جرت في أنهار العلاقات الدولية مياها كثيرة، خلال الفترة ما بين رحيل ترامب عن البيت الأبيض وعودته مجددًا في يناير 2025. اختلافات كثيرة على رقعة الخريطة العالمية، غير أن ما يفتح شهية مراكز الأبحاث العالمية، هو طبيعة مستقبل العلاقة بين إدارة ترامب في ولايته الثانية والقيادة الإيرانية، في ظل تعدد جبهات تقاطع المصالح «الأمريكية – الإيرانية» في منطقة الشرق الأوسط. مستقبل هذه العلاقة لا يمكن التعاطي معها، بمعزل عن ترشيحات ترامب لأعضاء إدارته، وهي الترشيحات التي قالت عنها «بي بي سي» إنها ستفرض المزيد من «الضغط والتحجيم» في مواجهة إيران. في محاولة لإزاحة الستار عن شكل وطبيعة هذه العلاقة، يرى مركز «ستيمسون» الأمريكي أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين تشير إلى أن طهران ليست في عجلة من أمرها للتفاوض، رغم أنه من الممكن أن يتغير هذا الموقف مع تطور الأحداث. ◄ لاحرب ولا مفاوضات يتمثل التحدي الأبرز أمام عودة قنوات التواصل المباشرة بين طهران وترامب، وفق المركز الأمريكي، في غضب إيران من إصدار ترامب أوامره باغتيال قائد الحرس الثوري قاسم سليماني في بغداد أوائل عام 2020. وذلك على خلفية تصاعد التوترات بين الفصائل العراقية المدعومة من إيران والقوات الأمريكية في العراق، عقب انسحاب ترامب من الاتفاق النووي في 2018. وردًا على هذا الواقعة، اتبع المرشد الإيراني علي خامنئي سياسة «لا حرب ولا مفاوضات» تجاه إدارة ترامب، ورفض في 2019 عرض اليابان للتوسط في محادثات مع ترامب. وسارت العلاقة على هذه الوتيرة بين إيران وإدارة ترامب، حتى جاءت إدارة جو بايدن إلى البيت الأبيض في 2021، والتي لم تشهد تغيرًا كبيرًا في هيكل العقوبات. ووجه منتقدو بايدن اتهامات له بالتراخي في تطبيق العقوبات، ما سمح لإيران بزيادة صادراتها النفطية، وهو ما ساعد على استقرار الوضع الاقتصادي للنظام الإيراني، حسب المركز الأمريكي. ◄ رسائل النوايا الحسنة طهران من جهتها تتحسب جيدًا لولاية ترامب الثانية، خاصة في ظل توسع رقعة المواجهات العسكرية بين جماعاتها المسلحة وإسرائيل، لذا تسعى منذ إعلان فوز ترامب لإرسال رسائل غير مباشرة عن «حسن النوايا»، تتمثل في تجاهل تمامًا الحديث عن استهداف إسرائيل بالقصف ردًا على هجومها في 26 أكتوبر الماضي. بالإضافة إلى ذلك، ما كشفت عنه «وول ستريت جورنال» عن تقديم طهران منتصف أكتوبر الماضي، ما قالت إنه «ضمانات مكتوبة» للإدارة الأمريكية بأنها لا تسعى لاغتيال ترامب، في دلالة قوية على رغبة طهران في تجنب التصعيد مع إدارة ترامب، لا سيما بعد أن توعد مسؤولو ترامب بالعودة إلى سياسة «الضغوط القصوى» تجاه طهران. ◄ حبل الدبلوماسية المشدود رجال ترامب الذين بدأوا في إدارة المشهد من الخطوط الخلفية التقطوا هذه الإشارات، إذ اجتمع رجل ترامب القوي إيلون ماسك بصورة سرية مع سفير إيران لدى الأممالمتحدة في نيويورك أمير سعيد إيرواني، وفق ما كشفته صحيفة «نيويورك تايمز». ونقلت الصحيفة عن مصدرين إيرانيين لم تسمّهما قولهما إن اللقاء بين أغنى رجل في العالم والسفير أمير سعيد إيرواني كان «إيجابيًا»، مشيرة إلى أن الرجلين التقيا لأكثر من ساعة في مكان سري يوم الإثنين الماضي. ◄ السلطة العليا في يد خامنئي الإشارات الإيجابية من قبل طرفي الأزمة قد تصطدم بطبيعة نظام حكم الجمهورية الإيرانية، وفق النظام السياسي، حيث يُنتخب رئيس الجمهورية الإيرانية كل أربع سنوات، لكن القرار النهائي في السياسة الخارجية والأمنية يعود إلى مرشد الجمهورية. ومنذ وفاة الخميني في 1989، تولى آية الله علي خامنئي الزعامة، وما زال صاحب القول الفصل في هذه الملفات، ومن المعروف أيضًا أن قاسم سليماني كان يمثل مكانة كبيرة لدى الخميني، لذا من الصعب القفز على دماء سليماني من أجل الحفاظ على حبل الدبلوماسية المشدود مع واشنطن، حتى وإن كانت هناك رغبة حثيثة من قبل الرئيس مسعود بزشكيان وفريقه الدبلوماسي في تحسين العلاقات مع واشنطن. ووفق المركز الأمريكي، فإن أي خطوة قد يتخذها بزشكيان للتفاوض مع الولاياتالمتحدة قد تصبح سلاحًا سياسيًا بيد منافسيه، الذين قد يستخدمون اغتيال قاسم سليماني كذريعة لعرقلة أي محاولات لتخفيف التوترات مع الرئيس الأمريكي الذي أمر بقتله. اقرأ أيضا| «رُفع عنه السِّرية».. مستقبل دبلوماسية الاستخبارات في عهد ترامب ◄ عوامل نجاح المفاوضات لا يخفى على أحد أن عودة العلاقات الإيرانية – الأمريكية إلى طبيعتها في ولاية ترامب الثانية، تتطلب القفز على عدد من الحواجز. بجانب قضية قاسم سليماني، هناك أيضًا الجماعات المسلحة التي تطوق إسرائيل، وتتحرك وفق أوامر الحرس الثوري الإيراني. وفق المركز الأمريكي، يتطلب أي اتفاق جديد بين الولاياتالمتحدةوإيران موافقة إسرائيلية وانسحابًا إقليميًا ذا مغزى من جانب طهران، بما في ذلك خفض الدعم للجماعات المسلحة مثل حزب الله وحماس، وهو ما يعرف ب«تبريد جبهات الطوق». وحول إمكانية حدوث مثل ذلك الأمر، يرى المركز الأمريكي أن نجاح أي مفاوضات إيرانية- أمريكية يتوقف على العديد من العوامل، مثل الحكومة التي تقود المفاوضات، ومن سيمثل إيران في تلك المفاوضات، ومدى قدرة إيران على تحمل الضغوط، وأخيرًا ما إذا كان هناك دعم كامل من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية أم لا. ◄ الملف النووي الإيراني اللافت في الأمر تجاهل المركز الأمريكي للملف النووي، باعتباره تحدي في طريق عودة «الدبلوماسية الناعمة» بين البلدين، هذا التجاهل أرجعه موقع «الحرة» الأمريكي إلى إمكانية، حدوث الكثير من التطورات في هذا الملف، خلال الفترة المتبقية من عمر إدارة بايدن، نتيجة التعقيدات التي تشهدها المنطقة. وما يدلل على ذلك، الزيارات المتسارعة للمدير العام لوكالة الطاقة الذرية رافائيل غروسي، لمواقع نووية إيرانية، التي تستهدف استثمار ما وصفته مواقع غربية ب«الفرصة الثمينة» قبل استلام ترامب الحكم بعد أسابيع. الأمر الآخر أن طهران أبدت تشددا كبيرا فيما يتعلق بهذا الملف، خاصة بعد قصفها بصورة مباشرة من قبل إسرائيل، وباتت هناك قناعة تامة من قبل القوى الغربية أن طهران باتت على بعد خطوات من «العتبة النووية»، وأن فلسفة التفاوض المستقبلية بين إيران مع الغرب تتمثل في «الإدارة وليس المنع» لقوتها النووية.