في خضم التوترات المتزايدة في سوريا، تُثار المخاوف بشأن استغلال الفراغ الأمني من قبل جماعات متشددة مثل داعش، وإمكانية صعود حركات الإسلام السياسي في ظل غياب حلول جذرية للأزمة، في هذا الصدد سلطت تصريحات دولية، أبرزها من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونظيره التركي، الضوء على أهمية حماية المدنيين ووقف التصعيد لتجنب كارثة إنسانية وأمنية جديدة. ملامح أزمة متجددة شهدت إدلب تصعيدًا عسكريًا لافتًا مع تحركات مفاجئة لقوات هيئة تحرير الشام التي أعادت تنظيم صفوفها في ظل تعقيدات المشهد السوري، ووفقًا لتقارير ميدانية، فإن التحرك العسكري جاء نتيجة تراكم التوترات المحلية وضعف الاستقرار في المنطقة. الظروف الراهنة تشير إلى تحديات كبيرة أمام الأطراف الفاعلة في سوريا، إذ ان ضعف البنية التحتية واستمرار النزوح الداخلي يفاقمان من معاناة المدنيين، فيما يعكس التصعيد الأخير حالة عدم الاستقرار التي قد توفر بيئة مواتية لتصاعد الجماعات المسلحة. هيئة تحرير الشام، التي بقيت في المشهد كمجموعة محلية في إدلب، تسعى إلى تقديم نفسها كقوة مسيطرة، مع محاولات لتحسين صورتها أمام العالم. إلا أن التاريخ القريب، وخاصة مع وجود قيادات مثل أبو محمد الجولاني، يجعل المجتمع الدولي يتابع بحذر أي تغييرات في خطاب هذه الجماعة أو أهدافها المستقبلية. قوات هيئة تحرير الشام هل يعود داعش بقوة؟ داعش، الذي تراجع حضوره العلني بعد خسارته لمعاقله في سوريا والعراق، لم يختف تمامًا، إذ ان تنظيم أعاد بناء شبكاته في المناطق النائية، معتمدًا على خلاياه النائمة التي تستغل الفوضى في المناطق الحدودية. فيما تشير التقارير إلى أن تصاعد العنف في سوريا قد يكون فرصة لداعش لإعادة تنظيم صفوفه واستهداف مناطق جديدة. المشهد الحالي في سوريا، وفقًا لتحليل Crisis Research Institute، يعيد للأذهان اللحظة التي ظهر فيها داعش للمرة الأولى، إذ ان تنظيم داعش استغل حينها انهيار البنية الأمنية لتوسيع نفوذه، واليوم قد يجد في الفوضى الحالية فرصة مماثلة لإحياء نشاطه. انعكاسات الأزمة على الإقليم الأزمة السورية تحمل أبعادًا إقليمية تتجاوز حدودها الجغرافية، فالتدخلات الإقليمية المستمرة تسعى إلى تحقيق مصالح استراتيجية، مما يخلق حالة من التوازن الهش في المنطقة. في الوقت نفسه، تتزايد المخاوف من امتداد العنف إلى دول الجوار، خصوصًا في ظل تزايد أعداد اللاجئين الذين يشكلون تحديًا إنسانيًا واقتصاديًا للدول المستقبلة. هل تنتهز حركات الإسلام السياسي الفرصة؟ تاريخيًا، استغلت حركات الإسلام السياسي الأزمات الكبرى لتعزيز نفوذها وإعادة تقديم نفسها كبديل سياسي. الأزمة السورية قد تفتح المجال لهذه الحركات لتوسيع خطابها وجذب مزيد من الدعم الشعبي والدولي، خاصة في ظل غياب حلول سياسية شاملة. الأزمات الإنسانية والصراعات المحلية تُعدّ دائمًا بيئة خصبة لحركات كهذه، حيث تقدم نفسها كقوة منظمة تستطيع ملء الفراغ الناجم عن الأزمات. سوريا ليست استثناءً من هذه القاعدة، ما يجعل المستقبل مفتوحًا على احتمالات عدة. الفوضى كمهد لنهوض حركات الإسلام السياسي لطالما شكلت الفوضى بيئة خصبة لنشوء وتطور حركات الإسلام السياسي، التي تستغل غياب الدولة وضعف المؤسسات لتقديم نفسها كبديل قادر على تحقيق النظام والعدالة، وفق رؤيتها الأيديولوجية. من أبرز الأمثلة على ذلك صعود تنظيم القاعدة في أفغانستان خلال تسعينيات القرن الماضي، حيث استفاد التنظيم من حالة الفراغ السياسي التي خلفها انسحاب الاتحاد السوفيتي عام 1989. في ظل غياب سلطة مركزية قوية، تمكنت القاعدة من بناء شبكاتها واستقطاب مقاتلين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، مُقدِّمة خطابًا أيديولوجيًا يجذب المحبطين من الأوضاع السياسية والاجتماعية. هذه الظروف سمحت لها بتحقيق نفوذ واسع، لتصبح نموذجًا لما يمكن أن تحققه الجماعات الإسلامية المتشددة عندما تتوفر لها بيئة مضطربة تغيب عنها سلطة القانون.