في لحظة تاريخية مشحونة بالتوتر والمخاطر، أظهرت كوريا الجنوبية تمسكها بمبادئ الديمقراطية رغم القرارات المفاجئة التي كادت تهدد بنيانها. إعلان الأحكام العرفية من قبل الرئيس يون سوك يول، والذي استمر أقل من ست ساعات، قوبل برفض شعبي وسياسي واسع، ما أفضى إلى إلغائه بضغط من الجمعية الوطنية. هذه الأحداث أكدت أن الديمقراطية الكورية لا تزال قادرة على التصدي للقرارات الاستثنائية بحزم ووعي. رفع الأحكام العرفية رفع الرئيس يون سوك يول الأحكام العرفية، الأربعاء، بعد نحو ست ساعات من إعلانها، ردا على قرار الجمعية الوطنية بالإجماع بإلغاء القانون، وأعلن عن القرار في حوالي الساعة 4:20 صباحاً، أي بعد حوالي ثلاث ساعات ونصف من موافقة الجمعية على الاقتراح. وقال يون في خطابه "لقد أعلنت بالأمس الأحكام العرفية الطارئة بتصميم حازم على إنقاذ الأمة رداً على القوى المناهضة للدولة التي تسعى إلى شل الوظائف الأساسية للدولة وتقويض النظام الدستوري للديمقراطية الليبرالية. ومع ذلك، في أعقاب طلب الجمعية الوطنية برفع الأحكام العرفية قبل فترة وجيزة، قمت بسحب القوات العسكرية المنتشرة لعمليات الأحكام العرفية". إجماع البرلمان على حماية الديمقراطية في خطوة غير مسبوقة، اجتمعت الجمعية الوطنية (البرلمان) في جلسة طارئة مساء الثلاثاء، حيث صوّت 190 نائبًا بالإجماع لإلغاء الأحكام العرفية التي أعلنها الرئيس. وفقًا للدستور الكوري، يتوجب على الرئيس إلغاء الأحكام العرفية عند طلب أغلبية الجمعية الوطنية ذلك. وفي أعقاب التصويت، أعلن رئيس الجمعية الوطنية وو وون شيك أن القرار أصبح "باطلًا ولاغيًا"، داعيًا القوات العسكرية إلى الانسحاب الفوري. وأضاف: "نحن هنا لحماية الديمقراطية والوقوف إلى جانب الشعب في وجه القرارات التي تهدد حكم القانون". تحدي المؤسسات لقرار الطوارئ على الرغم من إعلان الرئيس حالة الطوارئ، تجاهلت المؤسسات التعليمية القرار، وأكدت وزارة التعليم أن المدارس والجامعات ستواصل العمل بشكل طبيعي. وقالت الوزارة في بيان: "العملية التعليمية لن تتأثر بمثل هذه القرارات الاستثنائية". كما أعلنت القوات العسكرية انسحابها من محيط الجمعية الوطنية بعد ساعات من الإعلان، في تأكيد على التزام بعض المؤسسات بالقرارات الديمقراطية. احتجاجات شعبية وغضب سياسي شهدت الشوارع الكورية، وخاصة في مدينة جوانغجو، موجات غضب واسعة، حيث توافد الآلاف للتعبير عن رفضهم للأحكام العرفية. وعلت هتافات المواطنين المطالبة برحيل الرئيس، ووصفت لجنة طرد يون سوك يول القرار بأنه "اعتداء صارخ على الديمقراطية". على الصعيد السياسي، اتهم زعماء المعارضة الرئيس بالسعي لتقويض المؤسسات الديمقراطية. وقال زعيم حزب الشعب التقدمي: "هذا القرار يعيدنا إلى حقبة الأنظمة العسكرية التي عانت منها كوريا الجنوبية في الماضي". فضائح إدارية داخل الحكومة كشفت الأحداث عن فجوات كبيرة داخل الإدارة الحكومية، إذ أفادت صحيفة "كوريا تايمز" أن وزير الدفاع كيم يونج هيون تجاوز رئيس الوزراء وأصدر قرارات مباشرة بالتنسيق مع الرئيس. كما تم نشر قوات نخبة عسكرية في محاولة لمنع انعقاد جلسة البرلمان، ما أثار غضبًا شعبيًا وسياسيًا واسعًا. دروس وتداعيات سياسية أظهرت هذه الأزمة أن الديمقراطية في كوريا الجنوبية ليست مجرد إطار قانوني، بل منظومة راسخة قادرة على التصدي للتحديات. ومع تصاعد المطالب بمحاسبة الرئيس، يتوقع أن تكون لهذه الأحداث تداعيات سياسية عميقة قد تؤثر على مستقبل القيادة في البلاد. في خضم هذه الأزمة، برزت كوريا الجنوبية كنموذج ملهم للدول التي تسعى للحفاظ على مكتسباتها الديمقراطية، مؤكدة أن إرادة الشعب تظل القوة الأقوى في وجه القرارات الاستثنائية.