طارق فهمى سيؤدى سقوط النظام السورى إلى تداعيات كبيرة على النظام الإقليمى العربى وعلى النطاق الاستراتيجى العربى، حيث منح سقوط حمص مقاتلى المعارضة السيطرة على قلب سوريا الاستراتيجى ومفترق طرق رئيسى، مما أدى إلى فصل دمشق عن المنطقة الساحلية التى تعد معقل الطائفة العلوية التى ينتمى إليها الأسد، حيث يوجد للجانب الروسى قاعدة بحرية وأخرى جوية. الاستيلاء على حمص هو أيضا رمز قوى لعودة قلبت الموازين لحركة المعارضة المسلحة فى الصراع المستمر منذ 13 عامًا وحرر مقاتلو الفصائل آلاف المعتقلين من سجن المدينة مما فتح الباب أمام سقوط دمشق. ستدخل سوريا والمنطقة مرحلة غير مسبوقة من التغيرات السياسية والجيوسياسية. وبينما تسيطر فصائل مسلحة، بعضها ذو أيديولوجيات متطرفة، على المشهد السوري، وتتحرك إسرائيل على الحدود، تبدو التحديات والمخاطر متعددة، ليس فقط على سوريا بل على جيرانها والمنطقة ككل وسيترك سقوط النظام السورى سوريا فى حالة من الفراغ السياسي، حيث تعانى مؤسسات الدولة من تآكل كبير بفعل الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد وسيطرة المعارضة المسلحة على الدولة وبالتأكيد توجد مخاوف من جود قوى إقليمية متنافسة على الأرض السورية، حيث يوجد احتمال لتصاعد المواجهات إلى حرب إقليمية واسعة، سيكون الشعب السورى الخاسر الأكبر فى هذا السيناريو، إذ يُحتمل أن تستمر الصراعات لعقود طويلة وممتدة بالفعل. تجدر الإشارة إلى أنه ليست كل الفصائل المسلحة المعارضة فى سوريا إرهابية إذ إن ذلك ينطبق فقط على هيئة تحرير الشام التى هى جبهة النصرة سابقاً ويرأسها أبو محمد الجولانى الذى كان من كوادر تنظيم القاعدة وداعش أيضاً، إذ شارك شخصياً فى القتال ضد القوات الأمريكية فى العراق، كما لن يسمح لا إقليميا ولا دوليا بأن تتولى هيئة تحرير الشام المصنفة دوليًا كجماعة إرهابية التى يرأسها أبو محمد الجولاني، زمام الأمور فى سوريا، ومن غير المستبعد لأن نشهد مصادمات بين الفصائل العسكرية المعارضة التى وإن كانت قد نجحت فى إسقاط نظام بشار إلا أنها غير متجانسة فى ظل الاختلافات الجوهرية فيما بينها خاصة بين هيئة تحرير الشام وبين الجيش الوطنى السورى المعارض المدعوم من تركيا. ودوليا ستحاول سوريا تجنب الانزلاق إلى مواجهة عسكرية واسعة فى سوريا، يمكن أن تفتح جبهة كبيرة جديدة، فى ظروف الانخراط فى الحرب الأوكرانية ووصول المواجهة فى البلد الجار إلى مستويات خطرة تهدد باندلاع مواجهة مباشرة مع حلف الأطلسي. لكن فى الوقت ذاته، لدى موسكو خطوط حمراء لا يمكن السماح بتجاوزها. وما يزيد الوضع تعقيداً، هو عدم امتلاك الطرفين الداعمين الرئيسيين لدمشق، موسكو وطهران، هوامش مناورة كبيرة. فالجيش الروسى يركّز على الحرب فى أوكرانيا بينما إيران والجماعات التابعة لها وعلى رأسها حزب الله، خرجت ضعيفة من المواجهة الأخيرة مع إسرائيل. كما أن العلاقات الروسية - الإيرانية لا تسودها الثقة المطلقة على الدوام فرغم تلاقى المصالح، قد يحصل تشكيك، لا، بل ريبة وقد تضاف إلى ضغوط الفصائل المسلحة عاجلاً أم آجلاً، ضغوط تنظيم داعش ومن ثم لن نشهد فى هذه المرحلة الانتقالية وبعد سقوط النظام السورى مساسا بالوجود الروسى فى سوريا الذى يقتصر على قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية باللاذقية، خاصة أنها لا تملك قوات برية على الأرض ومن الواضح أن ضبط تزاحم هذه القوات المتعددة وكل هذه التنظيمات فى بقعة جغرافية محدودة بالعامل الحاسم المتمثل فى تدخل الولاياتالمتحدة فى ضبط المشهد بين الأطراف المتحاربة، منعاً لمزيد من الصراعات العسكرية والأمنية الممتدة. لا يجب فى هذه المرحلة التسرع فى التوصل لاستنتاجات تقضى بأن سوريا معرضة للتقسيم أو التحول لدويلات، كما لا يجب التسرع فى تفسير ما حدث على أنه مؤامرة إسرائيلية أمريكية، إذ إن نظام بشار هو المسئول الأول عما آلت إليه الأوضاع فى البلاد خاصة مع الحديث المكرر بأن سوريا ستقسم فى الشمال تسيطر عليها فصائل المعارضة المدعومة من تركيا ومنطقة فى الشرق تحت سيطرة الأكراد وجيوب إيرانية فى دمشق وحمص، تدعمها ميليشيات موالية وسيطرة إسرائيلية على مناطق الجولان ومناطق التماس المجاورة لها وفى إطار النطاقات الاستراتيجية خاصة أن فى سوريا 4 قوى عسكرية سورية متنافسة، تتوزع فى الريف الشرقى للمدينة، التى تُعد ثانية كبريات المدن السورية، وعاصمتها الاقتصادية والقوى الأربع الأخرى حول الريف الشرقى لحلب، هى: الجيش السورى الحكومي، وهيئة تحرير الشام المقربة من تركيا، والجيش الوطنى الحر (الموالى لتركيا)، وقوات قسد (المدعومة من الولاياتالمتحدة، وقوامها من الأكراد)، وهذه الجهات بعضها يعادى بعضاً. إن التحرك المأمول إقليميا ودوليا يجب أن يركز فى هذه المرحلة على محاولة تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 الصادر فى 18 ديسمبر 2015، المعطل تنفيذه منذ 9 سنوات، الذى دعا إلى إجراء انتخابات برعاية الأممالمتحدة وتشكيل حكومة انتقالية والتحرك نحو تحقيق الانتقال السياسى الذى يهدف إلى إنهاء الصراع فى سوريا.