تواجه ماريان لوبان زعيمة المعارضة الفرنسية والمرشحة الرئاسية السابقة منعطفا خطيرًا في حياتها السياسية بعدما طالبت النيابة العامة بسجنها وآخرين، وتغريمها ومنعها من ممارسة السياسة، في القضايا المتهمة فيها والمتعلقة بالاختلاس والتزوير وإنشاء نظام احتيالي للإنفاق على حزب التجمع الوطني من أموال البرلمان الأوروبي. «إنهم يريدون تدمير الحزب وحرمان الفرنسيين من التصويت الحر».. هكذا علقت ماريان لوبان على لائحة الاتهام الصادرة ضدها من الإدعاء العام الفرنسي، وبحسب لوفيجارو، أكدت أن هدفهم الوحيد من وراء ذلك هو منعها من أن تكون مرشحة حزبها بالانتخابات الرئاسية 2027، لافتة أنهم يريدون الفرنسيين عميان وأصماء. ووفق لائحة اتهام النيابة العامة، التي صدرت بعد شهر ونصف تقريبا من فتح باب التحقيق، يحاكم 25 شخصًا من بينهم لوبان، في قضية عرفت باسم المساعدين البرلمانيين، حيث كانت زعيمة المعارضة في مركز نظام منظم لاختلاس الأموال العامة، داخل جدران البرلمان الأوروبي. ويشتبه في قيام المتهمين، بين عامي 2004 و2016، بإنشاء «نظام اختلاس» أموال يدفعها الاتحاد الأوروبي بهدف توظيف متعاونين برلمانيين، من أجل تمويل الأنشطة السياسية للحزب اليميني المتطرف، وقدرت الأضرار بنحو 7 ملايين يورو من قبل البرلمان الأوروبي. وطالب الإدعاء في لائحة الاتهام بسجن مارين لوبان خمس سنوات، منها سنتان في السجن يمكن تعديلهما، وخمس سنوات من عدم الأهلية، فضلا عن غرامة قدرها 300 ألف يورو، وطلبت النيابة العامة أن يكون حكم عدم الأهلية مصحوبًا بإعدام مؤقت، أي أنه سيطبق فور الإدانة، بما في ذلك عند الاستئناف. بداية القضية في 20 يناير 2014، تلقى المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال بلاغا من مجهول عن احتمال وجود احتيال، محذرًا من حالات التوظيف الوهمي التي تتم من جانب الجبهة الوطنية ورئيستها آنذاك مارين لوبان، التي جلست في البرلمان الأوروبي من 2004 إلى 2017. بموجب ذلك فتحت هيئة مكافحة الاحتيال الأوروبية تحقيقًا إداريًا، ودققت في أنشطة اثنين من الأصدقاء المقربين لمارين لوبان، وهما كاثرين جريسيه، رئيسة موظفيها، وتيري ليجييه، حارسها الشخصي، وكلاهما تم تقديمهما أيضا كمساعدين برلمانيين لها. وكشف التحقيق، وفقا لصحيفة لوباريسيون؛ أن كاثرين جريسيت، وهي الآن عضوة في البرلمان الأوروبي، قضت فقط 740 دقيقة، أو حوالي اثنتي عشرة ساعة في البرلمان الأوروبي، عندما كان من المفترض أن تكون مساعدة، بين أكتوبر 2014 وأغسطس 2015، كما وصف التقرير أيضا وجود توظيف وهمي لحارسها الشخصي داخل البرلمان الأوروبي . ولكن في مارس 2016 اتخذت القضية أبعادًا أكبر حيث أحال رئيس البرلمان، مارتن شولتز، المخالفات المحتملة المتعلقة بالرواتب المدفوعة للموظفين الآخرين إلى المكتب الأوروبي لمكافحة الغش، وأبلغت وزارة العدل الفرنسية بهذه التحقيقات، بعد أن لاحظ أن عشرين مساعدًا برلمانيًا ظهروا أيضا في الهيكل التنظيمي للجبهة الوطنية، بل أن بعضهم يشغل مناصب رئيسية مع مارين لوبان والرئيس الفخري السابق للحزب، جان ماري لوبان. و قدر البرلمان الأوروبي الأضرار الناجمة عن هذا النظام بنحو 6.8 ملايين يورو، بين عامي 2004 و2016، وطولبت بسداد ما يقرب من 340 ألف يورو، وهو مبلغ يعادل راتب كاثرين جريسيه وتييري ليجير. رفضت زعيمة المعارضة ذلك الوقت دفع المبالغ المطلوبة، وأمام ذلك اوقف مكتب الخدمات المالية بالبرلمان الأوروبي صرف مكافآتها وهددوها قبل مغادرتها بروكسل بقرار استرداد قابل للتنفيذ أمام المحكمة، ولم تدفعهم إلا في يوليو 2023، وأوضح محاميها أن دفعها للمبلغ لا يشكل بأي حال من الأحوال اعترافا صريحًا أو ضمنيًا بمطالبات البرلمان الأوروبي. ساءت الأمور بعد ذلك بسبب تقرير مارتن شولتز، حيث فتحت العدالة الفرنسية تحقيقا أوليًا في مارس 2015 بتهمة خيانة الأمانة، معتبرة أن هذه الوقائع قد تكون مشابهة لتهمة تمويل حزب غير قانوني. وأدت التحقيقات، التي أسندت إلى المكتب المركزي لمكافحة الفساد والمخالفات المالية والضريبية، إلى سلسلة من عمليات التفتيش، لا سيما في مقر الجبهة الوطنية وجمع المحققون الشهادات والوثائق المتعلقة بالتوظيف. احتيال جماعى ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، وفتح تحقيق قضائي في ديسمبر 2016 يتهمها بخيانة الأمانة، وإخفاء الأمانة، والاحتيال الجماعي المنظم، والتزوير واستخدام التزوير، والعمل المستتر، ووفقا للاتهامات كشفت الوثائق المكتشفة عن إنشاء نظام احتيالي، شارك فيه عدد من المسؤولين التنفيذيين في الجبهة الوطنية. أكثر من عشرين لائحة اتهام، واجهتها زعيمة المعارضة الفرنسية ماريان لوبان منذ بدء التحقيق في القضية، وفي ديسمبر 2023، وصلت نهاية التحقيق الذي دام تسع سنوات، حيث طلب قضاة التحقيق إحالة الجبهة الوطنية وسبعة وعشرين من قياداتها وموظفيها إلى العدالة. جرائم خطيرة وتحاكم رئيس حزب الجبهة الوطنية بتهمة اختلاس الأموال العامة والتواطؤ، وهي جرائم يعاقب عليها القانون الفرنسي وفقا لوسائل الإعلام بالسجن لمدة تصل إلى عشر سنوات وغرامة قدرها مليون يورو وخمس سنوات من عدم الأهلية. واعتبر الادعاء العام في لائحة الاتهام أن مارين لوبان لعبت دورًا مركزيًا في هذه القضية من خلال توظيفها لأربعة مساعدين وهميين، ومتواطئة بالتحريض كرئيسة في عهد الجبهة الوطنية، لافتة إلى أن هذا النظام المنظم يهدف إلى توفير الأموال للحزب اليميني المتطرف باستخدام المظاريف الشهرية لأعضاء البرلمان الأوروبي في تحد للقواعد الديمقراطية. وبالإضافة إلى ماريان لوبان، وحزب الجبهة الوطنية، الذين تمت محاكمتهما ككيان قانوني، هناك العديد من الأعضاء أو الأعضاء السابقين في حزب الجبهة الوطنية من بين المتهمين، وطالب المدعي العام بإدانة جميع المتهمين بأحكام سجن متفاوتة ومبلغ 4.3 ملايين يورو، تم تعليق 2.3 مليون منها، أو دفع 2 مليون على الفور. من جانبه دافع حزب الجبهة الوطنية عن تلك القرارات مشيرين إلى أن المساعدين البرلمانيين ليسوا مسؤولين بسيطين في البرلمان الأوروبي، لكن لديهم دورا فنيا وسياسي، مضيفين إلي أن لديهم الحق الكامل، علاوة على ذلك، في القيام بأنشطة عسكرية . واكد قيادات الجبهة الوطنية الفرنسية إلى أنه لا ينبغي مصادرة مسار الديمقراطية الفرنسية من الناخبين، مشددين على أن المصير الديمقراطي للفرنسيين يجب أن يتقرر في صناديق الاقتراع وليس في قاعات المحاكم المسيسة. كما أبدت الجبهة استغرابها مما وصفته ب القسوة والانتقام من مارين لوبان، مؤكدين أن طلبات المدعي العام الفاضحة من وجهة نظرهم تهدف إلى حرمان ملايين الفرنسيين من أصواتهم في عام 2027. وشددوا على أنه هجوم على الديمقراطية، لافتين إلى أنه مهما كانت الخلافات فمن المؤكد أنه ليس من اختصاص العدالة أن تقرر من يمكنه الترشح. ومن المقرر أن تستمر المحاكمة داخل محكمة جنايات باريس حتى 27 نوفمبر، ومن المتوقع صدور القرار مطلع عام 2025. اقرأ أيضا: «لا يمثل الفرنسيين الفقراء».. لوبان تهاجم مبابي بعد دعوته لعدم التصويت لحزبها