تعد مقبرة "نب آمون"، واحدة من أبرز المعالم الأثرية في الأقصر، وتحمل في جدرانها كنوزًا من الفن المصري القديم وحكايات غنية عن حياة الأفراد الذين عاشوا في فترة ازدهار الدولة المصرية الحديثة. وتعود المقبرة، إلى أحد كبار الموظفين في فترة حكم الملك أمنحتب الثاني (حوالي 1350 قبل الميلاد)، وكانت تخص نب آمون الذي شغل منصب كاتب إحصاء الحبوب في مجمع المعابد بمدينة طيبة (الأقصر اليوم).. هذه المقبرة ليست فقط شاهداً على الثراء الفني والتقني للحضارة المصرية، بل هي أيضًا مصدر غني للمعلومات حول الحياة اليومية والفنون والطقوس في مصر القديمة. اقرأ أيضا | «يا بهجة الروح» فى الأقصر اكتُشفت المقبرة في عام 1820 على يد الباحث اليوناني جيوفاني أثاناسي، وتمثل واحدة من أبرز الاكتشافات الأثرية التي قامت بتسليط الضوء على الأنماط الفنية في العصر الفرعوني. وفي هذا التقرير، سنغوص في تفاصيل المقبرة واكتشافاتها وما تحتويه من لوحات تعد من أعظم كنوز الفن المصري القديم. موقع وتاريخ اكتشاف المقبرة تقع مقبرة نب آمون في منطقة وادي الملوك في الأقصر، التي تعد من أهم المواقع الأثرية في مصر. كانت الأقصر في العصور القديمة تعرف باسم طيبة، وقد كانت مركزًا دينيًا وثقافيًا هامًا، وادي الملوك هو الموقع الذي شهد دفن معظم الملوك والوزراء وأفراد الطبقات العليا في مصر القديمة، ويعد هذا الوادي من أغنى المناطق الأثرية، حيث تحتوي على العديد من المقابر الملكية والمقابر الخاصة بالشخصيات الهامة. تم اكتشاف مقبرة نب آمون في عام 1820 على يد عالم الآثار اليوناني جيوفاني أثاناسي. وقد جلب هذا الاكتشاف شهرة كبيرة بسبب جمال اللوحات التي زخرفت جدران المقبرة، ومنذ اكتشافها، أصبحت المقبرة محط أنظار العديد من العلماء والمختصين في علم الآثار والفن المصري القديم. نب آمون: من هو؟ نب آمون هو شخصية مصرية هامة في عصر الدولة الحديثة، وقد شغل منصب كاتب إحصاء الحبوب في مجمع المعابد بمدينة طيبة، وكان هذا المنصب يتطلب قدرات تنظيمية وإدارية عالية، حيث كان من مسئولياته مراقبة وتسجيل مخزون الحبوب، وهو أمر بالغ الأهمية في مجتمع يعتمد على الزراعة بشكل رئيسي، وبذلك كان نب آمون من الشخصيات الرفيعة في المجتمع المصري آنذاك، مما يفسر الترف الذي تميزت به مقبرته. الفن في مقبرة نب آمون: تمثل اللوحات الموجودة في مقبرة نب آمون أحد أفضل الأمثلة على الفن المصري القديم، زُينت جدران المقبرة بالعديد من المناظر التي تعكس الحياة اليومية والطبيعة المصرية، مثل مشاهد صيد الطيور في المستنقعات، ورقص الفتيات في مآدب كبيرة، وصور لبركة محاطة بأشجار متنوعة في حديقة مورفة الظلال. هذه اللوحات لا تقتصر فقط على التوثيق الفني، بل تقدم أيضًا تصورًا للحياة الاجتماعية والاقتصادية في ذلك العصر. من أبرز اللوحات في المقبرة، تلك التي تظهر مشهدًا لصيد الطيور، حيث يبرز الفن المصري في استخدام الألوان الزاهية والتفاصيل الدقيقة التي تُظهر الطيور وهي تُصاد، كما تُظهر بعض اللوحات الحرف اليدوية والفلكلورية، مثل الرقصات التي تقوم بها الفتيات في المآدب، مما يضفي طابعًا احتفاليًا على المشهد، وهذه المشاهد تُعد نافذة قيمة لفهم الطقوس الاجتماعية والاحتفالات التي كانت تُقام في حياة الطبقات العليا في مصر القديمة. أهمية مقبرة نب آمون: مقبرة نب آمون، ليست فقط كنزًا فنيًا، بل تمثل أيضًا أداة علمية فريدة لدراسة تاريخ مصر القديمة، وعلى الرغم من أنها لا تحتوي على محتويات ضخمة من الذهب أو الجواهر، إلا أن اللوحات التي تزين جدرانها تقدم تفاصيل دقيقة عن الحياة اليومية في مصر في ذلك الوقت، ورغم مرور آلاف السنين، فإن هذه اللوحات استطاعت الحفاظ على ألوانها وتفاصيلها بشكل مذهل، مما يجعلها أحد أعظم كنوز المتحف البريطاني الذي يعرضها الآن. مقبرة نب آمون في المتحف البريطاني: بعد اكتشاف المقبرة في عام 1820، تم نقل اللوحات إلى المتحف البريطاني في لندن حيث أصبحت جزءًا من مجموعاته المميزة. في عام 2009، عرض المتحف البريطاني مقبرة نب آمون واصفًا اللوحات بأنها "أعظم اللوحات الباقية من مصر القديمة على الإطلاق"، مما يبرز القيمة الاستثنائية للفن الذي تُظهره المقبرة. ويعتبر المتحف البريطاني أن هذه اللوحات تمثل واحدة من أعظم كنوز المتحف وأكثرها شهرة، نظرًا لما تحمله من تفاصيل دقيقة تعكس الثراء الفني والثقافي للحضارة المصرية القديمة. اكتشافات أخرى في نفس المنطقة: منطقة الأقصر، وخاصة وادي الملوك، شهدت العديد من الاكتشافات الأثرية الهامة. فقد تم العثور على العديد من المقابر الملكية التي تضم كنوزًا ضخمة، مثل مقبرة توت عنخ آمون التي اكتشفها هوارد كارتر في عام 1922، والتي تحتوي على محتويات لم تُكتشف من قبل في مقبرة ملكية. كما تم اكتشاف العديد من مقابر النبلاء والموظفين الرفيعي المستوى في المنطقة، والتي تقدم رؤى فريدة عن حياة الطبقات العليا في مصر القديمة. وفي نفس المنطقة، اكتشف العديد من علماء الآثار مقابر أخرى تعود إلى فترات مختلفة من تاريخ مصر القديم، مثل مقبرة حورمحب ومقبرة رامسيس الثاني، ولكن مقبرة نب آمون تظل واحدة من أبرز الاكتشافات نظرًا للفن المذهل الذي تزخر به لوحاتها. تظل مقبرة نب آمون واحدة من أعظم الاكتشافات الأثرية في منطقة الأقصر، حيث تقدم تفاصيل غنية عن الحياة اليومية والطبيعة الاجتماعية في مصر القديمة، سواء من حيث الفن أو من خلال المشاهد التي تزين جدران المقبرة، فإن هذه المقبرة تمثل جزءًا لا يتجزأ من إرث مصر القديمة الذي يظل ينبض بالحياة حتى اليوم. تقدم هذه المقبرة، مع كنوزها الفنية، صورة حية لما كانت عليه الحياة في أزمنة بعيدة، مما يتيح للباحثين والجمهور على حد سواء فرصة لفهم التاريخ والثقافة المصرية بشكل أفضل.