«ما أشبه اليوم بالبارحة». فالمشاهد الاحتفالية فى شوارع دمشق بإسقاط تماثيل الأسد هى نفس المشاهد التى رأيناها عام 2003 لإسقاط تماثيل صدام حسين فى بغداد. والتصريحات المملوءة بالتفاؤل عن مستقبل منير ودولة شمولية جديدة موحدة وذات سيادة، هى نفس التصريحات التى سمعناها فى ليبيا والعراق بعد إسقاط الحكم الديكتاتورى هناك. ولكن للأسف، حتى اليوم لا يمكن القول إن العراق، التى كانت تملك خامس أقوى جيش فى العالم، عادت كما كانت، ولا يمكن وصف ليبيا بالدولة الموحدة ذات السيادة. بالطبع لكل حالة ظروفها ومقوماتها التى لا تنسحب بالضرورة على الدول الأخرى، وفصائل المعارضة السورية تحاول إثبات أنها استوعبت دروس الآخرين وأنها تملك الصيغة الناجحة للانتقال السلس لدولة ديمقراطية حديثة تستوعب الجميع. لكن لو استخدمنا ما حدث خلال 48 ساعة فقط من سقوط الأسد كمقياس، سنجد أن سوريا عادت عشرات العقود للوراء بين ليلة وضحاها وتحولت لدولة هلامية منزوعة القوة بعد حل جيشها و«تصفير» إسرائيل لقدراتها العسكرية عبر 480 غارة دمّرت أصول الجيش السورى من مطارات وأسراب طائرات ورادارات ومحطات إشارة ومستودعات أسلحة ومراكز أبحاث وأنظمة دفاعات جوية وسفن حربية، إلى جانب توغلها لنحو25 كم داخل الأراضى السورية والسيطرة على جبل الشيخ الإستراتيجى. هذا بخلاف الصراع المسلح الدائر بين فصائل مدعومة من تركيا والفصائل الكردية المدعومة من أمريكا للسيطرة على شمال شرق البلاد، وداعش التى طلت برأسها وبدأت تطلق التهديدات. كل هذا حدث ونشوة التخلص من الأسد لم تنحسر بعد، فما بالك بعدما تنقشع ويزول معها التوافق الهش بين الفرقاء السوريين ويبدأ كل فصيل البحث عن نصيبه من الغنيمة. ومع احترامى لكل المتفائلين بخطاب المعارضة الشعبوى، لكن حضور الجماعات الجهادية فى المشهد وتعدد المذاهب واختلاف الأيدلوجيات بين الفصائل التى تحمل جميعها السلاح وتحظى بدعم خارجى، فى ظل غياب الجيش، يحاصر سوريا بين النموذج الليبى والعراقى واليمنى، والأهم أنه يؤهلها للتحول لبؤرة للفوضى والإرهاب، ما لم تخرج سالمة من مفترق الطرق الذى تقف فيه.