أثار مسلسل سرايا عابدين عاصفة من الغضب نظرا لما يحتويه من أخطاء تاريخيه فادحة وصلت به إلى ساحات القضاء بعد أن قام المؤرخ د. ماجد فرج برفع دعوى قضائية للمطالبة بوقف عرضه إذ لم يظهر المسلسل الأعمال العظيمة التى قام بها الخديو إسماعيل مثل النهضة المعمارية والفتوحات الإفريقية، إنما ركز على جوانب ليس لها وجود. و كان الملك السابق أحمد فؤاد الثانى أصدر بيانًا أكد فيه أن منتجو مسلسل سرايا عابدين بدلا من أن يهتموا بإبراز الأعمال والإنجازات التى قام بها الخديو إسماعيل أهتموا بجانب لا وجود له إلا فى خيالهم ولا يمت للواقع بصله ، كما أنه ملئ بالمغالطات التاريخية والجغرافية والخلط فى الشخصيات الأمر الذى ينم عن جهل شديد بتاريخ أفراد الأسرة والوطن . وأضاف فى البيان: المسلسل كال الاتهامات للخديو وبعض زوجاته بالقتل والتأمر والفساد وسوء الخلق ولم يدخر جهدا فى تشويه صورة الجميع لا لشىء إلا لإنتاج عمل تجارى رخيص لا يهدف إلا للربح المادى على حساب سمعة من رحلوا، وأهاب الملك السابق بكل من بيده الأمر أن يتدخل لوقف ما وصفه بالمهزلة التى إذا كانت موجهة للخديو بشخصة إلا أنها، أيضا تمس سمعة مصر وتاريخها المجيد وتخل بصورتها أمام أبنائها من الأجيال القادمة التى سيترسخ فى أذهانها ما ورد فى هذا المسلسل من أكاذيب. أكتوبر توجهت إلى المتخصصين فى التاريخ الحديث والمعاصر لتسألهم عن الأخطاء التاريخية فى مسلسل سرايا عابدين فقالت نبيلة حبيب رئيس الإدارة المركزية للمتاحف التاريخية سابقا المسلسل حافل بالأخطاء التاريخية ومن أمثلها أن مقرات الحكم فى عهد الأسرة العلوية كانت عادة ما تنقسم إلى قسمين الأول السلاملك وهو المخصص للرجال والاستقبالات الرسمية أما الثانى فهو الحرملك ويخصص الطابق الأرضى فيه للخدم والجوارى، أما الطابق الأول فيخصص للمحظيات والزوجات الشرعيات وتدريب الجوارى والأطباء وما إلى ذلك، وقد قدم لنا المسلسل أن المكان قصر واحد يجتمع فيه الرجال والنساء. وأضافت أن الخديو إسماعيل أنجب ابنه وولى عهده توفيق من شفق نور وكانت جارية ولم يتزوجها إلا بأمر السلطان العثمانى عام 1866 عندما حصل على فرمان الولاية ولقب خديو وأسس مجلس النواب حيث نص الدستور على أن يكون ولى العهد من زوجة شرعية فوجب أن يتزوجها الخديو، وقد توفيت شفق نور بعد خمسة أعوام من تولى الخديو توفيق الحكم أى فى عام 1884 وكثيرا ما التقطت لها الصور الفوتوغرافية مع أحفادها الأمير محمد على والأمير عباس حلمى الثانى من زوجته أمينة إلهامى وقد أظهر المسلسل أن شفق نور أما للأميرة توحيدة والأميرة فاطمة وهذا خطأ فالأميرتان المذكورتان هن إبنتا شهرت فزا خانوم الزوجة الأولى والشرعيه للخديو إسماعيل، وكانت الأميرة فاطمة قد تبرعت ب 688 فدانًا من أملاكها وكافة مجوهراتها لبناء الجامعة المصرية. و تابعت: من ضمن الأخطاء التاريخية فى المسلسل وفاة الأمير أحمد فؤاد ابن فريال خانوم وهو صغير فكيف ذلك وقد حكم مصر وهو كبير، كما تجاهل المسلسل أسباب الخلاف بين الخديو إسماعيل وأخيه الأصغر مصطفى بهجت فاضل وعمه الأمير محمد عبد الحليم وهو فرمان الولاية الذى يخص أكبر أبنائه من بعده وليس أكبر إخوته من بعده وقد نفاهما الخديو إسماعيل خارج مصر لاعتراضهما على الفرمان وقام بتصفية أملاكهما. وأكدت حبيب أن أهم أخطاء المسلسل منذ أول حلقاته وحتى نهايته تناول حياة الخدم والجوارى بالتفصيلات وتجاهل إنجازات الخديو إسماعيل من حيث النهضة المعمارية فى بناء القصور العديدة الفخمة والحدائق التى استنبت فيها أندر البذور والنباتات وإدخال الإضاءه لأول مره فى مصر، وكذلك إدخال صنابير المياه النقية وإنشاء دور البريد لأول مرة وظهور أول طابع بريد فى مصر عام 1866 عليه صورة الخديو إسماعيل تزامنا مع ظهور أول طابع بريد للملكه فيكتوريا فى إنجلترا وبناء الأوبرا وإنشاء إدارة المطافئ وأول سيرك مصرى فى حديقة الأزبكية هذا غير إصلاح امتياز قناة السويس والذى أجحف حق مصر فى ما استغلته الشركة من أراض ومياه وكهرباء مجانا وحق أجور العمال الذى عملوا بالسخره فى حفر القناة وأضافت: كما طالب الخديو بتحديد عمر العمال من 18 عامًا إلى 21 عامًا وبأجر معلوم مما أدى إلى اعتراض الشركه والعرض على التحكيم الدولى وأصر الخديو على طلباته للمدافعة عن حقوق مصر المالية بينما قضى التحكيم بأن تدفع مصر تعويضا للشركة عما ستخسره مستقبلا على أن يتقاضى الخديو مقابلا لكل استفادة تجنيها الشركة على الأراضى المصرية من زراعة أراض واستغلال مياه وكهرباء وعماله وبناء منازل وخلافه. وتابعت: المسلسل أيضًا لم يشر إلى اكتشافات الخديو إسماعيل الجغرافية داخل إفريقيا لبحيرات فيكتوريا والبرت والتى سميت فى بداية اكتشافها بحيرة محمد على وبحيرة إبراهيم ثم تحولت أسماؤها إلى الأسماء السابقة بعد عزل الخديو عام 1879 وقد وصلت فتوحاته حتى مديرية خط الاستواء والتى رفع عليها العلم المصرى وأخذت لها عاصمه اسمها الإسماعيلية نسبة إليه مارا فى ذلك بفتح جنوب السودان والصومال وأجزاء من أوغندا مما دعا إلى تغيير العلم المصرى من نجمه واحده داخل هلال إلى ثلاث نجوم. أما د. جمال شقره أستاذ التاريخ المعاصر وعضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية ومدير مركز بحوث الشرق الأوسط والدراسات المستقبلية بجامعة عين شمس فقال إن الأخطاء التاريخية فى الأعمال الدرامية تقع نتيجة عدم اعتماد صناع العمل على مستشار تاريخى يكون متخصصًا فى الحقبة التاريخية التى تستمد الدراما التاريخيه منها قوامها، ومؤكدًا أن للكاتب الدرامى كامل الحرية فى ما يتعلق بالإبداع ولكن مادام تم الاعتماد على قاعدة تاريخية وأتيت بأسماء شخوص لعبوا أدوار مهمة فى تاريخ مصر فلابد من من الالتزام بالمعايير العلمية لكتابة الدراما التاريخية وهى الإلتزام بالزمان والمكان الذى وقعت فيه الأحداث وهو ما لم يلتزم به فى مسلسلى سرايا عابدين وصديق العمر. وأضاف شقره: أن النماذج والأمثلة للأخطاء التاريخيه فى مسلسل سرايا عابدين واضحه ومنها الإصرار على إظهار إسماعيل على أنه داعرا وحياته كانت قاصره على اللهو فيه مبالغه شديدة خاصة عندما نعرف أن هناك وجهات نظر أخرى خلال ذلك مشيرًا إلى أن الكاتب الأجنبى جون مارلو وصف إسماعيل أنه رجلا ذكيا ولم يكن داعرا وأنه راح ضحية المغامرين والنصابين والمحتالين والمرابين الذين جاءوا من أوروبا وهدفهم ضرب تجربة التنميه والتحديث التى قام بها إسماعيل لتلحق بتجربة جده محمد على كذلك الكاتب الإيطالى ماسيمو كمبانينى الذى أشاد بإسماعيل وقال إنه وضع ثلاثة أهداف، الأول الإستقلال عن اسطنبول ونجح فى تحقيقه أما الثانى فهو التوسع فى السودان وتكوين إمبراطورية عند مديرية خط الاستواء ويرتبط ذلك بإكتشاف منابع النيل وحتى يحافظ على نصيب مصر من المياه والأمن المائى المصرى وأخيرا هو تحويل مصر إلى دولة حديثة ولقد نجح الخديو إسماعيل فى تحقيق هذا الهدف بجدارة وما ميدان الإسماعيلية التحرير إلا دليل على ذلك فقد بناه الخديو بعد الإنتهاء من بناء قصر عابدين عام 1872 وأفتتح عام 1874، وخلال هذه الفتره أيضا شيد إسماعيل مجموعه من العمائر التى تضاهى العمائر الفرنسيه كما نجح فى المشاريع الخاصة بالبنيه التحتيه ونجح فى زيادة زراعة القطن وشق العديد من الترع وزادت الأراضى الزراعية حوالى ربع مليون فدان، أضف إلى ذلك مجلس شورى النواب وحديقة الحيوان والجمعية الجغرافية والأوبرا وافتتاح قناة السويس. وتابع: قصر عابدين الذى بدأت فيه الأحداث لم يبنى عام 1860 إنما فى ذلك العام كان عبارة عن بيت لعابدين باشا أحد قادة محمد على فاشتراه الخديو وضم إليه عددًا من الأراضى حوله ثم بدأ فى إنشائه ليظهر كتحفة معمارية عام 1872 ثم يفتتح كمقر للحكم عام 1874 ويظل هكذا حتى عام 1952 فكيف تبدأ الأحداث بأن القصر موجود عام 1860 ، كما أنه فى نفس العام أى 1860 لم يكن إسماعيل قد حصل على لقب الخديو إنما حصل عليه عام 1867 فكيف ينادى إسماعيل بلقب الخديو عام 1860، إضافة إلى ذلك لم يكن الخديو ينادى بجلالة الخديو إنما عظمة الخديو أو دولة الخديو أو جناب الخديو أما جلاله فلا تطلق إلا على الملك أو السلطان. أشار عضو الجمعية المصرية التاريخية بأن هناك خطأ تاريخى فى موعد ولادة الملك فؤاد مبكرا عن عمره 7 سنوات ففؤاد ولد بعد عزل إسماعيل عام 1879، ومن الأخطاء القاتلة فى سرايا عابدين القول والإدعاء بأن مصر كانت تعرف الإعدام بالمقصلة فقد كان إسماعيل خلال فترة وجوده فى فرنسا يستهجن هذا الأسلوب فى تنفيذ الإعدام، كذلك نقل صورة القصور العثمانية وإسقاطها على حياة القصور فى مصر التى لم تعرف كل هذا الكم من المؤامرات فقد كانت محدودة جدا بسبب تحديد فرمان 1867 لمسألة ولاية العرش. و قد أصدرت الجمعية المصرية للدراسات التاريخية بيانًا استنكرت فيه العبث بذاكرة الأمة ثم تلى ذلك بيان آخر طالبت فيه بوقف المسلسلين لما تزايدت الأخطاء وسوف يعقد مركز بحوث دراسات الشرق الأوسط مائدة مستديرة لمناقشة الأضرار الناجمة عن تزييف التاريخ فى الدراما التليفزيونية كما ستعقد الجمعية بالتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة مائدة مستديرة لمناقشة نفس القضية.