لا تتصور أن السودان فى وضع طبيعي، لدرجة أن حقوق الإنسان يمكن أن تكون قضية مهمة زرت السودان أكثر من مرة وعرفت أدباء السودان وخاصة الطيب صالح جوهرة المبدعين السودانيين. لكنى سافرت لهناك بطائرة الشاعرة والمثقفة العربية الكبيرة الدكتورة سعاد الصبَّاح عندما منعت الدولة فى مصر فى ذلك الزمان البعيد فتحى رضوان الذى كان مسئولاً عن المنظمة العربية لحقوق الإنسان فى مصر فى ذلك الوقت منعته من عقد مؤتمره فى مصر. ربما وقع هذا فى ثمانينيات أو تسعينيات القرن الماضى. ركبنا طائرة الدكتورة سعاد الصباح الخاصة من مطار القاهرة ونزلنا فى مطار الخرطوم. ورحَّبوا بنا بطريقة غير عادية. ورأيتُ عن قُرب وجوه مصر المهتمة بحقوق الإنسان من كل الفئات. وأعتقد أن منى ذو الفقار الحقوقية المصرية النادرة ابنة الفنان صلاح ذو الفقار كانت معنا. كان هناك تصميم على عقد المؤتمر ولقينا من الإخوة السودانيين ابتداء من رأس الدولة حتى المواطن العادى أكبر قدر من الترحيب. حيث قدَّموا لنا رغم ظروفهم الصعبة التى ليست مترفة ويعانون منها. لكنهم فعلوا ما لم يفعله أحد لنعقد مؤتمرنا. كانت كلمة حقوق الإنسان جديدة على الوطن العربى، ومؤسساتها كانت فى طور التأسيس والتحقق ثم الانطلاق. وكان المؤتمر الذى اعتذرت عن عقده على أرضها دول عربية كثيرة، وقابلته ورحَّبت به السودان هو المؤتمر الأول المؤسس لهذه المنظمة التى أصبحت الآن لها كيان كبير وشأن مهم ودور أكبر، تقوم بدور الأمين العام لها السفيرة مشيرة خطَّاب. زميلتى فى عضوية المجلس الأعلى للثقافة فى مصر. والمجلس الذى انتقل من مكانه فى الجيزة إلى التجمع الخامس يقوم بدوره على أحسن وجه وأفضل طريقة. فمن المؤكد أن حقوق الإنسان توشك أن تكون الورقة الأساسية التى يستخدمها الغرب كمبرر للتدخل فى شئوننا، ومحاسبتنا على أى شىء يحدث يُمكن أن يصبح من قضايا حقوق الإنسان. وتضطر مصر ويضطر المجلس القومى المصرى للرد على هذه الاتهامات الظالمة، التى تنطلق من الغرب كمحاولة للتدخل فى شئوننا. ليس أكثر ولا أقل. أما اهتمامهم بحقوق الإنسان فيأتى فى مناسبات أخرى. لا تتصور أن السودان فى وضع طبيعي، لدرجة أن حقوق الإنسان يمكن أن تكون قضية مهمة. بل إنه يعانى من مشاكل داخلية كثيرة ومتنوعة تتصل كلها بهموم الحياة اليومية للمواطن السودانى. الأمور لم تتوقف عند المعيشة اليومية، ولكنها تصل إلى مستوى قطع الاتصالات ومطاردة حتى ما يحمله الهواء المنطلق الحر للسودان مما يمكن أن يسمى إعلامًا أو وسائل تواصل بينهم وبين بعض. جددت قوات الدعم السريع قصفها العشوائى لعدد من الأحياء بأم درمان يوم الإثنين الماضى، حيث سقطت عدة قذائف صاروخية داخل عدد من الأحياء، ودوَّت أصوات المضادات الأرضية فى أم درمان إثر تعامل أنظمة الدفاع الجوى التابعة للجيش مع عدة مسيرات أطلقتها قوات الدعم السريع مستهدفة بها المدينة. وتتواصل الاشتباكات فى مدينة الخرطوم وبحرى اللتين تشهدان تحركات الجيش السودانى فى عدة اتجاهات فى أعقاب تقدم مثيرى القلاقل فى المناطق الشرقية ودخوله إلى منطقة السامراب. ومن جهة أخرى أشارت حكومة ولاية الخرطوم إلى استمرار قوات الدعم السريع بملاحقة النازحين من ولاية الجزيرة، وأكدت استباحتهم لبعض المناطق فى شرق النيل، خاصة منطقة الشيخ عوض الكريم، حيث قامت بتهجير المواطنين ونهبت كل شىء بالمنطقة، وأجبرت السكان على الفرار تحت التهديد بالقتل والإبادة بحسب حكومة ولاية الخرطوم. فمنذ أبريل 2023 يشهد السودان حرباً بين الجيش بقيادة الرئيس والقائد عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، أوقعت عشرات الآلاف من القتلى، وشرَّدت أكثر من 11 مليون شخص، كما يعانى وفق الأممالمتحدة نحو 26 مليون شخص داخل السودان من الجوع الحاد. فى الندوة التى تقام فى فرع حزب التجمع بالزيتون الذى يديره بكفاءة عالية الشاعر المتميز شعبان يوسف قابلت الروائية السودانية بثينة خضر مكى، وأهدتنى روايتها الجديدة: حصار الأمكنة التى تحكى وتتكلم عن المأساة الحاصلة فى السودان، ربما لا تركز على العمل العسكرى، لكنها تكتب عن حصار الأمكنة وذكرياتها الحزينة الساخرة المؤرقة تجاه ما يجرى فى هذه البلاد التى نحبها كثيرًا، ولابد أن نبذل جهدًا ضخمًا لوقف المأساة التى تحدث هناك.