في مشهد سياسي غير مسبوق في عصرها الحديث، تعيش كوريا الجنوبية أجواء من الصدمة والذهول بعد إعلان الأحكام العرفية ورفعها في غضون ساعات قليلة. القرار المفاجئ أثار تساؤلات حول مآلات الديمقراطية الكورية ومستقبل الرئيس يون سوك يول السياسي، في ظل دعوات لاستقالته ومطالبات بالمساءلة. فكيف أثّر هذا القرار على المشهد الداخلي في كوريا الجنوبية؟ خطوة مفاجئة تعصف بالديمقراطية في ساعات متأخرة من الثلاثاء، أعلن الرئيس الكوري الجنوبي "يون سوك يول" حالة الطوارئ في البلاد بفرض الأحكام العرفية، مبرراً القرار بضرورة التصدي لما وصفه ب"القوى المناهضة للدولة". إلا أن البرلمان، الذي يهيمن عليه حزب المعارضة، رفض القرار بالإجماع في الساعات الأولى من صباح الأربعاء. وقد أثار هذا الإعلان صدمة واسعة، حيث تمّ تمريره دون إخطار مسبق للجهات المعنية، بما في ذلك الولاياتالمتحدة، الحليف الاستراتيجي لكوريا الجنوبية. البرلمان ينتصر للديمقراطية بعد ساعات قليلة من إعلان الأحكام العرفية، استجاب الرئيس "يون" لطلب البرلمان بإلغائها. وأعلن قراره في خطاب أشار فيه إلى "تصميمه على إنقاذ الأمة"، لكنه أقر بضرورة احترام سلطة الجمعية الوطنية. قرار البرلمان، الذي حاز إجماع 190 نائباً من 300 آخرين، أعاد الأمل في المؤسسات الديمقراطية، ولكنه في الوقت ذاته فتح الباب أمام مواجهة سياسية شرسة بين الرئيس والمعارضة. المعارضة تطالب باستقالة الرئيس طالب الحزب الديمقراطي الكوري، أكبر أحزاب المعارضة، الرئيس يون بالاستقالة الفورية، وهدد بإجراءات عزله إذا لم يمتثل. وجاء في بيان المعارضة "أن إعلان الأحكام العرفية يمثل انتهاكاً واضحاً للدستور"، مشددة على أن الخطوة تعكس فشلاً في الالتزام بالمعايير الديمقراطية. وأثار القرار غضباً واسعاً بين المواطنين، حيث استرجع العديد منهم ذكريات الأحكام العرفية في ثمانينيات القرن الماضي، وعبّر الكوريون عن قلقهم من تداعيات هذا الإجراء على الديمقراطية والاستقرار الاقتصادي. وفي تجمع شعبي أمام مبنى الجمعية الوطنية، رفع الآلاف شعارات تطالب بتنحي الرئيس، معتبرين أن الخطوة تمثل انتكاسة خطيرة. تحالف في موقف حذر رحبت الولاياتالمتحدة برفع الأحكام العرفية، مؤكدة على أهمية احترام الديمقراطية كقاعدة للتحالف بين البلدين. ومع ذلك، أعربت واشنطن عن قلقها من عدم الإخطار المسبق، مما يعكس تراجع الثقة بين الحليفين في إدارة الأزمات. ورغم أن الرئيس يون تمكن من احتواء الأزمة عبر رفع الأحكام العرفية سريعاً، إلا أن الدعوات لاستقالته والمخاوف الشعبية تشير إلى أزمة ثقة عميقة، واستعادة هذه الثقة تتطلب خطوات حاسمة نحو تعزيز الديمقراطية واحترام المؤسسات. نقطة تحوّل ما حدث في كوريا الجنوبية ليس مجرد حدث سياسي عابر، بل نقطة تحوّل تكشف هشاشة الديمقراطية حتى في أكثر الأنظمة استقراراً. وبينما تتابع البلاد تداعيات هذه الأزمة، يبقى السؤال الأبرز: هل يستطيع الرئيس يون استعادة شرعيته السياسية وسط عاصفة من الانتقادات؟