وأحيانا يكون التاريخ مرعبا ومليئا بالألغاز، ويُحكى وتخال أنه من بطن الأساطير القديمة التى ولدت من نسج الخيال، وتثير حفيظتنا أن نرى صورة الإنسان فى تلك المرويات التاريخية فى أبشع سلوكياته وهى الخيانة، ومع أسف نتعرف من حكايات التاريخ كما يرويها «بنكهة الدم» أن الخيانة شكلت أهم أحداث التاريخ على مر العصور، وزينت صفحاته بلون الدم. لا يمكن أن تمحو صفحات التاريخ الدموية، وتتبدد كما تتبدد ذرات التراب فى الهواء، فالتاريخ يبقى موجودا شاخصا، وشاهدا على نذالة البشر، وربما على سمو البعض منهم، ومع ذلك لا يمكننا أن نرى أى حدث كبير أو نجاح أو انتصار فى حرب ما أو حتى ثورة دون أن نستنشق فيها رائحة الخيانة. فى التاريخ وفى كل الأزمنة كان هناك صراع على الكرسى، رأيناه فى كسرى الفرس وأولاده، وعرفناه فى معركة صفين، وخبرناه فى بطولات الحجاج وأبى العباس السفاح، ومر بنا فى اغتيال شجرة الدر لزوجها أيبك، وقد بقيت عبارة «حتى أنت يابروتس» رمزا للخيانة ومثلا يستخدم للتعبير عن الدهشة للخيانة من أقرب الناس، ومن المتواتر أن العبارة قيلت على لسان «يوليوس قيصر» حين تم طعنه بغتة عدة طعنات، لكن طعنة بروتس -وهو من أقرب أتباعه- كانت الفاصلة فى مقتله، وقد اشتهرت العبارة بعدما كتبت فى مسرحية وليم شكسبير «يوليوس قيصر». اقرأ أيضًا | من الموال إلى الراب| إمبراطورية الارتجال.. تاريخ الغناء الشعبى باللون الأحمر وكما يذكر راوى التاريخ الدموى هنا- إيهاب الحضري- عن بعض نماذج التاريخ المكللة باللون الأحمر فى كتابه «بنكهة الدم» قائلا: «.. قصصه مكتوبة باللون الأحمر، نتيجة صراع وحشى على كرسى السلطة، يقتل فيه الأخ شقيقه، ويهدر الابن حياة والدته، ويدس الأب السم لولده! ووسط ذلك تبرز قصص الخيانة لتمنح المشهد إثارة إضافية تشبه ما نقرؤه حاليا بصفحات الحوادث ونشاهده فى أفلام الجريمة». ورغم كل ما جاء فى روايات تاريخنا كما سرده «الحضري» بكتابه يحذر من أن: «التركيز على التاريخ الدموى لا يستهدف إطلاقا المساس بعظمة حضارتنا أو التشكيك فى مختلف العصور». وتحذير آخر يضمه بالمقدمة أيضا ويوضح: «سوف تتكرر كلمة «ربما» أكثر من مرة فى الصفحات القادمة: لأن اليقين المطلق أكذوبة، صحيح أن الوقائع كلها حقيقية، غير أن كثيرا منها ارتبط بمساحات ضبابية، تفتح الباب أمام الخيال لاستكمال تفاصيل غامضة، وربما يكتسب التاريخ جاذبيته من هذه النقطة تحديدا، لأنها تمنحنا القدرة على الاستنتاج وتبنى وجهات النظر». ومن خلال (19) حكاية تاريخية يروى لنا «الباحث» حوادث تاريخية يتجلى فيها عنف البشر للاستيلاء على المغانم والمكاسب متمثلة فى الصراع على السلطة أو الكرسى كما يذكر، ولا نتعجب أن للمرأة نصيبا وافرا فى الخيانة السياسية، وفى محاولة التشبه بالرجال حتى فى الملامح الخارجية. للكبار فقط تحذير وتنبيه أخير يورده «الحضري» عن الكتاب وحكاياته ولمن يقرؤه: «حكايات هذا الكتاب «للكبار فقط» لا لأنه يتضمن مشاهد جريئة، بل لكونه يقدم نماذج من تاريخ خفى ارتبطت أحداثه بالدم، قصصه مكتوبة باللون الأحمر، نتيجة صراع وحشى على كرسى السلطة، صحيح أن القصص كلها من المؤامرات للفوز بكرسى الحكم. فالكتاب اختار مناطق شيقة لا يعرفها الكثيرون، تشبه ما نتابعه فى صفحات السينما وأفلام الجريمة، تآمر فيها الابن على أبيه، ودس السم لولده، وضبطت الملكة زوجها مع أمها فى وضع مخل، تتعدد أسماء أبطال الحكايات، غالبيتهم غير معروفين مثل «نبت إقرت، و«سمج كارع» و«ابن السلعوس» و«ابن غراب»، وآخرون معروفون ك«رمسيس الثالث، وكليوباترا «وقطز» ومحمد على «والخديوي إسماعيل»، الأخير تحديدا كان محور مؤامرة مجهولة رغم شهرته حيث فكر الشيخان «جمال الدين الأفغاني» و«محمد عبده» فى اغتياله. حفريات تاريخية لعل ما سوف تلاحظه بداية من خلال قراءتك للحكايات التاريخية التى يتم سردها هو اهتمام صاحبنا ب«الحفريات التاريخية» مما يجعلك تكتشف من خلال تلك الحكايات أنك سوف تقرأ، وترى تاريخا مغايرا لما تعودت على قرأته فى الكتب الدراسية، أو حتى فى الكتب التاريخية التى تعرض للجمهور مباشرة، وستجد صورة البشر فى أحط صورهم حين يتخلون عن أخلاقياتهم، بل وإنسانيتهم وينصاعون للفكر الشيطانى فى سبيل عرض زائل، وستفاجأ مصداقا لقول الله تعالى: «قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو». ولن تفارقك الدهشة وأنت تستعرض مع «الحضرى» حكايات من تاريخنا المصرى بدءا من التاريخ الفرعونى وارتباطها بما فعله «محمد على» بداية عصر نهضته، وحكاية الرشاوى الجنسية لممثلى العدالة حتى فى العصر الفرعونى، وحلقة من حلقات مسلسل المؤامرات فى العصر الفاطمى، حيث ضبطت الزوجة الملكة «برنيكى الثانية» حاكمة برقة زوجها فى وضع مخل مع أمها، فقتلت الزوج الخائن، وقيل عفت عن الأم، ورواية عن تحول الأم إلى «ضرة» لابنتها، وعن كليوباترا وسجادتها الشهيرة، وكيف تلاعبت بقادة العالم، ثم ينتقل بنا إلى زمن الحكم الفاطمى والفراش الحالم بالخلافة، وحكاية الوزير الذى استمر فى وزارته لمدة نصف يوم، ويطير بنا للحكم المملوكى، وكيف تم القضاء على قطز الذى أوقف المد التتارى الهمجى على مصر والعالم، وحكاية الأرنب الذى ساهم فى القضاء عليه، وكيف تسبب ابن السلعوس التاجر الدمشقى فى مصرع السلطان «خليل»، وحكاية «الناصر فرج» و«ابن غراب» الذى توفى واعتبر البعض موته من بركات شهر رمضان. وينتقل بنا للعصر العثمانى بمصر خاصة بعد رحيل الحملة الفرنسية، وعودة مصر لقبضة آل عثمان ثانية، وما حدث من تآمر ومؤامرات للانفراد بالحكم وحتى الاستعانة والاستنجاد بالإنجليز «حملة فريزر» العدو التقليدى للفرنسيين لتثبيت سلطة أحد المماليك على مصر، وحكاية مقتل حفيدة محمد على بيد إحدى الخادمات، ونتعرف على مغامرات عباس حلمى الأول، وحكاية مصرعه الغامض، ثم حكاية إسماعيل المفتش وجواريه وتجارته بالدين، ومذكرات الزعيم «أحمد عرابى»، وكيف تضمنت حكاية المؤامرة التى تدبر لمقتل الخديو إسماعيل وتشارك فى وضعها الشيخان جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده، أحداث تاريخية أغرب من الخيال، لا تروى ولا تجدها سوى فى الكتب الاستثنائية. التاريخ عجائب وغرائب كلها حكايات يصدق عليها مقولة «حفريات تاريخية» لأنه لن يتمكن من العثور عليها سوى باحث نهم مغرم بالتاريخ وغرائبه، يحفر ويقرأ فى طبقات كتب التاريخ القديم والحديث وما يتيسر له منها، ويبحث ويدقق ليصل إلى ما يدهشنا ويثير فضولنا للاطلاع عليه، ونبدأ من هنا فى عرض سريع لبعض ما رواه «الحضرى» من غرائب وعجائب الأحداث التاريخية بصورة شديدة الاختصار نظرا لضيق مساحة العرض: يقظة الضمير الميت بعدما سمح ضمير الملكة «نيت إقرت» بسبك مؤامرة، وشارك معها بعض النبلاء لقتل أخيها، وذلك حتى تنفرد بحكم البلاد، واستمرت فى الحكم عامين وشهر ويوم من 2218 حتى 2216 قبل الميلاد، لكن فجأة استيقظ ضميرها وندمت على ما فعلت بأخيها لتفوز بكرسى الحكم، وهذه المرة عزمت على سبك مؤامرة بنفسها لقتل من شارك معها فى قتل أخيها لتتخلص من عذاب ضميرها الذى استيقظ بلا مبرر نعرفه، فأمرت بحفر بقعة فى الأرض، وصنع قاعة فخمة بها، وازينت القاعة، وبدت كأنها قطعة تتلألأ فى السماء، ودعت النبلاء الذين شاركوا معها فى مؤامرة قتل أخيها لحفل فى تلك القاعة، وحين اكتمل عددهم بالقاعة، تم إغلاقها عليهم، وفجأة جرى فتح قنوات سرية متصلة بنهر النيل، وبدأت المياه تتدفق بغزارة، وحاول النبلاء النجاة من الغرق، لكن فشلت محاولاتهم. أما الملكة أميرة الانتقام «نيت إقرت» فقد انتحرت فى مكان قريب بمجرد أن شعرت بالراحة لأخذ ثأر شقيقها من النبلاء ومن نفسها، ربما ما جرى يذكرنا بما فعله محمد على فى مذبحة المماليك، لكن محمد على لم ينتحر واستمر فى حكم مصر، لكن يقال إنه لم يسلم من الكوابيس ليلا بسبب هذه المذبحة، وقد فقد عقله فى نهاية حكمه. حاول صاحبنا التحقق من تلك الرواية، أى مما فعلته الملكة «نيت أقرت»، فوجد كتب التاريخ والمؤرخين فى تضارب حولها، وحول حياتها بل وفى حقيقة وجودها، فيقول: «الغموض أحد أهم أسباب الجاذبية، لهذا ستظل «نيت إقرت» محور اهتمام عشاق المناطق الضبابية فى التاريخ، فهى تمنحهم القدرة على الخيال غير أن المرأة لم تشغل هواة الحواديت فقط، بل جذبت اهتمام المتخصصين، ففى الجزء الرابع من موسوعة «مصر القديمة» يتحدث العالم الكبير د. سليم حسن «عن لبس ربما وقع فيه المؤرخون وخلطوا بين بطلة هذه الحكاية وملكة أخرى، عاشت قبلها بنحو أربعة قرون، إنها «خنت كاوس» ابنة الملك منقرع، الذى مات دون أن تهبه زوجته الرئيسة ولدا، غير أن ابنته «خنت كاوس» ورثت الدم الملكى، وتزوجت شقيقها» شبسكاف ابن إحدى محظيات الملك الراحل. رشاوى جنسية ما يهمنا فى تلك الحكاية هى محاولة النساء التأثير على القضاء بتقديم رشاوى جنسية، وبالفعل نجحت بعض المتهمات فى التأثير على اثنين من القضاة، بينما صمد القاضى الثالث أمام الغواية، وكان هو السبب فى كشف تلك الفضيحة، وتم توقيع العقاب على القاضيين المذنبين وعزلهما، ثم انتحر أحدهما بعد فترة وجيزة ليتخلص من عاره، وكانت القضية هى محاولة قلب نظام الحكم وتأجيج الاحتجاجات الداخلية فى البلاد، بالإضافة إلى الشروع فى قتل الملك. وتبدأ الحكاية من داخل القصر الفرعونى، حيث مجموعة من النساء يجتمعن داخل قاعة مغلقة بصورة تبدو عادية فمن بينهن «تى» إحدى زوجات الملك «رمسيس الثالث»، العاملون بالقصر يعتبرون ما يحدث مجرد لقاء عادى، تُسلى به الزوجة نفسها بجلسات النميمة، لانشغال الملك عنها بأخريات، أو بحروب عديدة خاضها دفاعا عن مصر، وعندما شعر أن نهايته اقتربت سعى لاختيار ولى عهده، وقرر أن الأنسب للمنصب هو ابنه «رمسيس الرابع» من هذه النقطة تحديدا، بدأت فكرة اجتماعات «كيد النساء»، فقد قررت «تى» أن ترسم سيناريو آخر، يقود ابنها «بنتاؤر» إلى عرش مصر بعد قتل والده، فى مؤامرة عرفت تاريخيا باسم «مؤامرة الحريم». واعتمدت «تى» فى خطتها على زوجات عدد من قادة الجيش والحرس الخاص بالملك، لكن لسوء الحظ بطريقة ما تم كشف المخطط، ووثقت بردية قديمة بمتحف تورينو الإيطالى، تفاصيل الخطة التى وقعت قبل نحو 3200 سنة. وكما يذكر الباحث: «رغم أن هناك أجزاء كثيرة مفقودة من بردية تورينو، إلا أن الباقى منها كشف تفاصيل خلدت هذه الحادثة، وفى موسوعة «مصر القديمة» نشر د. سليم حسن ترجمة البردية، وأشار إلى أنها تضمنت عدة قوائم للمتهمين. لكن ظهرت عدة مفاجآت مثيرة عند إجراء فحوص على المومياوات حديثا، نذكر منها ما حدث من فحص مومياء «رمسيس الثالث» فقد اتضح وجود جرح كبير أدى لقطع فقرات الرقبة، مما أدى لوفاته خلال دقائق، فهل يعنى ذلك أنه قتل فى مؤامرة تالية، أم أن المؤامرة تمت بنجاح، وأن محاكمة الجناة جرت بعد مصرعه؟ إذا كان الأمر كذلك فما حقيقة ما نسبته البردية له من أوامر بإجراء محاكمة عادلة للجناة؟!، نظريات عديدة حاولت تفسير ذلك، لكن، المهم أن آخر فراعنة مصر العظماء مات مقتولا. الملكة تتلاعب بالقادة يذكر «الحضرى» أن حكاية كليوباترا كانت كنزا للرواة: «فعشاق الرومانسية رأوا فى القصة حكاية غرام من العيار الثقيل، تنضم إلى غيرها من الرومانسيات التاريخية، فهى ترسم لوحة ل «كليوباترا» كعاشقة كرهت الحياة بعد رحيل حبيبها «مارك أنطونيو» غير أن سيرة حياة المرأة تؤكد أنها لم تكن عاطفية لهذه الدرجة، حتى إن البعض رجحوا أنها سربت خبرا كاذبا عن موتها كى تدفع العاشق المهزوم للتخلص من حياته سعيا لبدء لعبة جديدة، مع الحاكم الرومانى المنتصر «أو كتافيان» تحصد فيها المزيد من الأرباح، تتجاوز ما نالته من «يوليوس قيصر» و»مارك أنطونيو».. وأنصح بالعودة للكتاب للتعرف على التفاصيل. فكانت «كليوباترا» تعرف كيف تغزو قلوب الكبار، ويذكر الكاتب أنها: «رحلت الملكة الشابة وعمرها تسعة وثلاثون عاما، لكنها تركت تفاصيل تصلح لملء مجلدات، فضلا عن مساحات من الغموض تفتح أبواب الخيال على مصراعيها. أرنب يتسبب فى مقتل قاهر «التتار» ليس سرا أن فترة حكم المماليك لمصر اتسمت بالمؤامرات والفتن ومع ذلك يرجع الفضل لهم فى وقف المد التتارى والمغولى والحملات الصليبية، ومن أشهر تلك المؤامرات مؤامرة مقتل «سيف الدين قطز» فبعدما قضى على التتار فى موقعة «عين جالوت»، دبر «بيبرس البندقدارى» محاولة قتله الناجحة، فتذكر الحكاية: « عندما شاهد «قطز» أرنبا يجرى فاندفع وراءه ليصطاده، ابتعد عن جنوده ومضى خلفه عدد من الأمراء، اقترب منه «بيبرس البندقدارى»، اعتقد قطز أنه سيشكره على جارية مغولية فاتنة أهداها له، لكن بيبرس ضربه بالسيف، وعاجله بقية الأمراء بالطعنات حتى مات» وتلك الحادثة كانت بداية نقطة انطلاق عصر كامل من المؤامرات والدسائس التى لم تهمد حتى جاء محمد على وقضى على الوجود المملوكى بمصر. الاستقواء بحملة فريزر يوضح «صاحبنا» أن حملة الإنجليز لم تكن تفكيرا إنجليزيا بحتا إنما: «جاءت حملة فريزر عام 1807 نتيجة استقواء الأمير المملوكى الكبير «محمد بك الألفى» بالخارج بعد أن فشلت خطته لاستبعاد «محمد على» بالتعاون مع العثمانيين، فكتب أحد المؤرخين أن «طبخته للإطاحة بالوالى قد تلفت، لكن «الألفى» لم يستسلم وبدأ «طبخة» جديدة بمشاركة الإنجليز، الذين تربطه بهم علاقات جيدة، منذ مقاومته للفرنسيين ببسالة أدت لإحراجهم، وقبل وصول الحملة بقليل توفى «الألفى»، وشعر «محمد على» بالسعادة، حتى إنه قال: «الآن قد ملكت مصر». وصلت الأخبار بأن 42 مركبا إنجليزيا هاجمت الإسكندرية بالمدافع ثم دخلها الجنود، وعندما علم «فريزر» بموت الألفى، استدعى أمراءه للمساعدة، اختلف الأمراء فيما بينهم على الاستجابة للاستدعاء، ثم وجه القائد الإنجليزى حملة إلى مدينة رشيد، وعندما دخل الغزاة المدينة وجدوها خالية، اعتقد أنها استسلمت، فتخلوا عن حذرهم، إلى أن فاجأتهم الأهالى والجنود المتواجدون بالهجوم، وساعدت النساء بإلقاء المياه المغلية عليهم من شبابيك المنازل، قتل المواطنون كثيرين من أفراد الحملة، وأسروا بعضهم، وفر الباقون إلى دمنهور فهزمهم أهلها. الشيخان يفكران فى قتل «إسماعيل» تكشف مذكرات الزعيم «أحمد عرابى» عن واقعة شبه مجهولة فى تاريخنا، حيث أشار إلى أن «الشيخ جمال الدين الأفغانى» اقترح قتل «الخديو إسماعيل» خلال مروره على كوبرى قصر النيل، ووافق «الشيخ محمد عبده» على هذا الاقتراح. وقد تم طرح هذا الاقتراح قبل أن يتعرف الشيخان على «عرابى» حيث يعلق الشيخ «محمد عبده» قائلا: «كان الشيخ جمال الدين موافقا على الخلع، واقترح على أنا أن أقتل إسماعيل، وكان يمر فى مركبته كل يوم على كوبرى قصر النيل، ولكن كل هذا كان كلاما نتهامسه فيما بيننا، وكنت أنا موافقا الموافقة كلها على قتل إسماعيل، ولكن كان ينقصنا من يقودنا فى هذه الحركة، ولو أننا عرفنا عرابى فى ذلك الوقت، فربما كان فى إمكاننا أن ننظم الحركة معا، لأن قتل إسماعيل فى ذلك الوقت كان يعتبر من أحسن ما يمكننا عمله، وكان يمنع تدخل أوربا». رغم اقتناع «الشيخ محمد عبده» بأن اغتيال الخديو يمكن أن يغير مسار الأحداث إلى الأفضل إلا أنه يرى أن قتله لن يؤدى إلى إعلان الجمهورية، ويبرر ذلك بأن الجهل فى تلك الفترة كان مسيطرا على العقول. ويشير الحضرى إلى أن الخديو إسماعيل قبل عزله بفترة قصيرة كان يفكر فى الاستقلال عن العثمانيين، ولذلك طلب من مصانع إنجليزية تصميم اثنتين من أكبر المدرعات فى ذلك العصر، لكن الخيانة حالت دون ذلك، فقد سارع عمه «حليم باشا» بنقل الخبر إلى العثمانيين، فقد كان حليم باشا طامعا فى الحكم، وسريعا طلبت الدولة العثمانية من سفيرها فى لندن وضع يده على المدرعتين وإرسالهما إلى الآستانة. حكايات عديدة أخرى لها العجب يضمها كتاب «بنكهة الدم»، تستحق القراءة والتفرس وإعادة البحث، والنظر فيما خفى منها وما ظهر، ولذلك يشير الباحث الصحفى المؤلف «الحضرى» قائلا فى ختام كتابه: «انتهى الكتاب لكن صفحات التاريخ مفتوحة، تمنح كل عاشق للحكايات فرصة الغوص فيها».