تجتاح العالم اليوم حالة من اللاوعي أو عدم التصديق لأمور كثيرة وأنباء قد تبدو متضاربة حول العديد من القضايا الهامة العالمية. و قد يبدو الامر في شأنه لا يتعدى مجرد أنتشار للشائعات ويتم التكذيب أو نشر الحقائق أو نفى الأخبار المغلوطة .. ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا فحسب ولكنه يمتد ويتوغل داخل بعض العقول ما يجعل بعضها يتحول من تسميته الطبيعية " العقل البشرى " إلى " العقل الصنمى ". فكيف للصنم أن يفكر أو يتعامل مع الأمور التي تحتاج للانتباه أو الحذر؟ .. فهو صنم لا يدرك شيئا أو يعي أي خطر .. فسيدنا أبراهيم عليه السلام كان من المحطمين للأصنام .. ورغم ذلك لم يدرك الصنم أو يحتذر من سيدنا إبراهيم عليه السلام . قال الله عز وجل في كتابة الكريم : بسم الله الرحمن الرحيم " قَالُوا مَن فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ " صدق الله العظيم . وبداية الحديث هنا يا سادة أن الإشارة في الآية الكريمة لا تأتى لعبادة لهذه الأصنام فقط بل وأتباعها في السلوكيات وهو ما أراه اليوم أصبح واقعا فقد تحوت بعض العقول إلى "عقول صنمية " لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم ولا تعى الخطر من حولها فقد يكون هناك من يخطط لهدمها أو تحطيمها فلن تدرك هذه العقول الصنمية ما هو حجم الخطر المحدق بها . لذا فأن استعادة عقولنا وتحريرها من الاحتلال الذى صنعه أعداء الحياة لها هو الهدف اليوم وهو الوقاية من تحجرها . لأن العدو لا يعمل اليوم على افتعال الحروب قدر ما يصنع المستحيل لاحتلال العقول وتحويلها لعقول صنمية غير واعية فتقتل وتحرق وتخرب دون وعى . يلجأ العدو دائما حسب ما توصلت إليه في البحث عن الحروب الفكرية الحديثة واسبابها . لهدف قوى أطلقت عليه تسمية " مؤامرة التماثل البصرى " و هو باختصار عبارة عن تصوير الحقيقة أكاذيب وتدعيم الشائعات بصور وفيديوهات مفبركة تصل بالإنسان المبتعد عن تثقيف عقله إلى الهاوية فيصدق ما يملى عليه دون تفكير وينقل ما يريد العدو نقلة دون هدف أو وعى . فيضع العدو الشائعات ويربط معها المفبركات . فتكون النتيجة انه يقدم للمجتمع فيروس عقلي ينتشر بين الآخرين ويتسبب في خلخلة الطاقات الإيجابية لدى الآخرين ممن يتمسكون بقوة وعقيدة الوطن ولكن يظل الأنسان الأصيل الذى يستمد قوته من نور الثقافة والأدراك والذى يحارب صنمية الفكر بنفس عزيمته و اصرارة نحو العقيدة الوطنية الراسخة لدية ولا تهتز أبدا مهما كانت الضغوط أو الفيروسات المحيطة . التماثل البصرى من أخطر الأسلحة الفكرية خلال الحرب الحالية لاحتلال العقول و علاجه هو التوعية من عدم نقل أي خبر الا بعد التأكد من صحته من مصدرة الرسمي والتوعية المستمرة من أخطار التعامل مع الانترنت و الأنباء المفبركة على صفحات قد تبدو أنها أصلية ولكنها غير حقيقية . وباء السيطرة على العقول المنتشر بين شبابنا تحت تأثير التماثل البصرى الذى يمتد عبر مواقع الانترنت الوهمية المغرضة التي ليس لها هدف الا هدم الهمم والعزيمة لدى شبابنا المحترم والذى ينقصه الوعى الكافي للمواجهة . خلق الله الانسان في أحسن تقويم و أعطاه ميزة العقل ليميزه عن باقي الخلق فلا يحمل الصنم عقلاً ليعلم وسيلة تحطيمه أو أزالته . فالصنم لا يملك القرار الذى يُفرض عليه بإقرار وجودة أو عدمه . فالقرار لا يملكه الا العاقل . واليوم ليس كل ما خلق الله من بنى الانسان يكتفى بالعقل السديد .. و اليوم نجد عقولاً أصنمت من كثرة التهويل والشائعات والملوثات التي أصابت فيروساتها محاور التفكير والتدبر لدى البعض فتحولت بعض العقول إلى الصفة الصنمية لا ترى لا تسمع لا تفكر .. من لايزال لا يدرك حجم المؤامرة على مصر فهو من استسلم ليضع الصنم موضع العقل. وهو نفسه من لايزال غافلاً عن المخطط الارهابى المرسوم لتحويل المواطنه والقومية العربية إلى أوهام وتنزلات توضع أمام الأنسان في صورة شائعات مصحوبة بالتماثل البصرى . فترى تصرفات البعض غير واعية و مدخلات فيروسية لعينة أصابت موضع العقول فوضعت الصنم محل العقل . أفيقوا لما تساق له المنطقة من تحديات أصابتها فأوهنت بنسيج الوطن العربي وأضعفت قوته وقسمت جنباته و صنعت الفرقة والاختلافات الايدلوجية لشعوبه . وتبقى مصر .. بفضل الله .. السند الباقي للجميع .. مصر التي تمثل الجائزة الكبرى لأهل الشر . مصر التي يقف اليوم شعبها صامداً في وجه الإرهاب العالمي وسيعبر بأذن الله بالأزمة لبر الأمان لأن شعب مصر لم يعبد الا الله . فمصر هي أول حضارة دعت للتوحيد وعبادة اله في السماء . فالشخصية المصرية لم تنجرف يوما لوضع الصنم محل العقل . على الرغم أن المصريين هم أول من نحت الحجر والانسان المصرى كان يعلم أنه صاحب الفضل في تصويرة بشكل الصنم . فلم يسمح المصري القديم أن يضع الصنم محل العقل . فكانت مصر دائما هي منبر الحضارة والعلم وتراث العقل الباقي حتى هذا اليوم . فعلينا جميعا المحافظة على حضارة مصر التي صدرت العلم عن طريق العقل المصري القديم للدنيا كلها. . واليوم على الجميع الانتباه قبل فوات الأوان لأن صنمية العقول تعنى فناءها و نعمة الله على الأنسان بالعقل الإنساني السليم يجعلنا لابد أن نتوقف امام انفسنا كثيراً لمواجهة " صنمية العقول المستحدثة " حفظ الله مصر وشعبها الذى صدر الحضارة لكل الدنيا ... من أم الدنيا . كاتب المقال: د. أحمد عبد المجيد، خبير العلاقات الدولية و الشئون الاستراتيجية