تفضّل السُّلطان هيثم بن طارق، سلطان عُمان، وشمل برعايته السّامية العرض العسكري الذي أقيم على ميدان الاستعراض العسكريّ بمعسكر الصّمود بقوّة السُّلطان الخاصّة بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني الرابع والخمسين المجيد للنهضة المتجددة. وشاركت في العرض العسكريّ وحدات رمزيّة تمثّل الجيش السُّلطاني العُماني، وسلاح الجو السُّلطاني العُماني، والبحرية السُّلطانية العُمانية، والحرس السُّلطاني العُماني، وقوّة السُّلطان الخاصّة، وشرطة عُمان السُّلطانية، بالإضافة إلى فرق الموسيقى العسكريّة المشتركة والرّاكبة. ومنذ أن تولى السلطان هيثم بن طارق، مقاليد عرش عُمان وعجلة التقدم مستمرة لا تتوقف وفق رؤية واضحة المعالم شارك في وضعها أبناء عُمان في كل مكان هي اليوم خارطة طريق نحو المستقبل "عُمان 2040" التي تدخل قريباً عامها الخامس، وأثبتت السنوات الأربع التي توشك على الاكتمال من عمر رؤية عُمان أن مستهدفاتها تسير من نجاح إلى آخر، وأن أهم ركيزة من ركائز هذه الرؤية أنها تؤسس لفكرة الاستدامة في كل القطاعات. مرحلة جديدة من النمو والازدهار الاقتصادي تقف سلطنة عمان على أعتاب مرحلة جديدة من الازدهار الاقتصادي، حيث تشارف «رؤية عمان 2040» على إكمال عامها الرابع على طريق النمو والتنمية المستدامة، وقد تحقق الكثير من المكاسب والمنجزات، وأصبحت عمان اليوم تنعم باستقرار اقتصادي ومالي وتنافسية استثمارية جيدة تمثّل أسسًا صلبة لتحقيق غاياتها الكبيرة والانطلاقة نحو المستقبل. وما بين عامي 2020 و2024 حدثت تغيرات جذرية في الأوضاع المالية والاقتصادية في سلطنة عمان، فقد تغلبت على التحديات الكبيرة التي هددت المركز المالي للدولة نتيجة العجز المالي المتراكم للميزانية وحجم الدين العام وضعف النمو. وكان لابدّ من التعامل مع تلك المخاطر وعلى رأسها الدين العام، كأولوية في عملية الإصلاح الشاملة، حيث نجحت في تحسين الوضع المالي واستقراره، وخفض الدين إلى 14.4 مليار ريال عُماني خلال العام الجاري، وتراجعت نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي من 62.3 بالمائة في عام 2021 إلى أقل من 35 بالمائة، ليصبح عند الحدود الآمنة، وتحول عجز الميزانية إلى فوائض مالية مع ارتفاع النفط وضبط الإنفاق. واللافت فيما حققته عمان ليس فقط تراجع حجم الدين العام، وتقليص كلفته، بل نجاعة السياسات للموازنة بين الجوانب الاجتماعية، ومتطلبات تقوية المركز المالي للدولة، وتمكين الاقتصاد من التوسع والنمو وتذليل التحديات التي ظلت تواجه استدامة التنمية. لقد بقي الاقتصاد العماني لسنوات طويلة يعاني من المحدودية، وقلة المشروعات الإنتاجية الكبرى التي يمكنها توسعة حجم الاقتصاد وتوفير فرص عمل مستدامة، ثم خاض النمو الاقتصادي دورة صعبة بلغت ذروتها في عام 2020 مع تفاقم تبعات الجائحة وتراجع النفط الذي أثر سلبًا على الأنشطة الاقتصادية. ولمواجهة ذلك، كان على الدولة التركيز على تحسينات وضرورات اقتصادية عديدة للتعافي، والدفع بالتنويع الاقتصادي ودعم القطاع الخاص، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة وإيجاد بيئة داعمة لنمو الاستثمار المحلي وريادة الأعمال، فأطلقت الحكومة الكثير من البرامج والمبادرات المحفزة والرامية إلى تحقيق المستهدفات التي تطمح الوصول إليها خصوصًا ما يرتبط بنمو الاقتصاد. والآن تخطو عُمان بثبات نحو التنويع والحد من الاعتماد على النفط مسترشدة بالرؤية المستقبلية، ففي السنوات الثلاث الأولى من الخطة الخمسية العاشرة سجل متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي 4.5 بالمائة مقتربًا من مستهدفات «رؤية عُمان 2040» بتحقيق معدل نمو 5 بالمائة بنهاية الخطة العاشرة، وبدأت القطاعات غير النفطية في حصاد ثمار توجهات التنويع من خلال معدلات النمو المرتفعة التي سجلتها، حيث بلغ نموها 4.2 بالمائة بنهاية النصف الأول من العام الجاري، وتتحول إلى قاطرة لدفع النمو القائم على التنويع. تنافسية الاقتصاد وجاذبية الاستثمار في عُمان وتبدو النتائج أكثر وضوحًا في التطورات الإيجابية المتواصلة في تنافسية الاقتصاد وجاذبية الاستثمار، من خلال مبادرات تبسيط إجراءات الاستثمار وبرنامج إقامة المستثمر والتحول الرقمي لخدمات المستثمرين، ونجاح تطوير صالة «استثمر في عُمان» كواجهة ومنصة للاستثمار وهو ما أسهم في توطين 29 مشروعًا استثماريًا بقيمة 1.2 مليار ريال عماني. وحققت جاذبية الاستثمار زيادة مستمرة في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وسجل إجماليه التراكمي نحو 26 مليار ريال عماني بنهاية النصف الأول. وفي جانب آخر يمضي جهاز الاستثمار قدمًا في تنفيذ خطة التخارج وتخصيص بعض الحصص في الشركات الحكومية وطرحها للاكتتاب العام في بورصة مسقط، مستهدفًا زيادة إيرادات الدولة وإفساح المجال لعمل القطاع الخاص، ضمن توجه الحكومة لتركيز دورها على توجيه وتنظيم الاقتصاد وتمكين القطاع الخاص من قيادة النمو وتوليد الوظائف. وضمن الدور الحكومي، أصبحت المبادرات والحوافز والبرامج الحكومية النوعية تتيح دعمًا كبيرًا ومتزايدًا لنمو القطاع الخاص الذي تعوّل «رؤية عمان 2040» على شراكته الفعالة، وكان من أبرز المبادرات تبني السياسة الوطنية للاستفادة من المحتوى المحلي والتي تسهم في توطين الصناعة وأنشطة الخدمات ودعم نمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وفتحت مبادرات البرنامج الوطني «استدامة» أفقًا واسعًا لدعم القطاع الخاص، وتعزيز دور القطاع المالي والمصرفي في التمويل وتنمية المشروعات خاصة مع إطلاق البرنامج التحفيزي لسوق المال الذي تضمّن إعفاءات ضريبية كبيرة لتشجيع إدراج شركات القطاع الخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في بورصة مسقط. ويقف جهاز الاستثمار العُماني وراء الكثير من المبادرات الاستراتيجية، حيث دشّن صندوق عمان المستقبل الحزمة الأولى من مشروعات الصندوق التي اجتذبت نحو 600 مليون ريال عماني من الاستثمارات الأجنبية، مما سينعكس على النمو الاقتصادي، وتوسعة قطاعات التنويع وتشجيع الشركات الناشئة وتوفير فرص عمل مجزية للعمانيين. استراتيجية الشراكة مع المستثمرين والقطاع الخاص ومع الدول وتتواصل مساعي توسعة حجم الاقتصاد وزيادة اندماجه مع الاقتصاد العالمي من خلال الشراكات مع المستثمرين والقطاع الخاص، والشراكات الاستراتيجية مع الدول الشقيقة والصديقة في مشروعات كبرى مثل السكة الحديدية، وتطوير منطقة الظاهرة الاقتصادية المتكاملة، والمشروع العملاق مصفاة الدقم، والذي جرى افتتاحه بداية هذا العام ليسهم في تحفيز نمو أنشطة تكرير النفط بشكل كبير، وقد بلغ معدل نموها 64 بالمائة خلال النصف الأول من العام الحالي، إضافة إلى إطلاق عدة مشروعات للهيدروجين الأخضر تناهز استثماراتها 50 مليار دولار مما يؤهل عُمان لتكون قوة عالمية في هذا القطاع، ويدعم توجهها نحو زيادة روافد النمو المستدامة. لقد استطاعت عمان بفضل حكمة قائدها المفدى حفظه الله وجهود أبنائها بثّ الحيوية في الاقتصاد، وتكلل الاستقرار الاقتصادي والمالي برفع التصنيف الائتماني إلى مستوى يعزز الجاذبية الاستثمارية وارتفاع ترتيبها في العديد من المؤشرات الدولية، وقفزت 39 مرتبة في مؤشر الحرية الاقتصادية وتقدمت 27 درجة في مؤشر ريادة الأعمال، وارتفعت مكانتها في العديد من المؤشرات الأخرى. ويمكننا القول أن سلطنة عُمان اليوم أمام مرحلة جديدة من السياسات الاقتصادية، مدعومة بمؤشرات إيجابية ماليا واقتصاديا وأدوات ومبادرات تنموية قوية، وهي فرصة مواتية للتغلب على كافة التحديات وتحقيق الازدهار الاقتصادي والرفاه الاجتماعي. ويتطلب ذلك الآن مضاعفة جهود كافة الجهات والكيانات المعنية بالاستثمار والاقتصاد، بما في ذلك الدبلوماسية الاقتصادية التي تنتهجها سلطنة عمان حاليا، حيث يمكنها أن تؤدي دورًا أكبر في فتح شراكات جديدة للدولة ولشركات القطاع الخاص، والبناء على ما حققته هذه الآلية من نجاحات في جذب الاستثمارات. جهاز الاستثمار العماني قاطرة لجذب الاستثمارات الجديدة والرهان كبير على دور جهاز الاستثمار العماني في جذب الاستثمارات الجديدة، كذراع استثمارية حكومية تمتلك خبرات وعلاقات واسعة وشراكات مع كيانات استثمارية عالمية كبرى، وقد نجح خلال الفترة الماضية في جلب استثمارات نوعية مهمة. وعليه أن يكرس جهوده في توطين التقنيات والصناعات المتقدمة، وكانت استضافته لاجتماع المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية بمشاركة رؤساء وأعضاء من 50 صندوقًا سياديًّا حول العالم تأكيدًا لمكانة لسلطنة عُمان، وانفتاحها تجاه الاستثمارات العالمية وسعيها لتعزيز الشراكات الاستراتيجية للاستفادة من الفرص الواعدة في جميع القطاعات. والعامل الأكثر أهمية المنظومة المشجعة للاستثمارات التي تستوجب التطوير المستمر للتشريعات والحوافز للدفع بجاذبية الاستثمار، وضمان البقاء في ساحة دولية تشهد تنافسًا كبيرًا من كافة الدول لجذب الاستثمارات، وقد لمسنا نقلة في تنافسية الاستثمار في عمان منذ إصدار قانون استثمار رأس المال الأجنبي في عام 2019، وما تلى ذلك من تطوير للعديد من التشريعات واللوائح المنظمة للاستثمار، ونستعد لنقلة جديدة في تشجيع وجذب الاستثمارات من خلال «قانون المناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة» المرتقب صدوره خلال الفترة المقبلة والذي نطمح أن يكون مسهما في رفع نسبة التعمين في المناطق الاقتصادية والمناطق الحرة والمدن الصناعية والتي تبلغ حاليا 35 بالمائة. على نحو مماثل يظل للقطاع الخاص دوره المهم في التعامل الإيجابي مع المستهدفات الوطنية خاصة ما يتعلق بتوفير فرص العمل، ونشاطه في تعزيز الشراكات وجذب الاستثمارات، وتفعيل الاستفادة مما تتمتع به غرفة تجارة وصناعة عمان من علاقات وتعاون مع القطاع الخاص والغرف التجارية ومجالس الأعمال المشتركة بين مجموعة كبيرة من الدول وسلطنة عمان. إن تضافر كافة هذه الأدوار هو ما يمهّد الطريق لاستقطاب أكبر للاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية والوصول لمستهدفات الاستدامة نحو تقليص الاعتماد على النفط، وتنويع الإيرادات، وزيادة نمو القطاع الخاص ليصبح شريكًا في التنمية ومصدرًا مستدامًا لتوفير فرص العمل، والحفاظ على تنافسية وجاذبية الاقتصاد وترسيخ مكانة عُمان كوجهة إقليمية وعالمية للاستثمار. كلام الصورة/ السلطان هيثم بن طارق يرعى العرض العسكري / من مشروعات الازدهار الاقتصادي في عُمان