فى حديث سابق قال د.أحمد جمال الدين موسى الكاتب المفكر وزير التعليم الأسبق: إن الحياة «رحلة» يتوقف فيها الإنسان أمام بعض المحطات بينما يمر سريعا على الأخرى..».. ومصداقا لنظرته جاءت فى كتابه «مشاهد تنبض فى ذاكرة مثقوبة» الصادر حديثا عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب» لقطات ومشاهد من حياته، فقد خط فيه بعضا من سيرته ومشاعره تجاه العائلة، والقرية التى ينتمى إليها، وعن تجربته فى التعليم بحلوها ومُرها، وانخراطه فى منظمة الشباب، وتجنيده ومشاركته وقائع حرب أكتوبر كضابط احتياط. ونقف هنا عند محطة من سيرته الذاتية، وهى من وقائع حرب أكتوبر التى عاشها كضابط احتياط فيذكر: رأيت للمرة الأولى الساتر الترابى الذى أقامه الإسرائيليون فى مواجهتنا، كما شاهدت التبّات الاصطناعية العالية المتفرقة التى أقامها الجيش المصرى على الضفة الغربية للقتال بما يسمح للدبابات التى تصعدها برؤية ومهاجمة قوات العدو خلف ساتر خط بارليف. عندما وقفت على شط القنال، رأيت بوضوح ضباطا وجنودا إسرائيليين فى مواجهتنا، يفعلون ما نفعل من رؤية واستطلاع واستخدام للنظارات المكبرة. ويوم صدرت لنا الأوامر بالاستعداد لمغادرة مواقعنا للتحرك شرقا باتجاه قناة السويس فى وثبة فى حدود خمسة كيلومترات، وسط الحقول وبين الأشجار وداخل القرى القريبة شبه المهجورة فى منطقة «سرابيوم» جنوبالإسماعيلية، تملكنى حينئذ اليقين أن الحرب ستبدأ قريبا، وفى الحادية عشرة من يوم 6 أكتوبر تم إبلاغنا أن ساعة الصفر هى الثانية من بعد ظهر اليوم، وموعد عبور كتيبتنا للقناة هو الساعة س+ 2 أى الرابعة عصرًا، وأننا سنبدأ فى تمام الثانية تحركا بطيئا على الأقدام بدون مركبات فى اتجاه شط القنال حتى نصله فى الموعد المحدد لعبورنا. فى تمام الساعة الثانية عبرت فوق رؤوسنا عشرات الطائرات فى اتجاه القنال، فتيقنا أن الحرب بدأت بالفعل.. بعد مضى نحو خمس دقائق صك آذاننا هدير قذائف متواصلة أطلقتها من أمامنا ومن خلفنا مئات المدافع من أعيرة مختلفة فى الوقت ذاته تقريبا، بدأنا تحركنا باتجاه القنال مرتدين فوق «الأفرول» شدّة القتال التى تحتوى على وجبات تعيين جاف وزمزمية وجاروف صغير وذخائر ووقود جاف وبعض المتعلقات التى تلزم المقاتل أثناء المعركة.. ثم يذكر جمال الدين: من أبرز المشاهد المؤثرة فى حياتى لحظة إطلالتى من فوق الساتر الرملى لخط بارليف باتجاه أرض سيناء المنبسطة أمامى ونحن نتقدم إليها فى تشكيل القتال المفتوح.. وفى صباح 8 أكتوبر، صعدنا إلى عربتنا المدرعة فى تشكيل قتالى لتطوير الهجوم، كانت إلى جانبنا الدبابات الملحقة على لوائنا وخلفنا عربات «اليونيمج» العسكرية تحمل المدافع المضادة للدبابات والمضادة للطيران وبعض التجهيزات الضرورية. ومن البطولات والمعارك العديدة التى رواها المؤلف خلال الحرب، نذكر إحدى المعارك وهى محاولة العدو الاستيلاء على تبة «الطالية» التى هى كتيبة النسق الثانى «ك8» ويقع بها مركز قيادة اللواء، يذكر أن الإسرائيليين خسروا فيها نحو 40 دبابة فى الصباح، ونحو20 دبابة أخرى حينما حاولوا إعادة المحاولة مساء.. ويذكر كان هناك انتصار عظيم فى معركة شرسة، لم يكن من السهل علينا أو على العدو توقع نتيجتها، لكننى أعتقد أن تفوقنا رجع لثلاثة أمور: أولا شجاعة المقاتلين وتمسكهم الذى لا يتزعزع بالأرض، ثانيا: القيادة الذكية والمتميزة للمعركة من قائد الفرقة عبد رب النبى حافظ الذى نصب كمينا محكما للعدو، وثالثا: الفاعلية الكبيرة للسلاح الأكثر تأثيرا فى هذه المعركة وفى حرب العبور بصورة عامة، وهو قاذف مالوتكا الصاروخى المضاد للدروع الذى أحسن مقاتلونا استخدامه.