أزمات وتحديات سوريا الجديدة أكثر من أن تعد أو تحصى، من تحديد شكل الدولة ودستورها، الحفاظ على وحدة أراضيها، ولكنى سأتوقف عند ملف القضية الكردية، والتى تمثل من وجهة نظرى، مفتاح الاستقرار فى سوريا، لاعتبارات عديدة، أن المنطقة ذات الأغلبية الكردية شهدت بالفعل المواجهات العسكرية الوحيدة فى الفترة ما بعد سقوط بشار الأسد، وكانت بين قوات تحرير الشام، وجيش سوريا الديمقراطية قسد، الجناح العسكرى لمجلس سوريا الديمقراطية، التى استثمرت حالة عدم الاستقرار، وقامت بإعادة الانتشار فى مناطق انسحبت منها القوات الحكومية فى دير الزور، مما دفع قوات تحرير الشام إلى التصدى لها واستعادتها، واضطرت إلى الانسحاب من مدينة منبج، بعد اتفاق تركى أمريكى على وقف إطلاق النار، كما أن المنطقة الكردية ساحة تجاذب دولى وإقليمى، مع تعارض المصالح بين تركيا تحديدًا وأمريكا، حيث تعاملت واشنطن مع جيش سوريا الديمقراطية كحليف منذ اليوم الأول لظهوره على الساحة العسكرية والسياسية، فى أكتوبر 2015، حيث اعتبرته إدارة بايدن شريكًا فى الحرب على داعش، خاصة وأنه نجح فى المساهمة بدور مهم فى طرد التنظيم، والسيطرة بعدها على مساحات واسعة من شمال شرق سوريا، تصل إلى حوالى ربع مساحة سوريا، وعلى العكس من ذلك تعاملت تركيا معه على أنها الفرع السورى لحزب العمال الكردستانى، والذى تصنفه كمنظمة إرهابية، وتخوض معه حربًا مستمرة منذ أربعة عقود، أسفر عن مقتل 40 ألف شخص، ولم يعد خافيًا على أحد، أن الزيارة الأخيرة منذ عدة أيام لوزير الخارجية التركى هاكان فيدان، كانت بالأساس البحث مع أحمد الشرع القائد العام للإدارة السورية الجديدة موقفها من تلك القوات. وقد شهدت الفترة الماضية محاولات للتقارب بين الطرفين، الإدارة الجديدة وبين قيادة جيش سوريا الديمقراطية، حيث اعتبر أحمد الشرع الأكراد جزءًا من الشعب السورى، متعهدًا بصيغة سلمية لحل المشكلة، وقال إن هناك اتصالات بين الطرفين لتجنب المشاكل والاشتباكات، وأكد بعد لقائه مع وزير الخارجية التركى على أنه (لن نسمح على الإطلاق أن يكون هناك سلاح خارج الدولة، سواء من الفصائل الثورية أو من قوات سوريا الديمقراطية) بينما قال المتحدث باسم قسد فرهاد شامى مدير المركز الإعلامى، (يهمنا دومًا وحدة الأراضى والقرار السورى، وفى حال ضمان مشاركة جميع المكونات، فإنها ستنضم إلى الجيش الوطنى، الذى سيتشكل بناء على توافق جميع الأطراف. ولعل المبادرة التى أعلنت الإدارة الذاتية الديمقراطية فى السادس عشر من هذا الشهر، تحت عنوان الحوار الوطنى لبناء سوريا الجديدة، تستحق المناقشة فهى تضم عشر نقاط، منها النقطة الأولى (وهى الحفاظ على وحدة وسيادة الأراضى السورية وحمايتها من الهجمات التى تشنها الدولة التركية ومرتزقتها) وهذه نقطة خلافية شديدة، تتغافل عن الواقع على الأرض، فالكل يعرف أن التغيير تم بمساندة ودعم تركيا، كما أنها دعوة للصدام المبكر مع دولة جارة، ولها مصالح وشواغل فى سوريا، كما أن البند التاسع فى المبادرة الذى ينص (على استمرار محاربة الإرهاب لضمان عدم عودة تنظيم داعش وذلك بالتعاون بين قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف الدولى)، قد يتم فهمه فى إطار حرص الإدارة الذاتية على البقاء على سلاحها، دون الانخراط كبقية الفصائل المسلحة فى الجيش الجديد، مع دعوة لبقاء قوات دولية فى المرحلة القادمة. ويجب أن يعترف المكون الكردى أن ميزان القوى لم يعد فى صالحه، بعد نجاحات تنظيم تحرير الشام والتى وصلت إلى الإطاحة بالرئيس السابق بشار، بالإضافة إلى وجود ترامب فى البيت الأبيض وتصريحاته فى 16 ديسمبر، عن أن تركيا ستمسك بزمام الأمور فى المنطقة والتى تكشف عن احتمالات كبيرة، بتوقف واشنطن عند دعمه لهذه القوات، وإمكانية الأمر بسحب قوات أمريكا بعد 20 يناير القادم، فوفقًا لتصريحات من مسئولين فى الإدارة القادمة، فهى ترى أنه ليس هناك مصلحة فى الدخول فى صراعات خارجية، مع الاعتراف بالدور التركى وانشغالاته الأمنية، وهو ما لمح له وزير الخارجية التركى من سوريا أثناء لقائه مع أحمد الشرع عندما قال (إن الرئيس الأمريكى ترامب يدرك أنه من الأفضل عدم مواصلة دعم المقاتلين الأكراد، على حساب الاحتياجات الأمنية لتركيا العضو فى حلف الأطلسى الناتو) ويبقى الحوار هو الحل للوصول إلى قاسم مشترك بين الإدارتين فى دمشق والكردية يبقى سوريا موحدة، ويحقق طموحات كل مكونات الشعب السورى.