فضلاً عن نشرات الراديو والبث التلفزيوني العام الذي تابعته في وقت لاحق من اليوم. وتابع، "أن تدمير نظام الرعاية الصحية في غزة، وقتل المرضى والموظفين وغيرهم من المدنيين في هذه الهجمات، هو نتيجة مباشرة لتجاهل القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان"، كما جاء في التقرير. ويذكر الكاتب، طوال 15 شهرًا من الحرب، دان العديد من المحللين إدارة بايدن لفشلها في انتقاد الخطط الإسرائيلية التي جلبت الدمار التام على غزة؛ وفقدان صوتها بشأن المأساة الأخلاقية المتمثلة في قتل الآلة العسكرية الإسرائيلية لأكثر من 45 ألف شخص؛ وحتى مع استخدام سلطتها لكتم الانتقادات الموجهة لإسرائيل، كما حدث عندما دفعت منظمة ممولة من الولاياتالمتحدة إلى سحب تقرير عن المجاعة الوشيكة في شمال غزة. لكن ليست الإدارة الأمريكية لوحدها المسئولة، بل لقد قللت وسائل الإعلام الأمريكية أيضًا بشكل سيئ من الطبيعة القاتمة لهذه الأزمة. وقال، لقد كان هذا واضحاً في التغطية الخافتة أو الغائبة تماماً في أوائل ديسمبر، بعد أن اتهمت منظمة العفو الدولية - وهي منظمة لحقوق الإنسان تحظى بأعلى درجات الاحترام عندما تقدم تقارير عن الدول غير الغربية - إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة. وجاء ملخص التقرير، أن إسرائيل "فرضت عمداً ظروفاً معيشية قاسية على الفلسطينيين في غزة بهدف تدميرهم بمرور الوقت". ◄تغطية نادرة ورغم أن وسائل الإعلام الأمريكية لم تتجاهل الحرب في غزة، إلا أنها وفقا ل" هوارد" لم توجه انتقادات جدية لإسرائيل، مدللا على ذلك بالتحقيق الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز في 26 ديسمبر الماضي، الذي أظهر تخفيف إسرائيل قواعدها الخاصة بالحرب، إذ سمحت لضباطها من الرتب المتوسطة، بإسقاط القنابل على أعضاء حماس المشتبه بهم من "المستوى المنخفض"، حتى ولو كانت هذه الضربات تهدد بقتل أفراد أسرهم أو غيرهم من المدنيين القريبين. لكن لكي نجد تغطية أكثر جدية لطبيعة هذه الحرب وتكاليفها، فلابد أن ننظر إلى المنافذ الإعلامية المعنية بالشأن الداخلي الإسرائيلي مثل صحيفة «هآرتس» العبرية. نشرت في تقرير حديث، عن قول ضباط عسكريون إسرائيليون لم يكشفوا عن أسمائهم للصحيفة، إن هدف فرقتهم كان التهجير القسري لنحو 250 ألف فلسطيني متبقين في شمال غزة. وقال الضباط إن قائدهم، العميد يهودا فاتش، أخبرهم: "إن خسارة الأرض فقط هي التي ستعلم الفلسطينيين، الدرس الضروري من المذبحة التي ارتكبتها حماس في جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر". وذكر أحد الضباط أن فاتش قال لهم إنهم "كانوا في حاجة إلى جعل الأمور صعبة على قوافل المساعدات الإنسانية التي دخلت وضايقتها، وأن غزة لا يوجد بها أبرياء". اقرأ أيضًا| باحث علاقات دولية: الاحتلال يُطبق «خطة الجنرالات» فى قطاع غزة ◄إبادة جماعية لقد كانت سياسة إسرائيل المتمثلة في عرقلة المساعدات الإنسانية هي التي دفعت أرييه نيير المؤسس المشارك لمنظمة حقوق الإنسان إلي الكتابة في مجلة «نيويورك ريفيو أوف»، بيونيو الماضي أنه توصل إلى استنتاج مفاده أن إسرائيل تمارس إبادة جماعية ضد الفلسطينيين قائلا: في وقت مبكر من التاسع من أكتوبر أعلن كبار المسؤولين الإسرائيليين عن عزمهم على منع تسليم الغذاء والماء والكهرباء، وهي ضرورية لتنقية المياه والطهي. وأضاف، لقد أصبحت كلمات وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف جالانت سيئة السمعة بقوله: "أمرت بحصار كامل لقطاع غزة، لن يكون هناك كهرباء، ولا طعام، ولا وقود، كل شيء مغلق. نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف وفقًا لذلك"، فيما نقل البيان وجهة النظر التي بدت وكأنها توجه نهج إسرائيل طوال الصراع: أن سكان غزة متواطئون جماعيًا مع "حماس" في السابع من أكتوبر. كما أشار تقرير الأممالمتحدة في ديسمبر الماضي، أن إسرائيل تبرر مرارًا وتكرارًا الموت والدمار في غزة بالقول إنها تستهدف أعضاء حماس فقط، ومع ذلك، كما كتب نيير، "من غير المرجح أن يؤثر عرقلة المساعدات الإنسانية على مقاتلي حماس بشكل مباشر". وأضاف: "تسيطر قوات الدفاع الإسرائيلية على جميع سبل الوصول إلى المنطقة، والتي رفضت دخول منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية والفلسطينية والمنظمات الدولية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، وأن الحد من قدرة هذه المنظمات على جمع المعلومات وإعداد تقارير مفصلة عن الصراع لا يعزل إسرائيل عن الانتقادات بسبب انتهاكاتها". وأدلت منظمة «هيومن رايتس ووتش» بتقييمها الخاص في الشهر الماضي، وخلصت إلى أن إسرائيل ترتكب "أعمال إبادة جماعية". وجاء التقرير معززًا لدعوي جنوب أفريقيا القانونية والرئيسية التي تتهم فيها إسرائيل بارتكاب الإبادة الجماعية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي في أكتوبر، كما أعلنت أربع عشرة دولة أخرى أنها تنوي دعم قضية جنوب أفريقيا، التي رفضتها إسرائيل باعتبارها "افتراءً دموياً". وفق ما سبق يقول هوارد، بصفتي صحافياً فردياً، ليس لدي الحق في الحكم على سلوك إسرائيل في غزة أنه يشكل إبادة جماعية، ولكن ما أعرفه هو أنه لا توجد تهمة أخطر من هذه في الشؤون الإنسانية، وإذا سمح المجتمع لنفسه بأن يعتاد على ادعاءات من أشخاص جادين ومنظمات جادة مثل هؤلاء برفضهم باعتبارهم غير صادقين أو متحيزين، أو تجاهلهم والتقليل من أهمية الأخبار فمن المرجح أن تعاني الإنسانية ككل، وليس الفلسطينيين فحسب.