ما تشهده سوريا الآن هو أبعد ما يكون عن معادلة «المعارضة فى مواجهة النظام» الذى يحاول البعض ترويجها لتبييض وجه الجماعات الإرهابية التى لا دين لها، ولا ولاء، ولا انتماء، سوى مصلحة الجهات التى تمولها وتحركها كما يحرك اللاعب «مقاتليه» فى البلاى ستيشن. فمن خلال الصورة الجديدة لمقاتلين يرتدون زى الجيوش بدلاً من الزى الأفغانى، ويرفعون أعلام الدولة السورية بدلاً من أعلام داعش السوداء ويتبنون خطاب خالى من الصبغة الدينية ولا يذكر الخلافة الإسلامية وأكثر تصالحاً مع الغرب، تحاول هذه الجماعات المنبثقة من داعش والإخوان وداعش، خداع الجميع بإيهامهم بتغيير جلدها وخلعها لحٌلة الحركات المتطرفة واستبدالها بقناع المعارضة السياسية. لكن فى حقيقة الأمر، هذه الجماعات هى الأداة الأحدث فى تفجير الدول من الداخل دون تدخل خارجى مباشر أو كلفة بشرية للجهة التى تحركها فى الخلفية. وقد أثبتت نجاعتها فى إنجاز مهمة تدمير الدول وإسقاطها بأقل تكلفة، وذلك بعد فشل التجربة الأمريكية بالتدخل المباشر فى العراق وأفغانستان والتى كلفت الخزينة الأمريكية مئات المليارات وآلاف القتلى والجرحى، لتخرج فى النهاية مذمومة مدحورة. لكن للأسف تم استخدام بعض الدول العربية التى جرفها تيار ما يعرف «بالربيع العربى» كمسارح لتجربة هذه الأداة، ومنها سوريا التى تحولت للعبة للأمم مع تنازع 8 قوى دولية وإقليمية ومحلية كبرى عليها وعلى اقتطاع ما يمكن من أراضيها. والخطير فى الشأن السورى تعدد الجماعات المسلحة المتناحرة داخلها واختلاف مشاربها ومذاهبها وتضارب مصالح محركيها الإقليميين والدوليين لدرجة تجعل من أى سقوط محتمل لسوريا، لا قدر الله، كابوس مروع، ليس فقط على المستوى الإقليمى ولكن والدولى أيضاً، بعد أن أثبتت الأزمات الأخيرة، بداية من كورونا، مرورا بحرب أوكرانيا وانتهاء بحرب غزة أن العالم قرية صغيرة، وأن الصراعات المسلحة فى أجزاء مختلفة من العالم أصبحت أكثر تشابكاً رغم البعد الجغرافى. ومن هنا يصبح الحفاظ على الدولة السورية وإبقاء الأسد فى عرينه أمنا إقليميا ودوليا.