مع بزوغ فجر يوم الأحد الموافق 15 ديسمبر 2024 فوق هضبة أهرامات الجيزة، انطلق نصف ماراثون الأهرامات الدولي في نسخته السادسة، ليلقي بظلاله الأثيرية على إحدى عجائب الدنيا السبعة، ليتكشف فصل جديد من استضافة مصر للأحداث الدولية على رقعتها الضاربة في جذور التاريخ. يأتي هذا الحدث العملاق ليجوب حوالي 6500 متسابق من 100 دولة بين جنبات حقبة من الحضارة المصرية قبل أقل من أسبوع من حدث يُعد الأشهر على مستوى العالم، هو تعامد الشمس على المحور الرئيسي لمعبد أمون رع بمعبد الكرنك بالأقصر في 21 ديسمبر، بالتزامن مع تعامدها على قدس الأقداس بمعبد قصر قارون، بمركز يوسف الصديق، بمحافظة الفيوم بمصر الوسطى في نفس اليوم. وكأن ارتداء المتسابقين من جميع أنحاء العالم أحذيتهم للشروع الركض في نصف ماراثون الأهرام الدولي، يمثل الاعلان بمزيج من الأجناس والثقافات عن تلك العلاقة الخالدة بين التاريخ والجغرافيا، بين الماضي والحاضر. ولايمكن على أي حال من الأحوال النظر لهذا الماراثون باعتباره حدثاً رياضياً عادياً، أوتحديا ماديا فحسب، نظراً لأهميته الكبيرة، كونه يمهد الطريق لدعم السياحة في بلد قد أسرت القلوب لآلاف السنين، كما إنه يعتبر أحد أحجار الزاوية للتنشيط الاقتصادي في ظل الأزمة الاقتصادية العملاقة التي طالت مصر كغيرها من الدول ، إبان أحداث عملاقة مرت بها دوال العالم. وبالطبع جاء اختيار الأهرامات العظيمة وأبو الهول كخلفية للمارثون، ليوفر فرصة للمشاركين في السباق من دول العالم والمتفرجين، اللذين رافقوهم على حد سواء احتفالا يتجاوز الحدود ويدعو الجميع لاستكشاف كنوز هذه الأرض بين الجغرافيا والتاريخ، في أجواء تغمر الشمس الساطعة، التي تلقي بلون ذهبي فوق النيل، وكأن القاهرة ترحب بضيوفها من جميع أنحاء العالم، تلك المناظر الطبيعية الأكثر شهرة في العالم بأشعتها الذهبية، فيكون ذلك بمثابة تجربة لا تنسى تساهم في تنشيط الاقتصاد المحلي واستعادة إظهار البلاد كوجهة سفر سياحية نابضة بالحياة للسياح والعدائين والباحثين عن المغامرة وسط أصداء التاريخ التي يتردد صداها في كل المناظر التي يتم إلتقاطها للعدائين خطوة في هذا السياق الأثري العتيق. ويأتي نصف مارثون الأهرامات في نسخته السادسة في هذا العام، الذي اجتذب آلاف المشاركين منذ بداياته في العام 2019 مع انطلاق نسخته الأولى، الذي يُعد التزايد الملحوظ في أعداد المشاركين فيه عام بعد عام، ليس فقط شهادة بأهميته كحدث رياضي عملاق، لكن أيضا اعتراف بتاريخ وجغرافيا مصر الغنية، التي إلى جانب ملائمتها ، فهي توفر الأمن والأمان لإقامة مثل هذه الأحداث. ويسلط هذا الماراثون الضوء أيضا على التزام مصر بتطوير السياحة الرياضية، وهي مكانة تحظى بشعبية متزايدة وتؤكد على الفوائد المتعلقة بالصحة للنشاط البدني إلى جانب تسليطه الضوء على المعالم الثقافية والتاريخية، ما يخلق زخما كبيرا ونسيجا ملونا من الثقافة والمنافسة والمشهد. وتهتم معظم دول العالم في العادة بالتسويق الجيد لمثل هذه الأحداث الرياضية، خصوصاً حينما يتوافق الحدث مع إبراز المعالم الثقافية للدولة، حيث تجسد تقاطعا مهما بين الثقافة والسياحة والتجارة، فتكون بمثابة محركات التنمية السياحية، التي تمثل مورداً مهماً من الموارد الاقتصادية، حيث يساهم المشاركون والسياح والمتفرجون على حد سواء في الاقتصاد المحلي من خلال الإنفاق بالعملة الصعبة في الفنادق والمطاعم والمتاجر المحلية وغيرها، فضلاً عن إن بإمكان السياحة أن تلعب دوراً مهما في تعزيز أواصر الصلة بين الدول المستضيفة والعديد من دول العالم. لذا فإن مثل هذه الفعاليات تحظى في العادة باهتمام إعلامي كبير، مما يساعد على وضع البلدان على المسرح العالمي، وجذب المزيد من الزوار لاستكشاف ليس فقط المواقع التي يمر بها الماراثون ولكن المواقع السياحية الأخرى. وعلى الصعيد الدولي، فقد نجحت بعض الأحداث الرياضية المماثلة في الاستفادة من استراتيجيات الاستثمار التي تعزز ظهورها وربحيتها. فعلى سبيل المثال يجتذب ماراثون مدينة نيويورك السنوي، الذي يشارك فيه مئات الآلاف من المشاركين مع غيرهم من المتفرجين والسياح العديد من الرعاة من الشركات العالمية، وقد استطاعت شركات مثل Tata Consultancy Services (TCS) تحقيق استثمارات باهظة من خلال رعايتها لهذا الحدث، بإتاحة فرص عالمية للعلامات التجارية من خلال التسويق الجيد والمبادرات المجتمعية واسعة النطاق المرتبطة بهذا الحدث. وبالمثل، يشهد ماراثون لندن السنوي، يتم التسويق الجيد له العديد من الاستثمارات من خلال اشراك الشركات المحلية، والمتاجر، والخدمات على طول الطريق، مما يخلق جوا احتفاليا يشجع المشاركة المحلية والسياحة. وهنا سؤال يطرح نفسه، ما حجم الاستثمارات والعائدات، التي تم تحققها من وراء استضافة مصر بجغرافيتها الفريدة وتاريخها العميق وثقافاتها المميزة لهذا الحدث الشهير؟ وهل استفدنا من تزامنه مع الحدث الأشهر في العالم، وهو تعامد أشعة الشمس على قدس الأقداس بمعبد الكرنك، فلا يكرم يعكس المتسابقون الروح الرياضية فحسب، بل أيضا الإرث العميق للحضارة التي فتنت العالم لآلاف السنين ؟ السؤال الآخر الأهم، ألم تأتي الفرصة لأن يتعاون في التخطيط لتنظيم مثل هذه الأحداث، خبراء جغرافيا السياحة والثقافة والتاريخ والاقتصاد والتسويق، جنباً إلى جنب مع خبراء الرياضة والأمن لضمان تحقيق أعلى استفادة لمصرنا الحبيبة. حفظ الله مصر كاتب المقال الدكتور هاني أبو العلا، أستاذ نظم المعلومات الجغرافية بجامعة الفيوم وخبير التنمية المستدامة بمنظمة اليونسكو